تقترب شبكة النقل في غزة من الانهيار الكامل، بعدما أدّت سنتان من القصف المتواصل إلى تدمير الطرق والمركبات والبنى التحتية الحيوية، في ظل حصار مشدد وقيود صارمة على دخول الوقود والمواد الأساسية.
مع محدودية الكميات المسموح بدخولها إلى القطاع، باتت الأزمة اليومية للسكان تتجسّد في مشاهد نقل بدائية تحلّ محلّ نظام نقل شبه مُحطَّم.
على طرق موحلة تتناثر على جانبيها أكوام الركام، تُجرّ عربة بدائية مربوطة بسيارة متهالكة تقلّ نحو عشرة أشخاص، فيما يلجأ آخرون إلى دراجات هوائية متضررة أو مركبات الـ"توك توك" المكتظّة، أو يتشبثون بالجزء الخلفي لشاحنات صغيرة.
وفي مشهد آخر، تحمل نساء أطفالهنّ وهنّ يصعدن إلى عربات تجرّها الحمير. وعلى مسافة طويلة، يمتدّ مكبّ مليء ببقايا محترقة ومشوّهة لسيارات وحافلات دمّرها القصف. ومع منع دخول مركبات جديدة إلى القطاع، بات الوصول إلى العديد من المناطق ممكنًا فقط عبر وسائل نقل غير آمنة.
في ظل هذا الواقع، تبرز أزمة الوقود كواحدة من أشدّ القيود التي تخنق القطاع. ففي تقرير نُشر في تشرين الأول/ أكتوبر، حذّر مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع من أنّ الإمدادات الواصلة إلى غزة لا تزال "أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب" لتشغيل المستشفيات وأنظمة المياه وضمان الحد الأدنى من التنقّل المدني.
هذا النقص الحادّ في الوقود يفاقم انهيار الأزمة، ويترك السكان أمام خيارات محدودة ومرهقة للتنقل.
شهادات من قلب الأزمة
وسط هذا الانهيار، يروي السكان تفاصيل معاناتهم اليومية. يقول محمد خطيب، أحد السكان المحليين: "نحن نمرّ اليوم بأزمة نقل حادّة. الوقود غير متوفر حاليًا، ووسائل النقل العامة ضعيفة للغاية. يستغرق الوصول إلى العمل وقتًا طويلًا".
أما أم محمد حمودة، وهي امرأة نازحة، فتصف تجربتها بأنها مرهقة جسديًا ونفسيًا: "المعاناة كبيرة. كان الناس يتحركون بالسيارات، أمّا الآن فنحن نعتمد على العربات والتوك توك. أعاني انزلاقًا غضروفيًا في ظهري ورقبتي. كل مطبّ في التوك توك يؤلمني في ظهري. هذه هي المعاناة التي نعيشها".
وتحكي عبير النقلة، النازحة من شمال غزة، عن الصعوبة المتزايدة في الحركة والتنقّل: "كانت حياتنا أفضل سابقًا. التنقل كان أسهل، خصوصًا للنساء. كنّا نتحرك بالسيارات. بعد النزوح، تعرّضت النساء للإهانة. نحن نعتمد الآن على العربات التي تجرّها الحمير، وهي ليست متوفرة دائمًا. علينا أن نمشي أكثر لأن وسائل النقل العامة قليلة. لم يعد لدينا سوى العربات، وحتى هذه يصعب العثور عليها".
وتُلقي هذه الشهادات الضوء على الحصار المستمر، الذي يفرض بدوره قيودًا مشددة على دخول المواد الأساسية. ومع شحّ الوقود والنقص الحاد في الإمدادات، تتعمّق معاناة السكان، لتصبح الحركة داخل القطاع مهمة شاقة لا تخلو من الإذلال والخطر.