انفجار غامض تحت بحر إيجه.. دراسة تكشف سرّ آلاف الهزّات التي ضربت الجزر اليونانية مطلع 2025

اعلان

كشفت دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة Nature، عن السبب الحقيقي وراء سلسلة الزلازل غير المسبوقة التي ضربت جزر بحر إيجه اليونانية — سانتوريني وأمورغوس وأنافي — بين أواخر يناير ونهاية فبراير 2025، بعد أن سجّلت المنطقة أكثر من 28 ألف هزة أرضية، منها زلازل تجاوزت شدّتها 5 درجات على مقياس ريختر. 

وأكد فريق بحثي دولي، من ألمانيا واليونان والمملكة المتحدة، أن مصدر هذه "الهزة السربية" (earthquake swarm) لم يكن نشاطًا تكتونيًّا تقليديًّا، بل ناتجًا عن ارتفاع مفاجئ لصفيحة صهارية (dike) من أعماق القشرة الأرضية، اخترقت الصخور الصلبة وولّدت سلسلة متتالية من الاهتزازات أثناء صعودها. 

صفيحة صهارية وراء آلاف الزلازل

وفق البيانات التي جُمعت في الوقت الفعلي، فإن الصفيحة الصهارية بدأت حركتها على عمق 18 كيلومترًا تحت سطح البحر، ثم ارتفعت خلال أسابيع قليلة إلى عمق أقل من 3 كيلومترات جنوب بركان كولومبو البحري، الواقع على بعد نحو 7 كيلومترات شمال شرقي سانتوريني. 

ويوضح جوناس براين، عالم الجيوفيزياء في مؤسسة وودز هول لأوقيانوغرافيا (Woods Hole Oceanographic Institution) وأحد مؤلفي الدراسة: "أدى اقتحام الصدع الصهاري إلى تفاعل متسلسل. وهذا بالضبط ما تسبب في الاهتزاز الأقوى الذي شعر به سكان الجزيرة". 

ولم يسفر هذا النشاط عن ثوران بركاني، إذ توقف الصدع الصهاري عن الصعود قبل وصوله إلى السطح، بعد أن فقد قوته الدافعة. ويُعزى ذلك، وفق الباحثين، إلى عدم كفاية كمية الصهارة أو انخفاض طفوها، ما حال دون اختراقها لقشرة الأرض أو قاع البحر. 

كولومبو وسانتوريني: نظام بركاني مترابط

واعتمد العلماء في تحديد السبب على شبكة متكاملة من الأجهزة: أجهزة قياس الزلازل تحت الماء المُثبّتة داخل فوهة كولومبو، ومحطات GPS البرية، وأقمار رادارية لرصد التشوهات السطحية، إضافة إلى أنظمة ذكاء اصطناعي مُدرّبة على تحليل الإشارات الزلزالية الدقيقة التي لا تُسجّلها الشبكات التقليدية. 

وأظهرت المراقبة أيضًا أن خزانًا صهاريًّا مشتركًا، يقع على عمق كبير تحت سانتوريني وكولومبو، بدأ في التفريغ أثناء صعود الصفيحة، ما أدّى إلى هبوط طفيف في سطح كلا البركانين.

وفي هذا السياق، يشير جوناس براين إلى أن "أنظمة التغذية البركانية الخاصة بهما متصلة هيدروليكيًّا. التغيرات في الضغط أو الإجهاد في خزان واحد يمكن أن تؤثر على الآخر، تمامًا كما تستجيب ينبوعان متجاوران لتقلبات منسوب المياه الجوفية نفسه".

ويُعدّ هذا أول دليل ميداني مباشر على اتصال هيدروليكي بين النظامين، رغم غياب رابط مباشر بين خزّانَيهما الضحلين. 

ثورة دون ثوران.. لماذا توقفت الصهارة؟

ويكتسب هذا الكشف أهمية خاصة نظرًا للتاريخ البركاني العنيف للمنطقة: فثورة سانتوريني عام 1560 قبل الميلاد دمّرت حضارة كاملة، بينما تسبب ثوران كولومبو عام 1650 في موجات تسونامي وسحابة غاز سامّة أودت بحياة المئات.

ومع ذلك، فإن معظم عمليات اقتحام الصدوع الصهارية — كما يشير الباحثون — لا تنتهي بثوران. وفي هذه الحالة، لم تكن الصهارة كافية أو خفيفة بما يكفي لاختراق السطح، ما جعل الأزمة تنتهي تلقائيًّا بعد نحو شهر من بدايتها، دون أضرار بشرية أو بيئية. 

رصد لحظي يُعيد تعريف الإنذار البركاني

واليوم، ومع تحسّن تقنيات الرصد وتحليل البيانات في الوقت الحقيقي، أصبح بإمكان العلماء تتبع حركة الصهارة تحت الجزر اليونانية بدقة غير مسبوقة — ما يفتح الباب أمام أنظمة إنذار مبكر أكثر فاعلية، ويقلّل من حالة الغموض التي تسبق أي نشاط بركاني محتمل. 

ولا يزال فريق البحث يتابع التغيرات الجيوفيزيائية في المنطقة، في إطار مشروع "MULTI-MAREX" الألماني-اليوناني، الذي يهدف إلى تحويل بحر إيجه إلى مختبر طبيعي مفتوح لدراسة التفاعلات البركانية والزرزالية المعقدة.