Newsletter الرسالة الإخبارية Events الأحداث البودكاست فيديو Africanews
Loader
ابحثوا عنا
اعلان

الذئبة الحمراء.. العلم يواصل التصدي لأحد أكثر أمراض المناعة الذاتية غموضًا

روث ويلسون، المصابة بمرض الذئبة، تغادر علاجها الوريدي الشهري في الولايات المتحدة في 14 يناير 2025.
روث ويلسون، المصابة بالذئبة الحمراء، تغادر جلستها العلاجية الوريدية الشهرية المخصصة للمرض في الولايات المتحدة يوم 14 يناير 2025. حقوق النشر  David Goldman/AP Photo
حقوق النشر David Goldman/AP Photo
بقلم: AP مع Euronews
نشرت في آخر تحديث
شارك محادثة
شارك Close Button

تُعد الذئبة الحمراء، التي يصعب علاجها وتشهد ارتفاعًا في معدلات الإصابة، جزءًا من مجموعة أمراض المناعة الذاتية التي تؤثر في ملايين الأشخاص حول العالم.

على مدى ستة أعوام، أساء الأطباء الواحد تلو الآخر تشخيص طفح روث ويلسون وتورّمها وحرارتها المرتفعة وآلامها الشديدة، أو تجاهلوها. أنقذت حياتها حين توسّلت لإجراء فحص إضافي في قسم الطوارئ الذي كان يستعد لإعادتها إلى المنزل مرة أخرى من دون إجابات.

كشف ذلك الفحص الأخير أنّ كليتي هذه المرأة الأميركية كانتا في طريقهما إلى الفشل. فما السبب؟ جهاز مناعتها كان يهاجم جسدها طوال ذلك الوقت من دون أن يلتقطه أحد.

"أتمنى لو كانت هناك طريقة أفضل يحصل بها المرضى على ذلك التشخيص من دون أن يمرّوا بكل هذا الألم وبكل ذلك التجاهل والتشكيك"، قالت.

تعاني ويلسون من الذئبة، الملقّبة بمرض الألف وجه لتنوّع أعراضها، ورحلتها تقدّم لمحة عن الجانب المظلم للجهاز المناعي.

الذئبة واحدة من قائمة أمراض المناعة الذاتية التي تصيب نحو 50 مليون أميركي وملايين آخرين حول العالم. هذه الأمراض يصعب علاجها، آخذة في الازدياد، وتشكّل واحدا من أكبر ألغاز الطب.

اليوم، وبناء على اكتشافات من أبحاث السرطان وجائحة كوفيد-19، يفكّ العلماء شيفرة البيولوجيا الكامنة وراء هذه الأمراض المُنهِكة. إنهم يكشفون مسارات تقود إلى أمراض مناعة ذاتية مختلفة وروابط بين أمراض تبدو غير مرتبطة، على أمل مهاجمة الأسباب لا الاكتفاء بعلاج الأعراض.

إنها مهمة شاقة. فذلك "النيران الصديقة" يدمّر الأعصاب في التصلّب المتعدد ("MS")، ويلهب المفاصل في التهاب المفاصل الروماتويدي، ويجفّف العينين والفم في مرض شوغرن، ويقضي على إنتاج الإنسولين في داء السكري من النوع 1، ويضعف العضلات في التهاب العضلات و"الوهن العضلي الوبيل"، وفي الذئبة يمكن أن يسبّب فوضى شاملة في أنحاء الجسم.

والقائمة تطول: إحصاء جديد من المعاهد الوطنية للصحة الأميركية ("NIH") حصر 140 حالة مناعة ذاتية، كثير منها نادر، لكنها مجتمعة سبب رئيسي للأمراض المزمنة التي غالبا ما تكون غير مرئية.

"تبدو طبيعيا. يرىك الناس فلا يظنون أنك تحمل هذا المرض الرهيب"، تقول ويلسون التي تبلغ من العمر 43 عاما، وتوازن بين مرضها والعمل التطوعي لتثقيف الجمهور وحتى الأطباء حول الحياة مع الذئبة.

ورغم أن هناك ما يزال الكثير لنتعلّمه، فإن خطوات حديثة دفعت بعض المتخصصين إلى التساؤل، لِم لا تكون وسائل شفاء أو وقاية بعض هذه الأمراض أقرب مما كنا نعتقد؟

في عشرات التجارب السريرية، يوظّف العلماء بعض خلايا المرضى المناعية نفسها للقضاء على الخلايا الشاردة التي تغذّي الذئبة وقائمة متزايدة من الأمراض الأخرى. يُسمّى ذلك علاج "CAR-T"، والنتائج المبكرة لهذه "الأدوية الحية" واعدة.

أول مريض بالذئبة عولج في ألمانيا في آذار/مارس 2021، وما يزال حتى الشهر الماضي في هدوء مرضي من دون أدوية، بحسب الباحثين.

وشم يحمل عبارة
وشم يحمل عبارة David Goldman/AP Photo

ويمكن لدواء يدعى "تيبليزوماب" أن يؤخّر بدء أعراض داء السكري من النوع 1 لدى أشخاص مُقدَّر لهم أن يمرضوا، ما يشتري لهم بعض الوقت قبل الحاجة إلى الإنسولين. واستنادا إلى تلك "الأدلة المغرية"، تدعو الخطة الخمسية الجديدة للمعاهد الوطنية للصحة لأبحاث أمراض المناعة الذاتية – إذا تمّ تمويلها – إلى السعي لفتح نوافذ مماثلة للتدخل في أمراض أخرى كامنة.

"ربما هذه أكثر فترة إثارة شهدناها في مجال المناعة الذاتية"، قال الدكتور أميت ساكسينا، اختصاصي الروماتيزم في "إن واي يو لانغون هيلث" في نيويورك.

خلل من الداخل

لجهازك المناعي طرق متعدّدة ومتداخلة لاكتشاف البكتيريا والفيروسات وغير ذلك من العناصر الضارة ومهاجمتها. يشمل ذلك تعليم الجنود الأساسيين، أي الخلايا التائية والخلايا البائية المنتِجة للأجسام المضادة، كيف يميّزون بين الغريب وما هو "أنت".

إنه توازن دقيق، لا سيما أن الجراثيم تتكيّف أحيانا لتكتسب سمات مشابهة لجزيئات بشرية فتربك الدفاعات المناعية وتتفلت منها. ورغم أن للجهاز المناعي آليات أمان مضمنة لكبح أي خلايا شاردة، فإن أمراض المناعة الذاتية تظهر عندما يختلّ هذا النظام.

تجعل الكثير من الجينات المرتبطة بوظائف مناعية مختلفة الناس أكثر قابلية للإصابة بأمراض المناعة الذاتية الشائعة، ما يعني أنّ إصابة أحد أفراد العائلة قد ترفع خطر المرض لدى آخرين.

قد تشمل هذه الجينات متحوّرات كانت تحمي أسلافنا من تهديدات قديمة مثل "الموت الأسود"، لكنها اليوم قد تُترجَم إلى جهاز مناعي مفرط النشاط.

لكن "ليست الجينات كل شيء"، تقول الدكتورة ماريانا كابلان من "المعهد الوطني لالتهاب المفاصل والأمراض العضلية والجلدية" التابع للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة.

تُظهر الدراسات أنه إذا أصيب أحد التوأمين المتماثلين بمرض مناعة ذاتية، فليس مضمونًا أن يمرض الآخر. العوامل غير الجينية التي تُشغّل الاستجابة المناعية تؤدي دورا كبيرا، مثل العدوى وبعض الأدوية والتدخين والملوّثات. وفي الذئبة، حتى حروق الشمس الشديدة موضع شبهة.

"في مرحلة ما تأتي ضربة ثانية أو ثالثة، فيقول الجهاز المناعي: هذا يكفي، لم أعد أحتمل المزيد من هذه الإساءات"، قالت كابلان، وهي تدير أبحاث المناعة الذاتية الجهازية.

النساء أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية من الرجال، ربما بسبب الإستروجين أو الكروموسوم X الإضافي لديهنّ. ويظهر ذلك بوضوح في الذئبة؛ فالنساء يشكّلن 90 في المئة من الحالات، وغالبا شابات مثل ويلسون.

بدأت لديها نوبات إغماء وطفح جلدي شامل في عشريناتها، واشتدّت مع حمليها. ومع طفلين على يديها، راجعت أطباء من تخصصات عدة بسبب الحمى والتورّم وآلام المفاصل والظهر إلى أن جاء ذلك اليوم الحاسم في الطوارئ حين طلبت فحص البول.

أنقذت شهور من العلاج المضني كليتيها. لكن بعد أكثر من عقد، ما تزال ويلسون تعيش مع ألم يومي بسبب الذئبة. الإرهاق الشديد و"ضباب الدماغ" – صعوبات في التركيز والتذكّر القصير الأمد والقيام بمهام متعدّدة – يتذبذبان.

الدكتورة ماريانا كابلان من
الدكتورة ماريانا كابلان من David Goldman/AP Photo

تحسّنت العلاجات في الأعوام الأخيرة، من الستيرويدات بجرعات عالية والأدوية التي تكبح الجهاز المناعي عموما إلى خيارات إضافية تركز على جزيئات بعينها. تتلقّى ويلسون علاجا وريديا شهريا موجّها للذئبة، وتتناول نحو ستة أدوية يوميا لتهدئة جهازها المناعي المفرط النشاط وأعراضه المرتبطة.

والأسوأ هي نوبات الاشتعال، حين تتدهور الأعراض فجأة وبشكل ملحوظ. بالنسبة لويلسون، تجلب حمى عالية مباغتة، وتورّم ساقين يمنعها من المشي، وألما أشدّ، وتستمر أياما حتى أسبوع. تؤثر في عملها بمختبر طبي وفي وقتها مع زوجها وابنها المراهق وابنتها الجامعية.

"ليست حياة سيئة، إنه يوم سيئ فقط"، تردّد لنفسها لتتجاوز المحنة.

لدى كابلان، العالمة في المعاهد الوطنية للصحة، تفسير بيولوجي لهذا العناء اليومي: فالبروتينات الالتهابية نفسها التي تسبب الأوجاع والإرهاق خلال الزكام أو الإنفلونزا تجري باستمرار في أجسام المصابين بأمراض مناعة ذاتية جهازية مثل الذئبة.

مطاردة الأسباب الجذرية

"هؤلاء هم أولادي"، قال الدكتور جاستن كوانغ، الباحث الزميل في مختبر كابلان في المعاهد الوطنية للصحة، وهو يتفحص خلايا في حاضنة بعناية.

يقوم كوانغ بما هو صعب للغاية ولا يُجرى في كثير من المختبرات: إنه ينمّي دفعات من العدلات، أكثر خلايا الدم البيضاء شيوعا في الجسم.

هذه خلايا مستجيبة أولى تسارع إلى موقع الإصابة أو العدوى، وتشتبه كابلان بأنها من أوائل خلايا المناعة التي تنفلت وتطلق شرارة بعض أمراض المناعة الذاتية.

كيف؟ بعض أنواع العدلات تقذف محتوياتها لتشكّل بنى لزجة تشبه بيت العنكبوت تحبس الجراثيم وتقتلها. وتموت العدلات في هذه العملية.

لكن المرضى المصابين بالذئبة وبعض الأمراض الأخرى يحملون عدلات شاذة تُشكّل شبكات كثيرة جدا، تقول كابلان. وفريقها يحقق فيما إذا كانت دفاعات مناعية أخرى تستشعر هذا الحطام على أنه غريب عن طريق الخطأ، فتطلق سلسلة تفاعلات.

"نعتقد أن هذا عملية أولية أساسية"، قالت كابلان.

"نحاول أن نكتشف لماذا يحدث ذلك، ولماذا يحدث أكثر عند النساء، وهل يمكن أن نضع استراتيجيات توقف هذا من دون أن نؤذي الطريقة التي ندافع بها عن أنفسنا ضد العدوى".

ميزة أخرى شائعة: يعاني مرضى عدد من أمراض المناعة الذاتية، ولا سيما النساء، من نوبات قلبية وسكتات دماغية في أعمار صغيرة على نحو غير معتاد.

تشير أبحاث كابلان إلى أن تلك "المصائد خارج الخلوية للعدلات"، أو "NETs"، قد تكون مفتاحا، إذ تُلحق ضررا بالأوعية الدموية وتُعجّل بالتصلّب الشرياني الذي يُرى عادة عند كبار السن.

لكن العدلات لا تعيش طويلا خارج الجسم، واختبار العدلات الناضجة في دم مرضى الذئبة لن يبيّن كيف انحرفت في الأساس، وهو ما قد تساعد فيه "عدلات" كوانغ الصغيرة.

تفكيك الفروق بين المرضى

مهما كان محفّز الذئبة، فأعراضها محيّرة التنوع وعلاجاتها قد تُبقي بعض المرضى من دون أعراض ولا تنجح لدى آخرين.

وهذا يوحي بأن "الذئبة ليست مرضا واحدا"، تقول كابلان. "ما نسمّيه الذئبة ربما يمثّل حالات مختلفة عديدة لها عوامل مشتركة".

كيفية تصنيف الذئبة إلى أنماط فرعية ليست واضحة. لكن مرضا آخر، هو التهاب المفاصل الروماتويدي ("RA")، قد يقدّم مؤشرات. وربما يُعرَف بأصابع مشوّهة مؤلمة، يمكن لـ"RA" أن يهاجم أي مفصل وحتى بعض الأعضاء، وقد يُحدث تليّفا في الرئتين أحيانا.

وكما في الذئبة، فإن علاج "RA" يتم عبر المحاولة والخطأ، والعلماء يستكشفون عوامل كامنة مختلفة لشرح السبب. في دراسة، استخدم فريق دولي عينات صغيرة جدا من نسيج مفاصل المرضى لتحديد ستة أنماط التهابية فرعية من "RA" بناء على أنماط الخلايا، وكيف تجمّعت، ونشاطها.

روث ويلسون تتلقى علاجها الوريدي الشهري الموجّه للذئبة في 14 كانون الثاني/يناير 2025، في الولايات المتحدة.
روث ويلسون تتلقى علاجها الوريدي الشهري الموجّه للذئبة في 14 كانون الثاني/يناير 2025، في الولايات المتحدة. David Goldman/AP Photo

"لقد غيّر ذلك طريقة تفكيرنا بالمرض"، قال هاريس بيرلمان، رئيس قسم الروماتيزم في جامعة "نورثوِسترن" وأحد المشاركين في إعداد الدراسة. وأضاف أنّ الباحثين يقارنون الآن خلايا نسيج المفصل قبل بدء المرضى دواء جديدا وبعده لمعرفة إن كان ذلك قد يساعد في توجيه خيارات العلاج.

التعايش مع الذئبة

تعلّمت ويلسون وضع واقي الشمس وارتداء قبعة كبيرة في الهواء الطلق وكيفية ترشيد طاقتها أملا في تجنّب نوبات الاشتعال. وعندما أصبح طفلاها في سنّ المدرسة، عادت هي أيضا للدراسة وحصلت على شهادات قادتها إلى وظائف في أبحاث المختبرات وعلم البيانات، وإلى فهم أفضل لمرضها وعلاجاته.

في يوم ما، طلب منها طبيبها حينها في الروماتيزم أن تجيب عن أسئلة بعض طلاب الطب. تتذكّر ويلسون أن كثيرا منهم كانوا يعرفون "كيف تبدو الذئبة في كتاب دراسي" لكن ليس منظور المريض.

"أدركت، يا إلهي، أن عليّ أن أبدأ الحديث عن ذلك".

في إحدى أمسيات شباط/فبراير الماضي، التقت ويلسون أخيرا ببعض أعضاء مجموعة دعم الذئبة الخاصة بها على الإنترنت وهي تمزج بين التوتر والحماس. في "UMass Chan Medical School"، استقبلت امرأتين ورجلين بالعناق.

تبادلوا الأعراض والعلاجات، ورووا قصصا مُرة عن أقارب طيبين ينصحونهم فقط بالمزيد من النوم لمواجهة إرهاق الذئبة الذي لا يبدّده الراحة.

بعد شهر، سافرت ويلسون إلى واشنطن لحضور اجتماع نظّمه "Lupus Research Alliance"، حيث حثّت العلماء وباحثي شركات الأدوية على الإصغاء إلى تقارير المرضى عن التغييرات في حياتهم اليومية، مثل ما إذا كان علاج جديد يُحسّن "ضباب الدماغ".

وتقول إن الدراسات الدوائية التي تقيس الأعراض الجسدية وعلامات الدم "لا تلتقط سوى نصف القصة". "إذا كان العلاج يمكّنني من التفكير بوضوح، والانخراط في حياتي، وأن أكون الشخص الذي أعرفه تحت كل هذا، فذلك لا يقلّ أهمية عن خفض الالتهاب".

وبينما لا يوصي طبيبها بعد بعلاجات تجريبية، انضمّت ويلسون مؤخرا إلى دراسة "Lupus Landmark Study" التي ستتابع عينات بيولوجية من 3.500 مريض لفهم اختلافات المرض بشكل أفضل. وكلما ضربتها نوبة، تُوخز إصبعها لأخذ عيّنة دم لمشاركتها.

"من المهم بالنسبة لي أيضا أن أكون صوتا للمرضى لأنني أتذكّر نفسي وكم كنت وحيدة في البداية"، قالت ويلسون.

لفترة طويلة، "لم أرد أن أتحدث عن الأمر. وخصوصا أمام أطفالي، أردتهم أن يعرفوا أنني سأكون بخير. لذلك تضعين مكياجك وأحمر شفاهك وثلاث درجات من مصحّح العينين وتمضين قدما".

انتقل إلى اختصارات الوصول
شارك محادثة