من غزو الكويت إلى الربيع العربي فالأزمة الخليجية .. محطاتٌ في مشوار صباح الأحمد الصباح

اعلان

بعد تسعة عقود وسنة واحدة، رحل حاكم الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح الذي حفل عهده بالكثير من الأحداث السياسية الكبرى في الإقليم. 

وقد لعب الأمير الراحل دورا بارزا في تلك الأحداث، بدءا من إعادة العلاقات مع العراق بعد حرب الخليج عام 1990 إلى لعب دور الوساطة في الأزمة الخليجية بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى وبين هذا وذاك انتفاضات الربيع العربي وأزمة النفط.

تولى الصباح حكم الكويت عام 2006، بعد تصويت البرلمان بالإجماع على الإطاحة بسلفه الشيخ سعد العبدالله الصباح، بعد تسعة أيام فقط من حكمه.

ومن المنتظر أن يخلف الشيخ صباح أخوه غير الشقيق ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الصباح.

وكان الصباح قد مرض فجأة في تموز/ يوليو الماضي، ودخل المستشفى وأجريت له جراحة في مدينة الكويت، قبل نقله عبر مستشفى طائر من طراز C-17 تابع للقوات الجوية الأمريكية إلى روتشستر في ولاية مينيسوتا، لعيادة مايو كلينيك في لفتة غير اعتيادية لرئيس دولة أجنبية من قبل الإدارة الأمريكية. وأعلنت الكويت حينها، تحديداً في 18 تموز/يوليو، نقل بعض صلاحياته لولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.

وكان الصباح قد قام في 2019 برحلة علاجية في الولايات المتحدة استمرت ستة أسابيع وتخلّلها إلغاء لقاء مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسبب وضعه الصحي.

من هو صباح الأحمد الصباح؟

ولد الأمير الراحل في 16 حزيران/ يونيو 1929 قبل فترة وجيزة من اكتشاف النفط الذي جعل الكويت صاحبة سادس أكبر احتياطيات نفطية معروفة في العالم.

تولى الشيخ صباح منصب وزير خارجية الكويت عام 1963 بعد أن شغل عددًا من المناصب الحكومية الأخرى، وبقي في منصبه لأربعة عقود مما جعله أحد وزراء الخارجية الأطول خدمة في العالم.

غزو الكويت وعاصفة الصحراء

واجه أكبر أزمة لبلاده عام 1990، مع غزو العراق الكويت واحتلالها لأشهر.

في 24 فبراير شباط 1991، اقتحمت القوات الأمريكية وحلفاؤها الكويت، وانتهت العملية خلال 100 ساعة، لكن حتى قبل دخول الولايات المتحدة الكويت، بدأ الشيخ صباح رفقة آخرين باقتراح وجود أمريكي دائم في المنطقة يوفر لهم الحماية من العراق وغيره.

وتستضيف الكويت اليوم حوالي 13500 جندي أمريكي، كثير منهم في معسكر عريفجان جنوب مدينة الكويت.

تنصيبه أميراً للبلاد

عام 2003، عينه أخوه غير الشقيق وأمير الكويت آنذاك، الشيخ جابر الأحمد الصباح، رئيسًا للوزراء.

على الرغم من أن هذه الخطوة قد أبقت أفراد عائلة آل صباح في سيطرة محكمة على الكويت، إلا أنها اعتبرت خطوة متواضعة نحو الإصلاح لأنها كانت المرة الأولى التي يتم فيها الفصل بين دوري رئيس الوزراء وولي العهد.

وتنامى دور الشيخ صباح في إدارة الشؤون اليومية للبلاد بسبب المشاكل الصحية التي كان يعاني منها رئيس الوزراء السابق الشيخ سعد العبدالله الصباح.

ورغم صحته المتدهورة، تولى الشيخ سعد السلطة في عام 2006 بعد وفاة الشيخ جابر، وتصاعدت المخاوف خلال فترة حكمه القصيرة، ما دفع البرلمان إلى التصويت لصالح تنصيب الشيخ صباح بعد قرار وزاري مماثل.

ورغم رمزية التصويت حينها إلى حد كبير، إلا أنه اعتبر انتصارًا صغيرًا للديمقراطية في الخليج، وكانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ البلاد التي يكون فيها للهيئة التشريعية دور باختيار الأمير.

قضايا محلية .. النفط والبرلمان والربيع العربي

على الصعيد المحلي، واجه الشيخ صباح تحدي هبوط أسعار النفط في السنوات الأخيرة.

كما قام بحل البرلمان عدة مرات مع استمرار النواب في استجواب وزراء الحكومة المعينين، وبعضهم من أفراد العائلة المالكة.

اعلان

أما كيف تعامل الشيخ الصباح مع احتجاجات الربيع العربي، فقد أمر بمنح 1000 دينار (3559 دولارًا) وقسائم طعام مجانية لكل كويتي، و انتشرت مزاعم حينها بأن بعض المشرعين تلقوا رشوة بقيمة 350 مليون دولار من الحكومة للتأثير على أصواتهم، إلى جانب شائعات عن تورطهم في اختلاس أموال الدولة.

ووسط إضرابات ومواجهات مع الشرطة، دخل متظاهرون البرلمان لفترة وجيزة، وهم يلوّحون بالأعلام ويرددون النشيد الوطني للبلاد، ومع ذلك، فقد استطاع الشيخ صباح الحفاظ على السلطة مع السماح بالاحتجاجات في الوقت نفسه، في حالة نادرة تشهدها دولة خليجية.

غزو العراق

بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 والذي أطاح بصدام حسين، حاول الشيخ الراحل مد الجسور مع بغداد، إذ زار العراق مرتين وفي عام 2012 ساعد في التوصل إلى صفقة بقيمة 500 مليون دولار لتسوية نزاع قانوني طويل الأمد بين شركتي الطيران العراقية والكويتية بشأن مزاعم سرقات ارتكبها الرئيس صدام حسين على نطاق واسع.

مؤتمرات وقمم دولية

استضاف الشيخ الصباح قمة في 2018 شهدت تعهدات بتقديم مبلغ 30 مليار دولار للمساعدة في إعادة إعمار العراق بعد الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش، رغم أن بغداد لا تزال مدينة للكويت بتعويضات عن غزو صدام حسين عام 1990.

كما لعب الشيخ صباح دورًا في جمع أموال المساعدات للسوريين، واستضاف مؤتمرات المانحين الدولية في عامي 2013 و2014، وتعهد بمنح الكويت مئات الملايين من الدولارات للاجئين السوريين.

اعلان

الأزمة الخليجية

من أكبر التحديات التي واجهت أمير الكويت هي قرار مقاطعة قطر عام 2017 من قبل أربع دول عربية.

حاول الشيخ صباح لعب دور الوسيط في هذه الأزمة. وعلى هامش زيارة قام بها إلى البيت الأبيض في ذات السنة، كان حذّر من مغبة تحولها إلى نزاع مسلّح.  

وإذا كانت جهود الوساطة هذه لم تفلح حتى اللحظة في حلحلة الأزمة، فإنه يحسب للشيخ صباح نجاحُه بإقناع رئيس الوزراء القطري الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني بمصافحة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أثناء لقاء تم في مكة عام 2019 وقد كانت هذه المصافحة على الهواء مباشرة.