فيديو: هل تحولت ثروة الفوسفات التونسية من نعمة إلى نقمة؟

فيديو: هل تحولت ثروة الفوسفات التونسية من نعمة إلى نقمة؟
Copyright Reuters
Copyright Reuters
بقلم:  Hani Almalazi مع Rreuters
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button
نسخ/لصق رابط فيديو المقال أدناهCopy to clipboardCopied

ثروة الفوسفات في تونس شبهات فساد وبطالة مقنعة وخسارات مبهمة

اعلان

يمضي عبد الباسط أغلب وقته كل يوم في مقهى ببلدة المتلوي في جنوب العاصمة تونس دون عمل، لكنه رغم ذلك يحصل على راتب شهري منتظم من الدولة يقارب 280 دولاراً.

إنه واحد من بين نحو 12 ألف موظف تصرف لهم شركة فوسفات قفصة المملوكة للدولة رواتب دون أن يؤدوا أي عمل، بعد أن انتدبتهم للقيام بأعمال بيئية ضمن "شركة البيئة" التابعة لها في إطار خطط لامتصاص بطالة منطقة الحوض المنجمي الغنية بالفوسفات.

وبعد أن كان عدد الموظفين في قطاع الفوسفات لا يتجاوز تسعة آلاف في عام 2010، قفز العدد حالياً إلى نحو 30 ألف موظف.

يقول عبد الباسط البالغ من العمر 45 عاما "أحصل على 850 دينارا (279.62 دولار) شهرياً دون أن أقوم بأي عمل.. هذا يقلقني كثيراً.. انظروا للنفايات المتراكمة في المدينة جراء إنتاج الفوسفات، ومع ذلك ليس هناك أي عمل لنا.. إنه فساد دولة".

ومنذ انتفاضة 2011 التي أنهت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، انتدبت الشركة الآلاف من الموظفين للقيام بأعمال بيئية بعد موجة احتجاجات تطالب بالتشغيل والتنمية، وتسببت في إيقاف إنتاج الفوسفات كلية لفترات وصلت إلى عدة أشهر.

تلك الموجة من الانتدابات العشوائية التي قال عنها وزير الطاقة والصناعة التونسي سليم الفرياني إن هدفها "شراء السلم الاجتماعي في منطقة الحوض المنجمي" زادت من معاناة الشركة التي وقعت بين سندان الإضرابات ومطرقة الانتدابات العشوائية.

للمزيد على يورونيوز:

شركة فوسفات قفصة، المثقلة بآلاف الموظفين وتضم شركات فرعية من بينها شركة النقل وشركة البيئة، أصبحت أشبه بالبقرة الحلوب حتى تحولت من شركة تحقق فائضاً مالياً كبيراً سنوياً، إلى عبء على الدولة مع ذهاب أغلب نفقاتها في كتلة الأجور.

Reuters

وتصرف الشركة نحو 180 مليون دولار على كتلة أجور موظفيها سنوياً، من بينها نحو 70 مليون دولار مخصصة لعمال البيئة الذين لا يقومون بأي عمل، وفقا للأرقام الرسمية.

وللمطالبة برفع أجورهم، أنشأ عمال شركة البيئة نقابة تدعو الشركة أيضاً لتوفير وظائف حقيقية.

ويقر وزير الطاقة التونسي بأن هؤلاء لا عمل لهم، قائلاً "نحن نعي أنهم لا يقومون بأي عمل، وندرس ماذا يمكن أن نفعل لكي نجد شغلاً مهما يقوم به هؤلاء الآلاف".

وتسببت الإضرابات ووقف إنتاج الفوسفات، وهي صناعة حيوية لتونس ومصدر رئيسي للعملة الأجنبية، في خسارة نحو ثمانية مليارات دولار منذ انتفاضة 2011.

وقال الفرياني في مقابلة "نخسر تقريباً مليار دولار سنوياً منذ 2011 بسبب وقف الإنتاج، وهذا رقم مفزع، وكان يمكن أن يجنبنا حتى الاقتراض من صندوق النقد".

وكشفت وثيقة للشركة أن أيام التوقف الكلي عن العمل تصل أحياناً إلى 244 يوما في السنة في بعض مواقع الإنتاج الخمسة منذ 2011.

وفي مسعى للنأي بإنتاج الفوسفات عن الاحتجاجات المتكررة، كان الرئيس التونسي قد أمر في 2017 بأن يحرس الجيش مواقع إنتاج الفوسفات والنفط، معتبرا أن ضرب الإنتاج يمس أمن البلاد، لكن ذلك لم يحدث إلا نادراً خشية الدخول في مواجهات مع الأهالي على الأرجح.

صندوق النقد

في عام 2016، اتفقت تونس على قرض بقيمة 2.6 مليار دولار مع صندوق النقد في 2016. وحتى الآن لم يتم صرف سوى أربع دفعات منه بقيمة 1.4 مليار دولار حتى الآن، لكن كل منها تأخر صرفه بسبب عدم وصول الإصلاحات إلى المستوى المطلوب في إطار البرنامج المتفق عليه.

وجاءت رواتب القطاع العام وإصلاح الشركات العامة من بين نقاط الخلاف مع الصندوق.

Reuters

ويتوقع بعض المحللين مواجهة جديدة مع صندوق النقد، بعدما زادت الحكومة الرواتب في الشركات العامة، بما فيها فوسفات قفصة والخطوط التونسية والشركة التونسية للكهرباء والغاز.

وقالت متحدثة باسم صندوق النقد إن الصندوق يجري "حواراً مستمراً مع السلطات بشأن السياسات" في المراجعة المقبلة للقرض، لكنها أحجمت عن ذكر موعد تلك المراجعة.

اعلان

وأضافت "يدعم صندوق النقد الدولي البرنامج الاقتصادي للسلطات التونسية لتقليص اختلالات الاقتصاد الكلي، بما في ذلك تعزيز التنافسية الخارجية وخفض التضخم وتقليص الديون وتحسين فرص نمو خلق الوظائف عبر إصلاحات هيكلية".

وبعد أن كان إنتاج تونس من الفوسفات في 2010 في حدود 8.2 مليون طن، تراجع العام الماضي إلى ثلاثة ملايين طن فقطً متأثراً بالاحتجاجات المتكررة. وفي مقابل ذلك، نما إنتاج المغرب من نحو 13 مليون طن في 2010 إلى نحو 30 مليون طن العام الماضي مستفيداً من مناخ اجتماعي مستقر وتطوير صناعته، وأصبح ينقل الفوسفات عبر الأنابيب، بينما تراجع إنتاج تونس وزاد من أوجاع اقتصادها العليل مع هبوط احتياطي العملة إلى ما يعادل 84 يوما فقط من الواردات.

ويقول وزير الطاقة الفرياني إن تونس لم تعد على خريطة كبار المنتجين العالميين للفوسفات، بعد أن كانت ضمن الخمسة الأوائل في العالم. وتضم قائمة الدول الخمس الأعلى إنتاجاً الصين والولايات المتحدة والمغرب وروسيا والأردن.

وكان الفوسفات يمثل نحو عشرة بالمئة من صادرات تونس قبل 2011، حين حل زيت الزيتون محله متصدراً قائمة الصادرات. وفي 2018، انكمشت حصة الفوسفات من الصادرات لتصل إلى نحو أربعة بالمئة.

حوكمة سيئة

على الرغم من ذلك، لم يكن التراجع الحاد في إنتاج الفوسفات هو العلة الوحيدة التي أنهكت شركة فوسفات قفصة التي كانت تملأ خزينة الدولة بمليارات الدولارات قبل أن تصبح شركة عاجزة؛ فالحوكمة السيئة أيضاً أحد الأمراض التي أصابت قطاع الفوسفات المشغل لنحو 30 ألف موظف.

اعلان

ثمة شبهات فساد تتعلق بنقل الفوسفات وعمليات الشراء والانتدابات العشوائية والمناظرات، وتصل إلى شراء بعض قطع الغيار غير الصالحة.

وقال القاضي محمد علي البرهومي المتحدث باسم محكمة قفصة إن القضاء فتح تحقيقاً بشأن موظفين في الشركة بشبهة فساد.

وأضاف "مراقب حسابات الشركة قدم تقريرا أظهر خروقات في صفقة قطع غيار شاحنات كمية منها غير صالحة للاستعمال بقيمة مليون دينار".

ويقول وزير الطاقة الفرياني إن وزارته تتلقى باستمرار عرائض حول شبهات فساد، لكنه يؤكد أنه "ليس هناك إثبات لذلك، ومع ذلك نسعى لتعزيز الحوكمة داخل الشركة".

وفي شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تم حبس كاتب الدولة للطاقة هاشم الحميدي بعد نحو شهر من إقالته من قبل رئيس الوزراء يوسف الشاهد، بسبب شبهات فساد ورشوة.

اعلان

وقالت تقارير إن هناك شبهات حول طلبه رشوة من رجل أعمال عراقي مقابل تمكينه من الحصول على الفوسفات والأسمدة بأسعار زهيدة. لكن الحميدي قال إنها "ادعاءات كيدية".

ولم يصدر حتى الآن أي حكم في القضية. ورفض وزير الطاقة التعليق على الموضوع قائلاً "ننتظر أن يظهر القضاء الحقيقة في هذا الموضوع".

ويشكل الفساد أحد أهم الملفات التي تواجهها الحكومة التونسية، وكانت مقاومة الفساد أحد شعارات انتفاضة 2011.

شبهات نقل الفوسفات

في مقر شركة الفوسفات بالمتلوي، يغطي الغبار بعض القاطرات التي اقتنتها الشركة بملايين الدولارات منذ نحو أربع سنوات ولكنها لم تُستعمل حتى الآن.

Reuters

وقال موظفان بالشركة طلبا عدم ذكر اسميهما إن هذه الصفقة من ضمن الصفقات التي تكتنفها شبهات فساد.

اعلان

لكن رافع نصيب مدير الإنتاج بالشركة رفض هذه المزاعم، قائلاً إن ذلك "كلام بلا معنى"، حيث لم يجر استعمال تلك القاطرات بسبب مشاكل في السكك الحديدية الداخلية قرب مواقع إنتاج الحوض المنجمي.

وأضاف أنه تمت ترسية مشروع إعادة تهيئة السكك الحديدية في مواقع الإنتاج على مستثمر تونسي، لكن الشركة اضطرت لسحب المشروع منه بسبب إخلالات في تطبيق شروط التعاقد.

إن نقل الفوسفات يظل من أكبر الموضوعات المثيرة للجدل، فما أن تطأ قدماك مدن الحوض المنجمي، حتى يخبرك أغلب من تلتقاهم بأن بعض أصحاب النفوذ المالي والسياسي يسيطرون على نقل الفوسفات بالشاحنات.

وقبل أشهر، نشر مدونون صورة لحائط من الأسمنت بني على السكة الحديدية في منطقة قفصة، وصور أخرى لشاحنات تلقي التراب على السكة لمنع مرور عربات القطار التي تنقل الفوسفات.

ونصف إنتاج الفوسفات ينقل عبر الشاحنات وينقل النصف الآخر عبر القطارات، وفقا لما قاله وزير الطاقة، مضيفاً أن الحكومة لديها برنامج لزيادة نقل الفوسفات عبر القطارات مع خطط لشراء عربات وتهيئة السكك الحديدية بشكل أفضل لخفض التكلفة.

اعلان

للمزيد على يورونيوز:

ويقدر مسؤولون سعر نقل الطن الواحد من الفوسفات عبر الشاحنات بنحو عشرة دولارات مقابل ثلاثة دولارات فقط عبر القطارات.

وتزيد الحوكمة السيئة ونقص الشفافية في القطاع إحباط شبان المنطقة الذين يقولون إنهم لم يجنوا من الفوسفات سوى الأمراض.

يقول معز، أحد سكان المتلوي "انظروا حال المتلوي.. هذه البلدة التي توفر ثروة بمليارات الدولارات للبلاد لا تجن سوى الأوساخ والأمراض لأهاليها ولا يستفيد منها إلا الفاسدين.

"فقط تعودنا على سماع أن تونس تخسر المليارات عندما يتوقف الإنتاج أياماً، ولكن لا نرى ملياراً واحداً عندما يستمر الإنتاج سنوات دون انقطاع".

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

دولة أوروبية هي الأكثر إنتاجية في ساعة العمل...تعرف عليها

وزير النفط السعودي: سنصبح ثاني أكبر منتجي أسمدة الفوسفات في العالم

أرباب العمل في أوروبا يجدون صعوبة في التوظيف بسبب غياب المهارات والمؤهلات للمتقدمين