تبدو الطريق إلى اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا أكثر يسراً من أي وقت مضى، وفق ما توحي به المؤشرات السياسية والدبلوماسية خلال الساعات الماضية.
سلّطت عدة وسائل إعلام دولية الضوء على طبيعة التقدّم الحاصل في المسار التفاوضي، إذ أشارت كل من شبكة "إيه بي سي نيوز" الأمريكية وصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى أن أوكرانيا قبلت بالإطار العام لاتفاق سلام محتمل، مع بقاء بعض التفاصيل الإجرائية التي لا تزال بحاجة إلى تسوية.
وفي السياق نفسه، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤول أمريكي أن كييف وافقت بالفعل على اتفاق لإنهاء الحرب، مع بقاء "تفاصيل ثانوية" قيد النقاش قبل بلوغ الصيغة النهائية.
كما نقلت "رويترز" عن مسؤول أوكراني دعمه جوهر الإطار المطروح، وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس فولوديمير زيلينسكي سيبتّان في القضايا الأكثر حساسية، خصوصاً تلك المتعلقة بالأراضي والضمانات الأمريكية.
وقد ذكرت "نيويورك تايمز" أن مسؤولاً في البيت الأبيض أوضح أن البند المتعلق بتنازل أوكرانيا عن أراضٍ لروسيا جرى تعديله ضمن المقترح الجديد.
تفاؤل أمريكي وأوروبي
قالت الناطقة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت على منصة "إكس" إن "الولايات المتحدة حققت تقدماً هائلاً باتجاه التوصل إلى اتفاق للسلام" بين روسيا وأوكرانيا، مشيرة إلى أن المفاوضات دخلت مرحلة أكثر جدية.
وأوضحت أن "هناك بعض التفاصيل الحساسة، لكنها ليست مستعصية على الحل"، مؤكدة أن استكمالها سيحتاج إلى مزيد من المحادثات بين أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة قبل بلوغ التسوية النهائية.
وقد أكّد المستشار الألماني أن بلاده تسعى إلى سلام عادل ودائم لأوكرانيا، مشدداً على أن أي خطة تمس المصالح الأوروبية "تتطلب موافقة أوروبا" قبل السير بها.
وفي السياق نفسه، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن تقديم ضمانات أمنية "قوية" لكييف يشكّل شرطاً أساسياً لتحقيق أي تسوية، معتبراً أن المرحلة الحالية تحمل "فرصة لتحقيق تقدّم حقيقي" باتجاه سلام "جيّد" يمكن البناء عليه.
وأضاف أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو سينضم أيضاً إلى اجتماع التحالف، الذي يضم في معظمه دولاً أوروبية راغبة في تقديم هذه الضمانات لأوكرانيا، وذلك خلال افتتاح مؤتمر عبر الفيديو لقادة "تحالف الدول الراغبة" الداعم لكييف.
مسار المفاوضات
تأتي هذه التطورات عقب انطلاق المرحلة الأولى من المفاوضات في جنيف خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث بدأ النقاش حول مقترح من 28 نقطة تتوسط فيه الولايات المتحدة بمشاركة مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين. وأعلن زيلينسكي أن الوفد الأوكراني سيعود إلى كييف وهو يحمل "تقريراً كاملاً" بخلاصات تلك المباحثات.
وكان مشروع مسودة أولية نُسب إلى مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف وكبير مساعدي الرئيس الروسي كيريل ديمترييف قد أثار انتقادات واسعة نظراً لاشتراطات رأى منتقدون أنها تصب في مصلحة موسكو.
لاحقًا، تمّ الإعلان عن "إطار عمل محدث ومنقح للسلام" في بيان أمريكي-أوكراني مشترك أكد استعداد الطرفين لمواصلة العمل من أجل اتفاق يضمن أمن أوكرانيا واستقرارها وإعادة إعمارها. وأوضح البيان أن القرارات النهائية ضمن هذا الإطار تبقى بيد رئيسي أوكرانيا والولايات المتحدة.
ويجري بالتوازي مسار آخر من الاتصالات، إذ عقد وزير الجيش الأمريكي دان دريسكول اجتماعات سرية مع مسؤولين روس في أبو ظبي يوم الاثنين، بهدف تمهيد الطريق لمحادثات رفيعة المستوى لاحقاً، وفقًا لوسائل إعلام أمريكية وبريطانية.
ولاحقا، أعلن المقدم جيف تولبرت، المتحدث باسم دريسكول، أن المفاوضات الجارية بين الوزير والوفد الروسي حول الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب في أوكرانيا "تسير على ما يرام".
وأكد أنه تمّ عقد جولات نقاش متواصلة مساء الاثنين وطوال يوم الثلاثاء مع الجانب الروسي بهدف التوصل إلى سلام دائم. وأضاف تولبرت أن الأجواء إيجابية، وأن واشنطن "ما زالت متفائلة" بإمكان إحراز تقدّم في هذا المسار.
هجمات متبادلة وتصعيد ميداني
يتزامن الحراك الدبلوماسي مع موجة جديدة من التصعيد الميداني بين الطرفين. ففي أوكرانيا، قُتل ستة أشخاص على الأقل جراء الضربات الصاروخية والمسيّرة التي استهدفت قطاع الطاقة والعاصمة كييف.
وأدى القصف إلى تعطّل عمليات توزيع المياه والطاقة في العاصمة، وفق رئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو، فيما ندد وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا بالهجمات ووصفها على منصة إكس بأنها "رد فعل إرهابي".
وجاء هذا التصعيد بعد رفض موسكو يوم الاثنين المقترح الأوروبي المطروح بديلاً للخطة الأمريكية.
وفي المقابل، أعلنت روسيا سقوط ثلاثة قتلى وثمانية جرحى في هجوم أوكراني على مدينة تاغانروغ الساحلية ومنطقة نيكلينوفسكي المجاورة على شواطئ بحر آزوف في منطقة روستوف، بحسب ما كشف الحاكم الإقليمي يوري سليووسار.
كما استهدفت القوات الأوكرانية مستودعات النفط ومصافي التكرير ومرافق أخرى داخل روسيا، في وقت أفادت سلطات منطقة كراسنودار الواقعة على البحر الأسود بتعرض عدة مدن لهجمات جوية أوكرانية واسعة النطاق.
ويُذكر أن موسكو وكييف سبق أن أجريتا جولات تفاوضية مباشرة في إسطنبول خلال الربيع، قبل أن تتوقف في يوليو من دون تحقيق تقدم يُذكر، باستثناء الاتفاقات المرتبطة بعمليات تبادل أسرى الحرب.