لبنان بين أزمتين: سياسية واقتصادية
بالنسبة لمازن رحال، مالك أحد المتاجر في ضاحية مزدحمة من ضواحي بيروت، فإن اقتصاد لبنان لم يبد على هذا النحو من الاضطراب إلا نادرا، بالنتيجة، يبيع رحال الملابس بسعر يقل كثيرا عن سعرها في السابق، بينما يخلو متجر آخر له، أجره لبائع آخر، من البضائع في الوقت الحالي.
وشهد عام 2018 امتزاج سنوات من التباطؤ التدريجي بعدد من العوامل الأحدث: ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض أسعار المنازل، وشكوك بشأن العملة، في وقت تسود فيه حالة من عدم التيقن، في ظل تشاحن السياسيين بشأن تشكيل حكومة جديدة.
"نحارب لدفع الفواتير.."
وبالنسبة للشركات والشعب اللبناني، فإن الاضطراب الاقتصادي والافتقار لحكومة تسيطر بقوة على السياسات - بعد نحو ثلاثة أشهر من تصويت اللبنانيين في انتخابات عامة - أصبحا مصدرين مستمرين للقلق.
وقال مازن رحال لوكالة رويترز: "عندنا كذا محل بالشارع، وهيدا واحد منهن، وعندنا محل كنا مأجرينه وهلق (الآن) بطل فيه حدا، كان فيه حدا مستأجر هلق بطل فيه حدا بقلبه. الشغل تغير كتير من هيداك الوقت لهلق، عم ينزل الشغل".
وأضاف: "عم نحارب لنقدر بس نطلع المصاريف اللي لازم ندفعها من كهربا لأجار موظفين، لكل شيء، شغل هيك".
وتملك عائلة رحال متاجر بشارع الحمراء التجاري الرئيسي في غرب بيروت منذ سبعينيات القرن الماضي.
ومع إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية، التي استمرت 15 عاما، وانتهت في 1990، كانت هناك فترة من النمو الاقتصادي.
وكما في أوج ازدهاره في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، جذب لبنان السياح العرب الخليجيين المستعدين للإنفاق مع فرارهم من لهيب الصيف الخانق في بلدانهم. لكن المشكلات كانت قاب قوسين أو أدنى طوال الوقت.
"العام المقبل سيكون أصعب.."
"خوري هوم"، شركة كبيرة في لبنان. تبيع متاجرها، التي تعد مشاهدتها أمرا مألوفا في أنحاء البلاد، الأجهزة المنزلية.
ويقول رومان ماثيو إنه يخبر موظفيه كل عام، منذ أصبح رئيسا لمجلس الإدارة في 2013، أن العام المقبل سيكون أصعب من السابق.
وأضاف: "وصلنا ع ال 2018، كارثة 2018 وأنا باعتقد بعد ما شفنا الصعب بال 2018، الصعب بعده قدامنا".
وفي خطوة قد تزيد المصاعب التي يواجهها ماثيو، قامت الحكومة العام الماضي بتقليص سلسلة من المحفزات للبنوك بخصوص قروض المساكن، مما ساهم في تراجع سوق الإسكان.
وفي الوقت الذي يشتري فيه عدد أقل من الأشخاص منازل، فإن عددا أقل يرغب في ثلاجات أو تلفزيونات جديدة.
وأردف ماثيو: "بتمنى إنه هيدي آخر سنة باقول للكل انه والله هيدي سنة كتير كتير صعبة، أصعب سنة قطعناها. إن شاء الله ما أقولها بال 2019 لأن إذا بدي أقولها بال 2019 ما رح يكون بقى فيه كتير عالم (موظفين) عم باقدر أقول لها لإلهن، لأن بصدق كارثة الوضع".
لكن المعاناة لا تشمل جميع الشركات. وقال مايكل رايت، الرئيس التنفيذي لسلسلة "سبينيس" لمتاجر البقالة، إنها زادت أحجام المبيعات، لأن الكثير من سلعها مستورد من أوروبا، وإن تقلبات العملة دفعت الأسعار للانخفاض.
وقال: "نبيع أكثر، وأحجامنا ترتفع. لكن ذلك يقابله انخفاض في الأسعار".
"حالتنا النفسية كتير مأزمة.."
ومنذ انتخابات مايو/أيار، يدور سجال حاد بين الأحزاب السياسية المتنافسة بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، تضم العدد الكافي من الأحزاب الرئيسية لضمان دعم سياسي من أنحاء البلاد.
وفي غياب حكومة جديدة، لا يمكن للبنان تطبيق الإصلاحات المالية اللازمة لوضع ديونه تحت السيطرة، أو الإفراج عن مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية المتعهد بها في البنية التحتية لتنشيط الاقتصاد.
وقال جميع من أجرت رويترز مقابلات معهم إن من المهم أن يشكل لبنان حكومة قريبا.
في غضون ذلك، زادت أسعار الفائدة في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة على نحو متزايد لجذب مستويات أعلى من ودائع البنوك والتي يعتمد عليها الدين الحكومي.
ولأسعار الفائدة المرتفعة أضرارها أيضا. فقد ظلت جيسي كوجاببيان مخطوبة لمدة عامين. وكان من المقرر أن تقيم حفل زفافها في سبتمبر/أيلول. لكن مع زيادة أسعار الفائدة، وتقليص الحكومة لمحفزات البنوك كي تقدم قروض الإسكان، فقد باتت غير قادرة هي وخطيبها على شراء منزل، فألغيا حفل الزفاف.
للمزيد على يورونيوز:
- الحريري: الأحزاب اللبنانية تحتاج المزيد من الوقت لتشكيل حكومة
- شاهد: باحثون لبنانيون يدرسون نبتة الحشيش لغايات طبية
وقالت جيسي: "رحنا تا نقيم ع البنك، بطلوا يستقبلوا طلبات. هون تأثر علينا لان نحن كنا عم نحجز دي.جيه كرما لحفل الزفاف، كورود، كمطعم، ككنيسة، كل شيء، دفعنا مقدم 6000 دولار. فكيف بدنا نرجع نرد حقنا هلق بالمقدم؟".
وأضافت جيسي: "يوم عن يوم حالتنا النفسية كتير مأزمة، وصار فيه ضغوطات كتير وقلق. فبدي أطلب بس شغلة واحدة من الدولة إنه تاخد لنا حقنا، مش يعني انه نحن طبقة فقيرة ولا متوسطة، ما فينا نعيش بلبنان".