في مطار بولونيا، البوابة الشمالية لإيطاليا، وبعد رحلة استغرقت 20 ساعة، بدأها من مدينته بوكا راتون بولاية فلوريدا الأمريكية، التقى أدلر مع برونو ومافالدا وجوليانا نالدي، فكان العناق الحار والقبلات الراجفة والنظرات التائهة بين عتبات الزمن..
يحتفظُ مارتن أدلر بصورة قديمة له يعود زمن التقاطها إلى أكثر من سبعة عقود، حينها كان جندياً شاباً يخدمُ ضمن صفوف الجيش الأمريكي في الحرب العالمية الثانية، ونُسبَ إليه الحفاظ على حياة ثلاثة أطفالٍ إيطاليين أثناء تقهقر الجيش النازي وتراجعه شمالاً في العام 1944، فكان أن جمعته وإياهم تلك الصورة باللونين الأبيض والأسود.
المحارب الأمريكي القديم، والبالغ من العمر 97 عاماً، التقى يوم أمس الاثنين، ولأول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، التقى مع الأطفال الأشقاء الثلاثة الذين كانوا وإياه في الصورة، لكن هؤلاء الأطفال لم يعودوا أطفالاً، لقد أوغلوا في عقدهم التاسع.
في مطار بولونيا، البوابة الشمالية لإيطاليا، وبعد رحلة استغرقت 20 ساعة، بدأها من مدينته بوكا راتون بولاية فلوريدا الأمريكية، التقى أدلر مع برونو ومافالدا وجوليانا نالدي، فكان العناق الحار والقبلات الراجفة والنظرات التائهة بين عتبات الزمن.. ومثلما كان يفعل حين يلتقيهم في قريتهم مونتيرينزيو، وزّع عليهم قطعاً من الشوكولاتة الأمريكية ليضفي على المشهد مزيداً من الحنين والشغف.
وسائل التواصل الاجتماعي، لعبت دوراً رئيساً في هذا اللقاء الذي جمع إدلر و"الأطفال" الثلاثة، ولعلّ تلك الصورة هي الوثيقة التي تؤكد على صدق الرواية وعلى أن شخوصها أناسٌ حقيقيون وليسوا وهماً من نسج الخيال.
يعود إدلر بذاكرته، إلى ذلك اليوم حين دخلَ منزلاً بدا كأنه مهجورٌ، وأثناء تحققه من خلو المنزل من الجنود النازيين، وإذ به يسمع صوتاً يصدر من سلّة ضخمة مصنوعة من الخيزران، فظنّ أن جندياً ألمانياً يختبئ داخلها، فصوّب بندقيته على السلّة وهمّ بإطلاق الرصاص.
"خرجت الأم مذعورة، ووقف أمام بندقيتي مباشرة لمنعي من إطلاق النار" يقول إدلر الذي أضاف "وضعت بطنها أمام فوّهة بندقيتي، وصرخت بملئ فيها، بامبيني.. بامبيني (أطفال.. .. أطفال)..".
ويتابع إدلر قائلاً: "لقد تجلّى في هذه الأمّ المعنى الحقيقي لمفهوم البطولة، كانت بطلةً بحقّ، لستُ الأنا البطل، وإنّما هي، هل يمكن للمرء أن يتخيّل نفسه واقفاً أمام بندقية على وشك إطلاق النار، وتصرخُ.. أطفال.. أطفال"..
تُباغتُ إدلر ثمّة هالة سوداء ضخمة يمزّقها البرق وتحاصرها أصوات الرعد حين يتذكر أنه كان على بعد ثوانٍ قليلة من فتح النار على السلّة، تقول ابنته راشيل دونلي: إنه وعلى الرغم من مرور كل تلك السنوات فإنه لا زال يعاني من كوابيس تلك الحرب.
كانت أعمارُ الأطفال الثلاثة حينها تتراوح بين ثلاث وست سنوات، ربما أنهم لا يتذكرون تفاصيل تلك الحادثة، غير أن جوليانا نالدي الوحيدة من بين الثلاثة التي تذكر ما حصل.. تتذكر أنها مدّت رأسها من عنق السلّة وشاهدت أدلر وجندياً أمريكياً آخر.. وتقول: "كنّا سعداء لأنهم لم يطلقوا النار".
وتقول جوليانا نالدي التي يزيد عمرها حالياً عن الثمانين عاماً، إن أجمل ما في تلك الذكرى هي الشكولاتة التي كان يحملها لهم الجندي إدلر حين أخذ يزورهم في منزلهم، ويقدم لهم تلك الشوكولاتة المغلفة باللونين الأزرق والأبيض.. قالت وهي تضحك: "لقد أكلنا الكثير الكثير من تلك الشوكولاتة"