روسيا البيضاء: ما الذي حدث في"يوم الحرية"؟

روسيا البيضاء: ما الذي حدث في"يوم الحرية"؟
بقلم:  Valérie GauriatRaja Al-Tamimi
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button
نسخ/لصق رابط فيديو المقال أدناهCopy to clipboardCopied

توجهت مراسلتنا فاليري غوريا إلى روسيا البيضاء، البلد الذي ينظر إلى الشرق والغرب في آن واحد، خلال احتفالات إحياء ذكرى "يوم الحرية" التي سمحت بها الدولة لأول مرة في البلاد.

في 25 آذار/ مارس الماضي، جاء الآلاف من الأشخاص إلى مينسك، عاصمة روسيا البيضاء، للاحتفال بالذكرى المئوية لإعلان جمهورية روسيا البيضاء الشعبية في العام 1918، والتي اكتسحها البلاشفة بعد بضعة أشهر . حتى الآن، احياء هذه الذكرى ليس رسمياً ولم يعترف بها نظام الرئيس الكسندر لوكاشينكو.

العيد الوطني الرسمي في 3 تموز / يوليو. لكن بالنسبة للكثيرين، 25 آذار/ مارس هو يوم الحرية، الرمز الحقيقي لهوية روسيا البيضاء. كالعلم السابق: ابيض- أحمر-أبيض ، والذي تم استبداله عام 1995. هذه اللافتة التي كانت محظورة لفترة طويلة، سُمح لها بالظهور في محيط الاحتفالات المحدد هذا اليوم. "آمل أن تكون بداية لحريتنا، لأن شعب روسيا البيضاء ليس حراً في روسيا البيضاء"، يقول احد المتظاهرين.

دكتاتورية حقيقية

"اليوم، اجتذب الحدث آلاف الأشخاص إلى هذا المكان، تقول مراسلتنا فاليري غوريا، قبل أن تضيف: لكن بالنسبة للذين حاولوا الاجتماع هذا الصباح في جزء آخر من المدينة، الأمور ليست على ما يرام".

قبل ساعة من بدء الاحتفالات التي سمح بها النظام، تظاهرة أخرى تم منعها هذه المرة . شرات من معارضي النظام ومواطنين عاديين، كانوا قد تجمعوا في مكان آخر من العاصمة، للاستعراض حاملين شعارات سياسية، لغاية مكان الاحتفالات. "حاول البعض تنظيم مظاهرة قبل الاحتفالات الشعبية، لكن تم اعتقالهم واحدا تلو الآخر"، تقول فاليري غوريا.

في ذلك اليوم ، تم اعتقال عشرات الأشخاص في مينسك وفي جميع أنحاء البلاد. "اليوم هو يوم احتفال. لماذا يعتقلون الناس؟ لدينا ديكتاتورية حقيقية، ليس لدينا حرية التعبير ولا وظائف تليق بالناس"، تقول احدى المتظاهرات.

سُّخْطُ يريد المعارض المعروف، المرشح الرئاسي السابق لانتخابات العام 2010، ميكالاي ستاتكيفيتش، أن يرد عليه.

"نظام تنصت"

التقينا به قبل بضعة أيام مع زوجته مارينا اداموفيتش. مكث الاثنان في منزلهما لايام عدة، لتجنب احتمال القبض عليه قبل 25 آذار / مارس. لزوجان تحت المراقبة المستمرة. ستقبلانا في منزلهما. لاحظنا أن المِذْياعُ لا يتوقف. "هناك نظام للتنصت! لذا نصطنع الضجيج لكي لا يسمعوننا جيداً!"، توضح لنا مارينا اداموفيتش. تم القبض على ميكالاي ستاتكيفيتش خلال حملة القمع الشديدة على الاحتجاجات الضخمة ضد إعادة انتخاب لوكاشينكو في العام 2010. أدى الإفراج عنه، إلى جانب العديد من السجناء السياسيين الآخرين في العام 2015، إلى رفع معظم العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا البيضاء.

لكن القمع لم يتوقف أبداً، طبقاً للمعارض، الذي اخبرنا إنه أمضى ما مجموعه 8 سنوات من حياته في السجن. " لا حرية في هذا البلد ولا يتمتع الشعب بأي نفوذ على السلطة، هناك دائماً سجناء سياسيون يتم تعذيبهم. نه بلد خانق، من الصعب التنفس فيه. هنا، يسود الخوف على الدوام.

إذا لم يكن هناك من يتذكر الحرية في البلاد، إذا لم يكن هناك من يحارب من أجلها، سينسى الناس أن الحرية موجودة. المجتمع يتفكك والبلاد تصبح فريسة سهلة لأي قوة خارجية. الآن، بوتين يدعم لوكاشينكو وشعبية بوتين تفوق شعبية لوكاشينكو في روسيا البيضاء. هذا يجعل الضم المحتمل لروسيا البيضاء إلى روسيا سهلاً وجذاباً بالنسبة لبوتين. ريد مستقبلا طبيعيا لبلدنا، لذا سنواصل الخروج إلى الشوارع "، يقول ميكالاي ستاتكيفيتش.

اعتقال المعارضين

فجأة، تُقطع مقابلتنا معه. مكالمة هاتفية تعلمته بأن ثلاثة من المعارضين في روسيا البيضاء قد اعتقلوا للتو. المكالمات الهاتفية مستمرة دون توقف. مارينا أداموفيتش تجيب قائلة:"نعم اننا في المنزل. أنت في المنزل .. سنحاول .. معنا يورونيوز، أعتقد أنهم لن يفعلوا أي شيء "

اخيراً، بعد 4 أيام، سيتم القبض على المعارض أمام منزله، بينما كان يريد التوجه لمسيرة 25 من آذار / مارس. أغلب الذين تم اعتقالهم في ذلك اليوم اطلق سراحهم في نفس المساء. قمع الاحتجاجات كان أقل عنفا مما كان عليه في نفس الوقت من العام الماضي.

كان الشارع قد انضم إلى المعارضة لاسابيع عدة، بعد تنفيذ مرسوماً يسمى "حول المتطفلين" ينص على فرض ضريبة على العاطلين عن العمل. تم اعتقال المواطنين البسطاء والنشطاء والصحفيين والمئات من الأشخاص. الغي المرسوم في كانون الأول / يناير الماضي.

على العاطلين عن العمل تسديد رسومهم الاجتماعية بالكامل

لدينا موعد في مقر النقابة المستقلة الوحيدة في البلاد حيث يُقدم الدعم والمشورة القانونية للعمال الذين أسيئت معاملتهم. أصبح فلاديمير وديمتري مناضلين بعد أن فرضت عليهما ضريبة المتطفلين.

كان فلاديمير قد تظاهر في العام 2017، لأول مرة في حياته. يقول لنا:"تم إلقاء القبض عليً ووضعت في زنزانة بلا ضوء، بلا تهوية، بلا توضيحات، بلا محام، دون ان يسمحوا لي بإبلاغ أهلي. فرضوا علي أقصى غرامة وهي دفع 350 يورو، الأمر الذي أثر بشكل كبير على ميزانيتي العائلية. مع وسمة معارض، أصبح من الصعب العثور على عمل ".

اما ديمتري فيقول: "المرسوم رقم 3، جعلني أكثر اهتماما بالسياسات الجديدة وبدأت أدرس القوانين لأتعلم كيف أحمي نفسي."

كالكثير في روسيا البيضاء، يعمل الرجلان في الخارج لتحسين وضعهما المادي. أدت الأزمة إلى تقليل الدخل وشحة الوظائف.

مرسوم قيد الاعداد يثير مخاوف جديدة: فقد يُفرض على العاطلين عن العمل أن يسددوا رسومهم الاجتماعية بالكامل.

"الأسرة التي تكسب ما يكفي من المال تفكر بأشياء أخرى، تفكر بحرية، وليست بحاجة لسلطة استبدادية. حين يعيش الناس في كل مكان في حالة شبه فقر، وبؤس، لا يفكرون في أمور أوسع، إنهم يفكرون في البقاء على قيد الحياة فقط. هذا هو الفرق بين الديمقراطية والنظام السلطوي "، يقول غينادي فيدنيتش، رئيس نقابة REP.

النقابة تثير الازعاج. المباني قيد الاحتجاز ومئات من أعضائها قيد التحقيق. بعد أيام قليلة من لقائنا، سيُلقى القبض على ديمتري في مسيرة 25 من آذار / مارس المحظورة.

"المضي قدما لكن بحذر من اجل الحفاظ على الاستقرار في المجتمع"

تبقى مساحة الاحتجاج أكثر من محدوة في روسيا البيضاء، فجهاز استخبارات روسيا البيضاء KGB، بما في ذلك مقر القيادة الرئيسي، لا يزال موجودا تحت هذا الاسم. تخضع حرية التعبير، كوسائل الإعلام، لمراقبة شديدة.

لكن يبدو أن نظام الكسندر لوكاشينكو الاستبدادي يريد أن يظهر بعض المرونة. منذ ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، والتي يعتمد اقتصاد البلد عليها، لم يسبق لمينسك اظهار رغبتها بإرضاء الاتحاد الأوروبي كالآن. على النظام تحسين سمعته فيما يتعلق بالحرية، يقول وزير الشؤون الخارجية. هناك تغييرات في الأفق، لكن يجب تهيئة موسكو.

"لا يمكننا ان ننام ليلاً في الاتحاد السوفياتي ونستيقظ صباحاً في دولة أوروبية ديمقراطية كاملة، هذا لا يعني أننا لا نريد أن نتعلم، لكن نود أن نضع الحالة في سياق أوسع لاننا اليوم، ندرس التغييرات المحتملة في دستورنا. لقد تغير الوضع في روسيا البيضاء وحولها، على سبيل المثال، فيما يتعلق بالمشاكل الأمنية، كما حدث في الأزمة بأوكرانيا. لهذا السبب تود سلطات روسيا البيضاء المضي قدما ولكن بحذر من اجل الحفاظ على الاستقرار في المجتمع "، يقول فلاديمير ماكي، وزير خارجية روسيا البيضاء.

حذر أتعب بعض الشباب. التقينا بشابة اسمها كسينيا في مترو مينسك. تأتي إلى هنا بانتظام للعزف على الكمان، لتلبية احتياجاتها المعاشية. بقية الوقت، هذه الشابة معلمة تعمل في قرية تقع على بعد مائة كيلومتر من العاصمة. التقيناها عند عودتها من المدرسة. راتبها الشهري لا يتجاوز ال200 يورو، يتيح لها بالكاد تلبية احتياجاتها الشخصية فقط.

" الخشب يكلفني نصف راتبي"، تخبرنا كسينيا أثناء ايقاد موقدها المخصص للتدفئة. مصروف آخر مفروض عليها: الصحف الرسمية الثلاث التي تضطر إلى شرائها كل أسبوع. تقول إنها صحف للدعاية.

"كل معلم يجب أن يشتريها! انها تتحدث عن سياساتنا، والدولة، والقوانين، وكل شيء، لا أدري ... لا أقرأها، لكنها مفيدة للحرق... للنار"، تقول ضاحكة.

الأصعب، كما تقول كسينيا، هو الضغط الإيديولوجي في المدرسة.

"الجميع خائفون من شيء ما. كل المعلمين يخافون من المدير والمدير يخاف من رؤسائه ...هذا هو الجو، ... إنها ليست حرية. ربما لا بأس بهذا بالنسبة لشخص عاش كل حياته في الاتحاد السوفياتي . لا أدري ... لكن بالنسبة للشباب، إنه الموت. لا يوجد تقدم ولا استقلال ولا مستقبل ... وكثير من الشرطة ... الشرطة في كل مكان! "، تؤكد كسينيا.

الاحتجاج من خلال الموسيقى

في قرية مجاورة، نلتقي سوميلي، مغني راب. بفضل المال الذي حصل عليه في الخارج، اشترى هذا المنزل حيث أسس استوديو التسجيل.هذا الموسيقي هو احد الذين حصلوا في العام الماضي على الرسالة المسماة "السعادة"، يطلبون منه أن يدفع ضريبة المتطفلين المفروضة على العاطلين عن العمل. حدث ألهمه أغنية، في هذا المقطع: يحرق الرسالة البريدية التي تسلمها من الخدمات الضريبية، ويطالب بحريته. في احد مقاطع اغنيته:

"في مكان ما وسط القارة هناك دولة لا يعد فيها الموسيقي انساناً، لهذا السبب يجب ان أدفع ضريبة المتطفل . لقد صُدمت ...... لكنني أشعر بالحرية مثل الريح وهذا ما سأقول لهم. أنني أعيش بالطريقة التي أريدها، ولا توجد طريقة أخرى ".

"العيش هنا في الريف، يُشعرني بحرية أكبر مما لو كنت في المدينة. في الوقت الراهن، لا مشكلة لدي مع السلطات، أقول ما أريده. أقول كل شيء على ما أعتقد. لكن ربما لا أواجه مشكلة لأنهم لم يستمعوا لي بعد ... "

جيلان من الشباب

في بلد مقسم بين تراثه السوفييتي وتعطشه للحداثة، يعيش جيلان من الشباب معاً. حضرت مراسلتنا المنتدى الإقليمي السنوي لاتحاد شباب الجمهوريين في روسيا البيضاء، المنظمة الشبابية الرئيسية في البلاد. سليل من حركة كومسومول، منظمة الشباب الشيوعية للاتحاد السوفياتي السابق، يتم تمويلها من قبل الدولة.

التقينا ارتسيوم مينتسيوك، هو الذي يدير لواء الأمن والنظام في اتحاد شباب الجمهوريين في روسيا البيضاء في مينسك، والذي يمد يد العون في بعض الأحيان للشرطة.

إلى جانبه، إيغور، 21 عاماً. يدير فرع الشباب في مجلس النواب في مدينة مينسك. في الصالة، يغني شباب أغنية كلماتها تقول:"نحن الشباب، أمل البلاد، مخلصون لتقاليدنا وأجدادنا.

نحن الشباب، كلنا من نفس العائلة، أنت وأنا . "

التزام هؤلاء الشباب بالوطن وحكومته لا تشوبه شائبة. "أهم قيمة بالنسبة لي هي حب وطني، الوطنية، الشعور بالوطنية، تُغرز فينا منذ الطفولة ... في المدرسة"، يقول ارتسيوم مينتسيوك.

اما زميله ايغور ماكارافيتس، فيضيف قائلاً:"البلد لم يفقد الأهم: لم يفقد احترام شعبه، إنه يولي اهتماما خاصا بكل مواطن، وكل بلدة صغيرة، وكل قرية، وكل طريق. لهذا السبب حين تأتون إلى روسيا البيضاء، ترون بلداً نظيفاً جدا. بلد يعتني بالمواطنين. لهذا السبب يمكننا الشعور بوجود استقرار كبير هنا، وان كل شيء صافٍ ".

"للسلطة يدان: يدٌ تسمح ويدٌ تمنع"

هناك نوع آخر من الهوية الوطنية يروج لها بافل بيلافوس. اسس هذا المحل منذ ثلاث سنوات. كل شيء هنا يحمل ألوان العلم السابق.

"لدينا ألعاب بلغة روسيا البيضاء، كتب للأطفال والكبار بلغة روسيا البيضاء، بما في ذلك سفيتلانا أليكسيفيتش، الحائزة على جائزة نوبل، ولدينا الهدايا التذكارية والهدايا والموسيقى، اننا نمثل روسيا البيضاء كما هي وكما ينبغي أن تكون "، يقول بافل بيلافوس. وجود المتجر علامة على بداية انفتاح النظام، كما يقول مؤسسه. لكن هذا يبقى محدودا جدا.

"حتى لو كانت هناك تغييرات إيجابية ولم يوقفنا أحد بسبب هذا المتجر، اذا خرجتم من هنا وذهبتم إلى مكان ما بعلم أبيض - أحمر - أبيض، ستأتي الشرطة وستحدث مشكلات. لسلطة لديها يدان. يد تسمح، وأخرى تمنع، يد تداعب وأخرى تضرب. ونحن بين هذين اليدين نحاول تجنب الوقوع لا في الأولى ولا في الثانية "، يقول بافل بيلافوس.

بافيل كان أيضاً المنظم الرئيسي للاحتفالات المقرر إجراؤها في 25 من آذار / مارس.

على المسرح في ذلك اليوم، يرقص الممثلون تحت غطاء بلاستيكي يبدو أنه يخنقهم، أو حتى يمنعهم من التحرك. هذا هو مسرح روسيا البيضاء الحر، فرقة محظورة منذ فترة طويلة، تم السماح لها الآن بالظهور، لكنها غير مدرجة رسميا (مما يسمح لها بالهروب من الرقابة). ممنوعة منذ فترة طويلة. تم اعتقال مؤسسو الفرقة في العام 2010 .توجهوا إلى المنفى في لندن، من حيث يديرون الفرقة، المواضيع هي: القمع، والمشاكل الاجتماعية، والشذوذ الجنسي، يقومون . أول ظهور علني لها هو في هذا التجمع، يوم 25 آذار/ مارس. يست في البرنامج الرسمي، لكن لها حق التواجد هنا.

لقد نجحنا

" نرى طوقا أمنياً، وهناك اعتقالات. لكن إذا تمكنا من القيام بهذا الحدث، فلان الناس أرادوه، ليس لأنه سُمح لنا القيام بذلك. الناس هم الذين يريدون هذا الحدث، لهذا نجحنا! "، يقول بافل بيلافوس

لكن الواقع هو الذي سيفرض نفسه: علمنا أنه في نهاية الحفل، اعتقلت الشرطة عشرات الأشخاص الذين بقوا في الشوارع وهم يحملون أعلامهم.

لكن هناك من شارك حماسة بافيل على نطاق واسع لبضع ساعات ..."اليوم أثبتنا أنه لا يجب الخوف منا، نحن ايضاً لا نخاف من أي شيء. معا نحن الأمة، نبني معاً وسنعيش على هذه الأرض، نتكلم بلغة روسيا البيضاء وسنرفع العلم: أبيض-أحمر-أبيض، شكرا، تحيا روسيا البيضاء! "، يقول بافل بيلافوس وسط الجمهور.

فاليري غوريا بمشاركة رجاء التميمي

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

الرئيس البيلاروسي: سنعزز القدرة القتالية للقوات المسلحة مع الشريك الرئيسي روسيا

بيلاروسيا: مظاهرات للمطالبة بتغيير علم البلاد وشعارها

العمال غير المرئيين: ظروف قاسية واستغلال واعتداءات وعقوبات