يقدّم خبراء نصائح حول كيفية إيجاد قدر من الضوء في أكثر أشهر السنة ظلامًا، على الطريقة الإسكندنافية.
بلدان الشمال ليست غريبة عن الشتاء الطويل المظلم.
رغم قلة أو انعدام ضوء النهار، إضافة إلى أشهر من درجات حرارة قارسة، تعلّم سكان شمال أوروبا ومن يعيشون فوق الدائرة القطبية الشمالية كيف يتكيفون عقليا وجسديا مع بدايات كآبة الشتاء السنوية، التي قد تبدأ مبكرا في أكتوبر وتستمر حتى أبريل لدى بعضهم.
سيحل الانقلاب الشتوي في 21 ديسمبر، ليحدد أقصر نهار وأطول ليل في العام في نصف الكرة الشمالي. ورغم أن ضوء الشمس يزداد يوميا بعد ذلك، إلا أن الشتاء لن ينتهي قريبا.
تحدثت وكالة أسوشيتد برس إلى خبراء في النرويج والسويد وفنلندا حول كآبة الشتاء. وإليك كيف يقترحون البحث عن الضوء، حرفيا ومجازيا، خلال أكثر أشهر السنة ظلاما:
الحفاظ على عادات النوم والتواصل الاجتماعي أمر أساسي
قال الدكتور تيمو بارتونن، أستاذ بحثي في المعهد الفنلندي للصحة والرفاه، إن الشتاء المظلم يؤثر في إيقاعنا اليومي.
مع محدودية ضوء النهار، لا تستطيع ساعة الجسم الداخلية إعادة الضبط أو التزامن بشكل سليم، ما يربك نومنا. قد ننام مدة أطول في الشتاء، كما قال، لكننا لا نستيقظ منتعشين وقد نظل متعبين بقية اليوم.
أوصى بارتونن بتجربة جهاز محاكاة الفجر، المعروف أيضا باسم منبه شروق الشمس، ليضيء غرفة نومك تدريجيا ويسهّل الاستيقاظ.
علاوة على زيادة التعب، فنحن أكثر ميلا إلى الانسحاب اجتماعيا في الشتاء. نحن أكثر تهيجا، كما قال بارتونن، وأكثر عرضة للمشاحنات مع الأصدقاء.
قال إنه من المهم الحفاظ على علاقاتنا، لأن الأعراض نادرا ما تتحسن في العزلة.
وبما أن الاستمرار في ممارسة الرياضة أساسي أيضا لمكافحة كآبة الشتاء، فكر في دعوة صديق لمشاركتك التمرين.
وقد يساعد ذلك أيضا في تجنب زيادة الوزن الشتوية – التي تتراوح عادة بين اثنين وخمسة كيلوغرامات سنويا، بحسب بارتونن – والتي تغذيها الرغبة في تناول الكربوهيدرات، خاصة في المساء.
العلاج بالضوء موصى به لمجموعة من الأعراض
يُقدّر أن ملايين الأشخاص حول العالم يعانون اكتئابا موسميا. ويُعرف أيضا باضطراب العاطفة الموسمي، أو "SAD"، إذ يمر المرضى عادة بنوبات اكتئاب تبدأ في الخريف وتخف في الربيع أو الصيف.
هناك شكل أخف يُقرّه الخبراء الطبيون، ويُعرف بـ "SAD" دون متلازمة كاملة، ويُشار إليه بـ "subsyndromal". وهناك أيضا نوع صيفي من الاكتئاب الموسمي، رغم أن المعلومات عنه أقل.
يتعلم العلماء كيف تحول خلايا متخصصة في أعيننا الجزء الأزرق من الطيف الضوئي إلى إشارات عصبية تؤثر في المزاج واليقظة. ضوء الشمس غني بالضوء الأزرق، وعندما تمتصه تلك الخلايا تُفعّل مراكز اليقظة في الدماغ فنشعر بأننا أكثر استيقاظا وربما حتى أكثر سعادة.
اختبرت الباحثة كاثرين روكلاين في جامعة بيتسبرغ أشخاصا مصابين وغير مصابين بـ "SAD" لترى كيف تستجيب أعينهم للضوء الأزرق. وبصورة جماعية، كان المصابون بـ "SAD" أقل حساسية للضوء الأزرق من غيرهم، خصوصا في أشهر الشتاء.
وهذا يشير إلى سبب محتمل لاكتئاب الشتاء.
في الحالات الشديدة، يحتاج الناس إلى دعم سريري وأدوية مضادة للاكتئاب. ويوصي كريستيان بنيديكت، أستاذ علم الأدوية في جامعة أوبسالا بالسويد، بالعلاج بالضوء للمصابين بـ "SAD" وكذلك لمن يعانون شكلا أخف من كآبة الشتاء.
قال بنيديكت: "ليس الأمر قدرا محتوما، سنويا أو موسميا، ولا يمكنك فعل أي شيء حياله. هناك إمكانات للتأثير فيه".
إن اعتماد روتين من العلاج بالضوء صباحا باستخدام أجهزة تُصدر ضوءا أكثر سطوعا بنحو 20 مرة من الإضاءة الداخلية العادية، يمكن أن يعود بالفائدة على المصابين وغير المصابين بـ "SAD".
يساعد العلاج بالضوء على تحفيز الإيقاع اليومي ويزيد السيروتونين في الدماغ، كما قال بنيديكت.
تدعم الأبحاث استخدام ضوء بسطوع يقارب 10.000 لوكس، وهو مقياس للسطوع، لمدة 30 دقيقة كل صباح. وتتراوح أسعار المصابيح الخاصة بين 70 دولارا و400 دولار (بين 60 يورو و345 يورو)، رغم أن بعض المنتجات المسوّقة لـ "SAD" ليست ساطعة بما يكفي لتكون مفيدة.
أوصى بارتونن باستخدام كلٍ من محاكي الفجر وجهاز العلاج بالضوء يوميا قبل الظهر.
إعطاء الأولوية لنظرة إيجابية بوصفها استراتيجية للبقاء
ولا تنس النظر إلى الجانب المشرق.
من الضروري احتضان الشتاء بدلا من الخوف منه، بحسب إيدا سولهوغ، أستاذة مشاركة في علم النفس بجامعة ترومسو، المعروفة أيضا بجامعة النرويج القطبية، وهي الجامعة الواقعة في أقصى شمال العالم.
امنح الأولوية لنظرة إيجابية كاستراتيجية للبقاء وتعلم تقدير تغير الفصول. إنه أسلوب تفكير نرويجي معتاد، كما قالت، يمكنه أن يصنع الفارق حين يقل ضوء النهار لأشهر.
قالت: "إنه جزء من الثقافة".
وأضافت: ولا تنس الاستفادة من الهوايات الخارجية والداخلية معا. في الداخل، استحضر روح "hygge"، أي الهوس الدنماركي بالدفء والراحة، وتدثّر على الأريكة ببطانيات ومشاهدة فيلم.
لكن لا تدخل في سبات طوال الشتاء. بعد انتهاء الفيلم، اخرج ومعك ترمس إلى "fika"، أي استراحة القهوة السويدية التقليدية. حتى في الأيام الغائمة، ستساعدك نزهة قصيرة في الهواء الطلق، كما قالت.
وإن كنت شجاعا بما يكفي، فجرّب الغطس في الماء البارد كما يفعل كثيرون في بلدان الشمال.
تحاول سولهوغ القفز في المياه الباردة قبالة ساحل ترومسو، وهي جزيرة تقع على بعد 350 كيلومترا شمال الدائرة القطبية الشمالية، مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، مضيفة أن ذلك يجعلها تشعر بالتجدد خلال الشتاء الطويل.
قالت: "تحد نفسك لتبحث عن الضوء في الظلام".
ففي النهاية، كما يقول كثيرون في الشمال، لا وجود لطقس سيئ، بل لملابس سيئة فقط.
لرئيس فنلندا ألكسندر ستوب أيضا نصائح حول كيفية مواجهة شتاء الشمال. وعندما سُئل الشهر الماضي كيف يمكن النجاة من الموسم البارد، قدم نصائح محددة جدا.
قال ستوب: "خذ حماما جليديا ثم اتبعه بـ "سونا" وافعل حماما جليديا آخر و"سونا" أخرى، ثم استحم واذهب إلى الخارج. ستتدبر الأمر".