"المدير والنائب" لسمير بن خرف الله.. قراء فنية في جماليات الصورة وحبكة السرد

"المدير والنائب"  لسمير بن خرف الله..  قراء فنية في جماليات الصورة وحبكة السرد
Copyright 
بقلم:  Euronews
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button
اعلان

عرض وتقديم:عيسى بوقانون

في طبعته الجديدة، التي صدرت في 2013، عن دار قباء للنشر المصرية السعودية، تتناول المجموعة القصصية، والتي ضمنت ثلاث قصص، للروائي والناقد الأدبي سمير بن خرف الله، والتي وسمها “المدير والنائب“، تتناول تجليات الفساد المستشري في عمق المجتمع وتداعياته على السلوك البشري ، في مقاربة سيكولوجية، نجح الروائي في تحسس نبضات الحياة المهنية – وبخاصة في مجال الإعلام – داخل عالمها الضيق.
“المدير والنائب.. حين يتداخل السرد بجمالية الصورة الشعرية

تستهل القصة الأولى، “المدير والنائب” باجتماع لمجلس إدارة جريدة يومية حكومية، يعلن خلاله المدير عن استحداث منصب نائب للمدير، وأن بإمكان الموظفين أن يتقدموا بطلبات حتى يعينوا فيه. الطريف في القصة أن المدير يختار في نهاية المطاف كلبا نائبا له. وتدور الحبكة حول الحيوان الذي يصبح أغلب الموظفين يتملقونه ويتقربون منه طمعا في الترقية والزيادة في الراتب. تصل القصة إلى نهاية غير متوقعة، حينما يقال المدير وتحاول وزارة الإعلام استبداله بموظف من الجريدة عبر اقتراع بين العاملين، والذي تسفر نتيجته عن تعيين الكلب مديرا على الجريدة!
أما القصة الثانية والتي وسمها الكاتب الروائي بـ “الحقيبــة“، فهي تروي قصة شاب متشـرد تنقـلب حياتـه فـي لحظـة رأســاً على عَقِب، حينما يسلمه رجل مجهول حقيبة ممتلئة بالمال والمجوهرات، وتتبع القصة سيرة المتشرد وتحوله إلى رجل أعمال ثري، لتنتهي بعد ذلك نهاية مأساوية محيرة. في حين أن القصة الثالثة والموسومة بـ“الغابة العجيبة“، فتعود بنا إلى الفضاء الأدبي الرحب الذي كتبت فيه “كليلة ودمنة” غير أن أسلوب الكاتب أصبغه بقالب حداثي، من خلال اعتماد جماليات الصورة الفنية، والتي تتجلى في البنية السردية التي تنطلي عليها الأطر الفنية سواء من حيث الصياغة أو من حيث الأسلوب الذي يترك لدى القارئ ما نسميه بـ“لذة الانتظار” ويتحقق ذلك في الركون إلى عنصر المفاجأة، والإبهار عبر الحبكات القصصية التي تجعلنا نحن القراء ننبهر بسلاستها ضمن ما نسميه نحن بـ“حسن التخلص”. ويكمن مضمون القصة الأخيرة في أن نسرا حل ضيفا على غابة يرى فيها ما يثير عجبه ويحرك اندهاشه، حيث يتجلى ذلك من خلال مشاهد صورها الكاتب في قالب يميل إلى حد ما صوب السخرية والتهكم : أسود ذليلة وخنازير عزيزة. فيبحث النسر عن السر وراء هذا الانقلاب العجيب في موازين القوى بين الحيوانات، ليكتشف أسرارا عجيبة.

المنحى النقدي
القصص الثلاث تندرج في ما يسمى “أدب الخيال“، ففي القصة الأولى يعيَّن كلب نائبا لمدير الجريدة، وهو أمر بالطبع قاب قوسين أو أدنى من الكون الأدبي السريالي، حيث إن الوقائع لم تحدث من قبل، كما أنها تستعصي على التصديق، فالكاتب أراد أن يسقط واقع رداءة الوضع في عالم الصحافة وخاصة في الوطن العربي، لدرجة أنه تخيل إمكانية حدوث هذا في جريدة حكومية. ويظهر في القصة أيضا نفاق الموظفين الذين رضوا بالأمر وتزلفوا إلى المسؤول القاضي بأمره، فتحولوا إلى متملقين للكلب طمعا في رضى صاحبه.
أما القصة الثانية، “الحقيبة“، فإنها أيضا تدور في عالم ممهور بالتجليات الخيالية ويستطيع القارئ أن يشعر بأنه عالم موجود بين الحقيقة والخيال، أو بين اليقظة والمنام. فقصة المتشرد تبدأ بتلقيه حقيبة المال وهو غارق ما بين اليقظة والمنام، وتنتهي أخيرا حينما يخلد للنوم ليلة زفافه فيجد نفسه وقد عاد إلى المكان الذي تلقى فيه تلك الحقيبة. ليجعل القارئ في حيرة من أمره: هل عاش المتشرد تلك الأحداث فعلا، أم أنها كانت من وحي خياله؟ ذلك ما يسرده سمير بن خرف الله من خلال فضاء القصة الرحب الذي يتفطن إلى دقائق الأحدث والوقائع فيصفها وصفا فوتوغرافيا من خلال التداخل المنسجم بين بنية سردية تبدو متكاملة وتوظيف جمالي للصور التخييلية التي تجعل القصة تعتمد الإثارة والدفع نحو إدخال عنصر المفاجأة.
أما القصة الثالثة، “الغابة العجيبة“، فهي قصة نسجت على منوال قصص كليلة ودمنة، وأشعار لافونتين، التي تستعمل الحيوانات كرموز لتوصل رسالة أو رسائل ذات مغزى إلى القارئ. ويغلب على القصة التجاء الكاتب إلى الإكثار من الحوار، إكثار يجعل من السهل أن تتشكل أدبيا ضمن فضاء مسرحي رحب.

عن البنية المضمونية
القصص الثلاث إجمالا تتطرق إلى مواضيع الفساد والمال والسلطة، وهي موضوعات شكلت دائما مواد دسمة لينهل منها الكتاب والأدباء عبر كل العصور، نجح سمير بن خرف الله في أن يوظف المنحى المضموني ليصور الوقائع عبر قوالب سردية وفنية تجعل منا نحن القراء، منبهرين ومشدودين بانجذاب إلى المجموعة.
الناشر: دار قباء للنشر المصرية السعودية. حجم الكتاب 14 * 20. الصفحات: 224.

الكاتب سميربن خرف الله
سمير بن خرف الله. صحافي وأديب ومترجم بريطاني من أصول جزائرية. عمل لدى صحف ومحطات تلفزيون عدة في أوروبا والعالم العربي. صدر له من قبل رواية “سر الجزيرة السوداء” – الناشر: مكتبة الحكمة، لندن. ورواية “نار وطين” – الناشر: دار الغاوون، بيروت، لبنان.
يقول عنه الإعلامي الكاتب الناقد السوري الدكتور زياد الحكيم: “شغف الروائي الجزائري الشاب سمير بن خرف الله بالأدب العربي منذ صغره، فأقبل على دراسته دراسة متأنية ناقدة، وحفظ عددا كبيرا جدا من القصائد العربية القديمة والحديثة بما فيها المعلقات العشر- بشرح التبريزي-، فتراه يرددها بيسر وسهولة مستمتعا بكل لفظة فيها وشارحا ما غمض فيها من معان. وهو – كذلك – يهتم بعلوم النحو والتفسير والتاريخ الإسلامي. وإذا كان سمير مولعا بالمتنبي والفرزدق وأبي تمام والجاحظ، فهو في الوقت نفسه مولع بشعراء الإنكليز وأدبائهم من أمثال شيكسبير ووايلد وأورويل، بالإضافة إلى العديد من أدباء الروس في القرن التاسع عشر من أمثال تولستوي ودوستويفسكي. وهو يقرأ لهؤلاء باللغتين الإنكليزية والفرنسية بالسهولة نفسها”.
عرض وتقديم:عيسى بوقانون

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

الدنمارك تكرم كاتبتها الشهيرة بنصب برونزي في يوم ميلادها

شاهد: متحف للأغذية المثيرة للاشمئزاز في ألمانيا

بعد انقطاع دام 13 عامًا.. باريس تقيم سباق النُدُل الشهير