انطلاق المفاوضات الأوروبية البريطانية لما بعد بريكست.. ماذا يريد كل طرف؟

رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون
رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون Copyright فرانك أوغستين، أ ب
Copyright فرانك أوغستين، أ ب
بقلم:  Hassan RefaeiAlasdair Sandford
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button

"الشيطان يكمن في التفاصيل"، لعل هذا التعبير هو الأكثر ملائمة لوصف حيثيات المفاوضات البريطانية الأوروبية التي تنطلق اليوم في بروكسل، هذه المفاوضات التي يكاد يجمع المراقبون والمحللون على أنها ستكون شاقّة لكلا الطرفين على حدّ سواء.

اعلان

تنطلق، اليوم الاثنين، في بروكسل، الجولة الأولى من المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بشأن العلاقة المستقبلية بين بروكسل ولندن عقب خروج بريطانيا من التكتّل في الحادي والثلاثين من شهر كانون الثاني/يناير الماضي.

"عض الأصابع"

المفاوضات التي يحكمها سقفٌ زمني محدد بنهاية العام الجاري، تتناول العلاقات البينية على مختلف الأصعدة والمجالات، قبل وقف تطبيق قواعدة عضوية الاتحاد الأوربي على المملكة المتحدة التي تلوّح بإمكانية انسحابها من المفاوضات في شهر حزيران/يونيو المقابل في حال لم تحقق تلك المفاوضات تقدماً خلال المائة يوم المقبلة.

كبير مستشاري الشؤون الأوروبية في الحكومة البريطانية، ديفيد فروست وطاقمه المفاوض، سيتوجّهون إلى بروكسل اليوم ليخوضوا معركة تفاوضية على عشرات الجبهات؛ السياسية والاقتصادية؛ وخاصة في مجالات تبادل السلع، الخدمات، الصيد، الزراعة، وكذلك البيئة واستحقاقات مكافحة التغيّر المناخي، إضافة إلى التوظيف والتعاون الأمني وتبادل البيانات، وأيضاً النقل، وغيرها الكثير من المجالات التي اختلجت فيها المصالح بين التكتّل والمملكة المتحدة منذ التحاق بريطانيا بالتكتّل الأوروبي في سبعينيات القرن الماضي.

وما أن خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل شهر ونيّف، حتى شمّر كل طرف عن ذراعيه مستعرضاً عضلاته أمام الآخر، وخلال هذه المدّة، وعلى قصرها، قضم كل طرف ثقة الآخر، لتبدأ بعدها لعبة "عض الأصابع"، بين بروكسل ولندن التي ما برحت ترسل إشارات بأنها لا تعتزم الالتزام بما تمليه البنود المنصوص عليها في صفقة "بريكست".

ورقة المفاوضات البريطانية

يعتمد الموقف التفاوضي البريطاني، على الردّ الرسمي للحكومة بشأن العرض الأوروبي الأولي للمفاوضات التجارية، هذا الموقف البريطاني الذي نُشر يوم الخميس الماضي كوثيقة طلب خلالها رئيس الحكومة بوريس جونسون من الاتحاد الأوروبي اتفاقاً تجارياً مؤسساً على النموذج الكندي، ملوّحاً باستعداده للانسحاب من المفاوضات في حزيران/يونيو القادم.

وينظر جونسون إلى خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، من زاوية تختلف عن الزاوية التي كانت تنظر من خلالها مع رئيسة الحكومة السابقة تيريزا ماي، فالأخيرة كانت على استعداد لإبقاء المملكة المتحدة في مدار الاتحاد الأوروبي للحافظ على تجارة بينية بعيدة عن الاحتكاك والتصادم، فيما خلفُها يعطي الأولوية القصوى للاستقلالية التنظيمية بعيداً عن القواعد الأوروبية، ولتنحي محكمة العدل الأوروبية عن أي دور محكمة العدل الأوروبية بأي دور في الإشراف على آليات حل النزاعات المستقبلية بين لندن وبروكسل.

"اتفاقية تجارة حرة شاملة"

أما كبير المفاوضين البريطانيين ديفيد فروست الذي نفى خشيته من وقوع احتكاكات في العلاقات التجارية بين لندن وبروكسل، فيؤكد على أن بلاده لن تقبل إشراف الاتحاد الأوروبي على ضمانات للمنافسة العادلة في أي علاقة بينية مستقبلية، وقال: "يجب أن يكون لدينا القدرة على وضع القوانين التي تناسبنا".

وتريد المملكة المتحدة إبرام "اتفاقية تجارة حرة شاملة" مع الاتحاد الأوروبي مماثلة للاتفاقات التي أبرمتها بروكسل مع بلدان ككندا واليابان وكوريا الجنوبية، تلك الاتفاقات التي تزيل معظم التعريفات الجمركية، ولا تطلبُ التزاماً وثيقاً بقواعد الاتحاد الأوروبي.

الندّية واحترام سيادة الآخر

وتطالب الحكومة البريطانية، من خلال وثيقتها التفاوضية أن تشتمل الصفقة التجارية مع الاتحاد الأوروبي على جميع المجالات التجارية والتي من بينها ضمان حركة حرة للبضائع المصنعة والصناعات الغذائية ومن دون تعرفة جمركية أو أية رسوم أخرى أو وجود تقييدات لجهة كميات البضائع المتبادلة بين الضفتين؛ البريطانية والأوربية، كما تؤكد لندن على ضرورة أن يزيل الاتفاق ما أمكن من الحواجز من أمام قطاع الخدمات، التي تعدّ عصباً رئيساً في اقتصاد المملكة المتحدة.

خارج نطاق التجارة ، تسعى المملكة المتحدة إلى إبرام سلسلة من الاتفاقيات المنفصلة التي تشمل مصايد الأسماك والأمن ومجالات أخرى مثل الطيران والتعاون النووي، وتعتزم حكومة جونسون تطوير "سياسات منفصلة ومستقلة" في أمور مثل الهجرة والمنافسة والبيئة والسياسة الاجتماعية وحماية البيانات.

وترفض الحكومة البريطانية أن يكون يكون الدعم الحكومي أو المنافسة التجارية تحت سلطة آلية فض النزاعات التي سيشملها الاتفاق النهائي بين الجانبين، وتشدد على ضرورة اعتماد ترتيبات لتسوية النزاعات تكون ملائمة للعلاقات البينية القائمة على الندّية واحترام سيادة الآخر.

وثيقة التفويض الأوروبية

وافق وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، الـ27 يوم الثلاثاء الماضي على تفويض لإجراء المحادثات التجارية مع بريطانيا، بعد خروجها من التكتّل، وتعدّ وثيقة التفويض بمثابة خلاصة الموقف الذي يتسلّح به طاقم التفاوض الأوروبي بقيادة كبير مفاوضي التكتّل ميشيل بارنييه، أمام طاقم فروسىت التفاوضي.

وثيقة التفويض الأوروبية التي تتمدد على 46 صفحة، تؤكد على أن معايير الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون بمثابة "نقطة مرجعية" في أي اتفاق تجاري مستقبلي مع المملكة المتحدة، وتشدد بروكسل على أن لندن "لا يمكن أن تتمتع بالحقوق والمزايا ذاتها التي تتمتع به البلدان الأعضاء في التكتّل".

وتتصدر قائمة اهتمامات الاتحاد الأوروبي كيفية ضمان التزام المملكة المتحدة بـ "ساحة لعب متكافئة" حول مجموعة واسعة من القضايا، وسط تأكيد على ضرورة وجود ضمانات كفيلة بتأمين عدالة المنافسة وحماية المعايير.

لا اعتماد لـ"المواءمة الديناميكية"

وتقدم بروكسل للندن إمكانية الوصول الكامل إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، ولكن بشروط، عبّرت عنها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بقولها: "نحن مستعدون لصياغة شراكة جديدة (مع المملكة المتحدة) من دون رسوم جمركية أو حصص أو إغراق.. ونحن مستعدون للعمل على قدم وساق لإتمام أكبر قدر ممكن من العمل ضمن الإطار الزمني المحدد".

ولم يعتمد الاتحاد الأوروبي المطلب الفرنسي المتمثل بـ"المواءمة الديناميكية" للقواعد البيئية وقواعد سوق العمل (وهو ما يعني ضمناً أن على لندن أن تبقى متماشية تمامًا مع التغييرات المستقبلية في قوانين الاتحاد الأوروبي)، غير أن التكتّل يؤكد على ضرورة أن تلتزم المملكة المتحدة بقواعد الاتحاد الأوروبي البيئية والعمالية كشرط لوصول بريطانيا للسوق الأوروبية، كما يجب عليها تطبيق قيود الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بمساعدات الدولة.

ويقول الاتحاد الأوروبي إنه يجب على هيئة إدارية جديدة تقوم بالإشراف على الشراكة، واحترام الاستقلالية للأوامر القانونية لأي من الطرفين، ويمكن إحالة القرارات إلى لجنة تحكيم مستقلة تكون قراراتها ملزمة.

"الشيطان يكمن في التفاصيل"

تباين التأويلات بما يتعلق بمصطلح "الملعب المتكافئ" سيضفي على المباحثات بعضاً من التوتّر وكثيراً من المناورة، فهذا المصطلح الذي تمّ تضمينه في اتفاق الخروج الموقّع بين الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حين تمّ تقديم ضمانات مختلفة لتأمين المنافسة العادلة في مجالات تشمل المساعدات الحكومية والحقوق الاجتماعية وسوق العمل والبيئة والتغيّر المناخي.

اعلان

"الشيطان يكمن في التفاصيل"، لعل هذا التعبير هو الأكثر ملائمة لوصف حيثيات المفاوضات البريطانية الأوروبية التي تنطلق اليوم في بروكسل، هذه المفاوضات التي يكاد يجمع المراقبون والمحللون على أنها ستكون شاقّة لكلا الطرفين على حدّ سواء.

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

الأردن يأمل أن تتمكن "أصوات الحكمة" من التقريب بين الفلسطينيين والإسرائيليين

ثلاثة قتلى و11 جريحاً بانفجار في شرق أفغانستان

بعد أيام من زيارة شولتس إلى بكين.. ألمانيا تعتقل ثلاثة مواطنين بتهمة التجسس لصالح الصين