في منعطف حاسم قد يفضي إلى اتفاق طال انتظاره، كشفت مصادر مطّلعة لصحيفة "جيروزاليم بوست" أن إسرائيل عرضت على حركة حماس تنازلات ملموسة تتعلق بانتشار قواتها العسكرية في قطاع غزة، ضمن إطار الجهود المتسارعة للتوصل إلى اتفاق تبادل أسرى ووقف إطلاق نار يستمر لستين يومًا.
وبحسب المصدر، قدّم الوفد الإسرائيلي للوسطاء خرائط جديدة وُصفت بأنها "أكثر مرونة"، وتركز بشكل خاص على المنطقة الممتدة جنوب ممر "موراغ". واعتُبرت هذه الخطوة تنازلًا ملحوظًا من جانب إسرائيل مقارنة بمقترحاتها السابقة، ما فتح الباب أمام احتمالات التوصل إلى تفاهم قريب.
وقال المصدر للصحيفة: "نأمل أنه مع بعض التعديلات، ستوافق حماس على المقترح". وأضاف: "إسرائيل تُظهر مزيدًا من المرونة... ومن وجهة نظرنا، من الممكن التوصل إلى اتفاق قريبًا".
وتأتي هذه التطورات في وقت دخلت فيه المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين يومها الخامس، في جولة جديدة انطلقت الأحد الماضي في العاصمة القطرية، وتزامنت مع لقاء جمع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبحث التطورات المتسارعة في غزة.
نقاط خلافية
رغم التقدم الملموس، لا تزال العقبة الرئيسية أمام الاتفاق تتمثّل في الموقف المتباين بين الطرفين حول انتشار القوات الإسرائيلية خلال فترة الهدنة. ففي حين تطالب حماس بانسحاب كامل لقوات الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الستين، كما حصل في وقف إطلاق النار في كانون الثاني/يناير الماضي، تصرّ إسرائيل على إبقاء قواتها في مناطق محددة داخل غزة، تشمل ممر "موراغ".
من جانبها، شددت حماس على أن التوصل إلى الاتفاق لا يزال يواجه "عدة نقاط خلافية"، تشمل انسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل، وتدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع، إضافة إلى وجوب وجود "ضمانات حقيقية" لوقف إطلاق نار دائم.
نتنياهو: مستعدون للتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار
أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حكومته تعمل خلال هدنة الستين يوماً على التفاوض من أجل إنهاء دائم للحرب في قطاع غزة، مشددًا على أن إسرائيل "ستواصل السعي لتحقيق أهدافها في القطاع سواء عبر المسار التفاوضي أو من خلال القوة العسكرية".
وفي تصريحاته، من العاصمة الأميركية واشنطن، قال نتنياهو: "نريد إنهاء الحرب في غزة بعد انقضاء مهلة الستين يوماً من وقف إطلاق النار". وأضاف: "إسرائيل مصمّمة على استعادة جميع المحتجزين في غزة، ولن أسمح لحماس بالبقاء هناك. هذا لن يحدث، ولن أتنازل عن هذه القضية".
وأشار نتنياهو إلى أن حكومته تعتبر نزع سلاح غزة شرطاً أساسياً للتوصل إلى اتفاق دائم، مضيفًا: "من المستحيل التوصّل إلى صفقة شاملة، لكن خلال فترة إطلاق سراح الرهائن، سنسعى لإنهاء الحرب بالكامل".
وأوضح نتنياهو أن هناك تفاصيل لا يمكنه الإفصاح عنها حاليًا "لأسباب أمنية"، لكنه أشار إلى أن المفاوضات تسير في المسار الصحيح، قائلاً: "الأمور تتقدّم، لكنها ستستغرق وقتاً. أطلب منكم التحلّي بالصبر".
من جانبها، ردّت حركة حماس على تصريحات نتنياهو، متهمةً إياه بإفشال المساعي الجارية للوصول إلى صفقة تبادل شاملة تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وقالت الحركة في بيان: "تصريحات مجرم الحرب نتنياهو، التي أبلغ فيها عائلات الأسرى بعدم إمكانية التوصّل إلى صفقة شاملة، تؤكّد النوايا السيئة له وسعيه إلى عرقلة أي اتفاق يُفضي إلى إطلاق سراح الأسرى ووقف العدوان على قطاع غزة".
وأضاف البيان أن حماس كانت قد عرضت في وقت سابق "صفقة تبادل شاملة يتم بموجبها الإفراج عن جميع الأسرى دفعة واحدة، مقابل وقف دائم للعدوان، وانسحاب كامل لقوات الاحتلال، وضمان تدفق حرّ للمساعدات الإنسانية"، إلا أن نتنياهو "رفض هذا العرض ولا يزال يماطل ويضع مزيدًا من العقبات".
وشددت حماس على أنها "تواصل تعاملها الإيجابي والمسؤول في مسار المفاوضات، من أجل الوصول إلى اتفاق يضمن وقف العدوان، وانسحاب الاحتلال، وتدفق المساعدات دون عوائق، مقابل إطلاق سراح متبادل للأسرى، بما يُتيح للشعب الفلسطيني الشروع في إعادة الإعمار والعيش بكرامة".
خلاف سياسي داخلي
في موازاة ذلك، تواصلت المواقف المتباينة داخل إسرائيل بشأن المفاوضات. زعيم حزب "معسكر الدولة" المعارض، بيني غانتس، دعا نتنياهو إلى استغلال الفرصة وعدم العودة من واشنطن قبل وضع خطة واضحة لإعادة المختطفين، قائلاً: "شعبكم يساندكم من أجل الصفقة... وستحظون بدعم سياسي، فالتحركات الكبيرة لن تُواجَه بسياسات تافهة".
في المقابل، صعّد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ضغوطه على نتنياهو، مطالبًا بوقف المفاوضات نهائيًا. وفي منشور على منصة "إكس"، اعتبر بن غفير أن "تصاعد الحديث عن صفقات متهورة يشجع حماس على تنفيذ مزيد من عمليات الأسر"، مضيفًا: "أقول لنتنياهو: ممنوع التفاوض مع حماس، يجب سحقها كليًا".
أزمة إنسانية خانقة في غزة
في ظل مشهد تفاوضي متقلّب وأوضاع إنسانية متدهورة، يترقّب سكان غزة بارقة أمل وسط تصاعد المعاناة ونقص حاد في الغذاء والوقود والخدمات، فيما تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين منذ بداية الحرب 57,680 بحسب وزارة الصحة، معظمهم من المدنيين، ما يضاعف الحاجة إلى اتفاق يُنهي الكارثة المتواصلة.
وقد أعلن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، اليوم الخميس، أن المنظمة تمكنت أمس من إدخال نحو 75 ألف ليتر من الوقود إلى قطاع غزة، في أول شحنة من نوعها منذ 130 يومًا.
وقال إن هذه الكمية، رغم أهميتها، لا تكفي حتى لتغطية احتياجات يوم واحد، مشددًا على أن الأمم المتحدة وشركاءها يحتاجون إلى مئات الآلاف من الليترات يوميًا لضمان استمرار العمليات الإنسانية المنقذة للحياة. وحذّر من أن العديد من الخدمات الحيوية مهددة بالتوقف في حال عدم إدخال كميات إضافية بشكل عاجل.