"فرنسا تعيد اكتشاف تاريخها" بإعادة رفاة 24 مقاوما جزائريا من الحقبة الإستعمارية

مواطنون جزائريون يترحمون على أرواح رجال المقاومة الجزائرية الذين استشهدوا خلال الحقبة الإستعمارية الفرنسية للجزائر - 2020/07/04
مواطنون جزائريون يترحمون على أرواح رجال المقاومة الجزائرية الذين استشهدوا خلال الحقبة الإستعمارية الفرنسية للجزائر - 2020/07/04 Copyright رياض قرامدي/أ ف ب
Copyright رياض قرامدي/أ ف ب
بقلم:  يورونيوز مع أ ف ب
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button

جاءت إعادة الرفات كمبادرة لتهدئة العلاقات الثنائية المتقلبة بين البلدين فرنسا والجزائر، منذ 1962. وقال قصر الإليزيه الجمعة إن هذه المبادرة تندرج في خانة الصداقة والوضوح حول كل جراح التاريخ المشترك.

اعلان

تجمّع جزائريون السبت في العاصمة، عائلات وفرادى، شبابا ومسنين، أمام نعوش تحوي رفات 24 مقاتلا قتلوا في بداية الاستعمار الفرنسي وجرت إعادتهم من باريس. وضعت النعوش المغطاة بالعلم الوطني على منصات في بهو قصر الثقافة في العاصمة الجزائرية، بعد وصولها الجمعة في طائرة عسكرية.

وكان وزير المجاهدين دعا السكان الجمعة الى المجيء والقاء نظرة أخيرة على النعوش قبل دفنها، مع احترام التباعد الجسدي للوقاية من وباء كوفيد-19. وقال شاب ثلاثيني للتلفزيون قبل توجهه الى المكان: "إن هذا اليوم تاريخي".

حُفظت جماجم مقاتلي الانتفاضة الشعبية منذ القرن التاسع عشر ضمن مجموعات المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس، واستقبلها رسميا الجمعة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس الأركان سعيد شنقريحة في مطار العاصمة. وستوارى النعوش الأحد، يوم عيد الاستقلال، في "ساحة الشهداء" بالمقبرة العلية في العاصمة، حيث تدفن أهم شخصيات حرب الاستقلال.

وجاءت إعادة الرفات كمبادرة لتهدئة العلاقات الثنائية المتقلبة بين البلدين فرنسا والجزائر، منذ 1962. وقال قصر الإليزيه الجمعة إن هذه المبادرة تندرج في خانة الصداقة والوضوح حول كل جراح التاريخ المشترك. واستمر الاستعمار الفرنسي للجزائر 132 عاما (1830-1962). ولم تطلب الجزائر رسميا من فرنسا استعادة الرفات الذي يعود الى عشرات المقاتلين وأرشيف من حقبة الاستعمار، إلا في كانون الثاني/يناير 2018.

استعادة الذاكرة

يعتبر المؤرخ بنيامين ستورا أن إعادة رفات 24 مقاتلا جزائريا ضد الاستعمار، قتلوا في القرن التاسع عشر خلال الغزو الدامي للجزائر، تمثّل فرصة لفرنسا لاعادة اكتشاف فصل قاتم من تاريخها.

عبر هذا النوع من الخطوات، تعيد فرنسا اكتشاف تاريخها. ويقول ستورا: "إن ذلك يساهم في إخراج صفحات قاتمة من تاريخنا من النسيان. كان لدينا شعور بأن الغزو الاستعماري كان قصيرا، لكن بناء مدن كبرى وفق الطراز الهوسماني (نسبة إلى جورج أوجين هوسمان) على غرار العاصمة الجزائر ووهران، وطرق ومستشفيات إلخ، قام على مجازر وأشياء رهيبة".

ويضيف ستورا: "استمر الغزو فترة طويلة. بصفة عامة، كنا نظن أن الغزو بدأ عام 1830 وانتهى مع استسلام الأمير عبد القادر عام 1847، لكننا لم نعلم أن هذه الحرب استمرت فعليا فترة أطول بكثير".

"تاريخ رهيب"

نُقل هذا التاريخ الرهيب من جيل إلى جيل داخل العائلات الجزائرية. العلاقة مع فرنسا مؤلمة للغاية، ولا يمكن أن يمر ذلك مرور الكرام. ثمة حركة عالمية لاستعادة تاريخ الشعوب، ولا يمكن أن تبقى فرنسا في منأى منها.

خلال الغزو الاستعماري حصل عنف عسكري ومصادرة للأراضي، وكان يسود حينها انطباع علمي زائف يتمثل في إقامة تراتبية بين الأعراق والأجناس. ونقل رفات المقاتلين إلى فرنسا (جرى تقطيع أجسادهم بعد إطلاق النار عليهم)، لمعرفة لماذا مانعوا إلى هذه الدرجة "دخول الحضارة"، إذ كانت هناك رغبة في فهم لماذا "لا يفهمون".

وضع الرفات في متحف الإنسان وطواه النسيان. فقط اعتبارا من التسعينات، جرت في الجزائر وفرنسا عودة إلى التاريخ، إلى الذاكرة، وبرزت رغبة لدى الأجيال الشابة لمعرفة ما جرى.

"غزو كامل ومجازر"

وتم إدراك أن العنف لم يحصل فقط أثناء حرب الجزائر (1954-1962)، وتم اكتشاف وجود عنف آخر أشد جنونا هزّ المجتمع الجزائري من 1830 حتى 1902 مع غزو كامل الصحراء.

عبر البحث في حرب الجزائر، تم اكتشاف الحرب الأولى، حرب الغزو. المعارك في الزعاطشة (منطقة شرق الجزائر شهدت انتفاضة عام 1849 قادها الأمير بوزيان الذي جمجمته بين الرفات الذي أعيد الى الجزائر)، تُظهر بشكل جليّ صلابة الممانعة للحضور الفرنسي وامتدادها الزمنيّ. وقعت معارك رهيبة أخرى في توغورت جنوب البلاد ومنطقة القبائل في 1854 و1871 وغيرها، وانتفاضة المقراني (آذار/مارس 1871).

ويقول ستورا: "كان الغزو فظيعا وشهد مجازر وعمليات حرق. نتحدث كثيرا عن توماس روبير بيجو، لكن هناك أيضا لويس أوجين كافينياك وجاك لروا سان أرنو وفرانسوا كيرتا دى كانروبير وهيربيون وغيرهم، هذه أسماء رهيبة. لقد كانت حربا فظيعة لأنها حرب بلا أسرى. حتى النساء قتلن بالأسلحة. كان الغزو في الحقيقة حرب الجزائر الأولى".

ويرى المؤرخ الفرنسي أنه في ما يخص لويس لاموريسيير وكافينياك وكانروبير وسان أرنو والدوق دومال وغيرهم، من الأجدر ربما تخصيص مكان، فضاء أو متحف، تجمع فيه الأجيال الشابة ويشرح لها من هي تلك الشخصيات وذلك التاريخ الفرنسي. ويقول ستورا  إنه يدعم الحفاظ على الآثار لشرح التاريخ، ولا يدعم تحطيم التماثيل، وإلاّ فإنه سيتم محو كل شيء والبدأ من جديد.

viber
شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

أحكام قاسية بالسجن بتهم فساد في الجزائر ضد مقربين من بوتفليقة

الجزائر تستمر في غلق حدودها بسبب ارتفاع الإصابات بكوفيد-19

"للصبر حدود".. الرئيس الجزائري يحذر دولة "شقيقة" دون أن يُسمِّها وأصابع الاتهام تشير إلى الإمارات