درجات الحرارة القياسية والصفقات المعلقة تزيد من أزمات الحكومة العراقية

ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية هذا الصيف في العراق
ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية هذا الصيف في العراق Copyright أ ب
بقلم:  رشيد سعيد قرني
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button

يؤدي الاعتماد الكلي للعراق على الطاقة الإيرانية إلى تعقيد العلاقات الأمريكية العراقية، حيث تحاول بغداد أن تثبت لإدارة ترامب بأنها تتخذ خطوات ملموسة لقطع التبعية الطاقوية لإيران.

اعلان

في جنوب العراق الغني بالنفط، تطرح أشهر الصيف الحارقة خيارات جديدة مؤلمة في زمن فيروس كورونا: البقاء في المنزل وسط الحرارة الشديدة وانقطاع التيار الكهربائي لساعات، أو الخرج ومواجهة خطر الإصابة بالفيروس التاجي.

هو المأزق الذي يواجهه يوميا زين العابدين، أحد سكان منطقة الحارثة في محافظة البصرة، فقد العابدين وظيفته بسبب القيود المفروضة بسبب الوباء. طيلة اليوم يتحسر العابدين لحالة ابنته البالغة من العمر أربعة أشهر وهي تبكي بسبب الحرارة التي لا تطاق. تعيش عائلته في فقر مدقع ولا تستطيع تحمل تكاليف مولدات الكهرباء الخاصة لتعويض انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى ثماني ساعات. يقول العابدين "ليس لدي طريقة للتعامل مع هذا الوضع سوى الصلاة لله وطلب الرحمة".

مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية هذا الصيف، حيث بلغت 52 درجة مئوية في بغداد الأسبوع الماضي، تعجز إمدادات الطاقة على تلبية الإستهلاك المزايد مما خلق شرارة جديدة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

أ ب
ياس خضير، بائع متجول لكتل الثلج في البصرة، العراقأ ب

فرض العراق حجرا صارمًا وحظر تجول على مدار اليوم، لذلك تضطر العائلات القادرة على دفع أموالها في الوقود والمولدات أما العائلات التي تعاني من العوز فلا حيلة أمامها غير تحمل المعاناة في المنازل دون مكيفات.

تبعية إيرانية وضغط أمريكي

تراجع إحتياطي خزائن الدولة بسبب الأزمة الاقتصادية التي أثارها انخفاض أسعار النفط والوباء، مما ترك القليل للاستثمار للحفاظ على البنية التحتية وشبكة التيار الكهربائي المهترئة في العراق. وما زاد في مشاكل البلاد، مطالبة إيران بدفع مبالغ متأخرة للطاقة التي قدموها للعراق من ناحية وإلحاح الولايات المتحدة بغداد للابتعاد عن طهران وإبرام اتفاقات للطاقة مع حلفائها في الخليج، وفقا لما اكده ثلاثة مسؤولين كبار في الحكومة العراقية فضلوا عدم الكشف عن هويتهم.

امتد انقطاع التيار الكهربائي، الذي تزامن مع قيود الحجر ودرجات الحرارة الحارقة إلى لبنان وسوريا، الدولتين المتأرجحين أيضًا على حافة الانهيار الاقتصادي.

أ ب
عمال وزارة الكهرباء يحاولون صيانة شبكة نقل الكهرباء في البصرةأ ب

ففي لبنان، يعاني السكان من انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 20 ساعة في اليوم. وفي العاصمة بيروت تمتزج درجات الحرارة العالية مع ارتفاع نسبة الرطوبة إلى ما يزيد عن 80 بالمئة، مما يزيد من الغضب الشعبي من الأزمة المالية الحادة التي تضرب البلاد. واضطر أصحاب مولدات الطاقة إلى وقفها بسبب الضغط الكبير على محركاتها وكذلك تقنين التزويد بالوقود ليجد السكان أنفسهم مضطرين إلى إشعال الشموع والمصابيح التي تعمل بالبطاريات.

وكما في العراق، تحولت منذ سنوات حالات انقطاع التيار الكهربائي في لبنان إلى روتين يومي بسبب الفساد وسوء الإدارة اللذين ينخران البلاد منذ الحرب الأهلية 1975-1990.

الحرب خلقت الفوضى في البنية التحتية في سوريا

أما في سوريا، فقد حطم ما يقارب عقد من الحرب البنية التحتية التي تعيش حالة من الفوضى. فالتيار الكهربائي ينقطع عن المنازل بشكل متكرر. في الأسبوع الماضي، انقطع التيار الكهربائي لساعات حتى عندما بلغت درجات الحرارة في دمشق مستوى قياسي تجاوز 48 درجة مئوية.

أ ب
حلب في سورياأ ب

في بغداد، يعم هدير المولدات وانقطاعها أرجاء المدينة طيلة اليوم ويجد العراقيون فترة راحة وجيزة الأمد في الحمامات العامة التي أقيمت في مختلف الشوراع. يقول أحمد محمد من بغداد "ننقل أطفالنا إلى الطابق السفلي ونرشهم بخرطوم الماء لتبريدهم".

تعثرت الإصلاحات في قطاع الكهرباء بسبب الاحتجاجات وحسابات المصالح الخاصة لشركات المولدات الخاصة التي تربط بعضها علاقات مصالح مع شخصيات سياسية. وأدى الإحجام العام عن دفع فواتير الكهرباء لخزينة الدولة إلى إرباك المسؤولين العراقيين لفترة طويلة.

في صيف العام 2018، أثار سوء الخدمات احتجاجات زعزعت الاستقرار في مدينة البصرة. وفي العام الموالي، شلت الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة بغداد وجنوب العراق، حيث شجب عشرات الآلاف من المتظاهرين الفساد المتفشي الذي أعاق توصيل الخدمات، بما في ذلك الكهرباء. كما قتل متظاهران على أيدي قوات الأمن في بغداد الأسبوع الماضي أثناء الاحتجاج ضد انقطاع التيار الكهربائي.

انهيار خطوط الكهرباء في العراق يعني أن التزويد سيفقد 1000 ميغاوات هذا الصيف. وقال مسؤول كبير بوزارة الكهرباء إن العرض يتجاوز حاليا الطلب بمقدار عشرة آلاف ميغاوات.

أما علي الصفار، رئيس قسم الشرق الأوسط في وكالة الطاقة الدولية التي تتخذ من باريس مقرا لها فقد أكد "للبقاء على قيد الحياة في أشهر الصيف، يجب مراجعة فورية للمولدات المستخدمة في المكاتب العامة لمعرفة ما يمكن وضعه في الشبكة الوطنية". وأشار مسؤولون في وزارتي النفط والكهرباء إلى أن الحكومة نفذت بالفعل إجراءات طارئة لتحويل الطاقة المستخدمة في العمليات اليومية في حقول النفط لإضافتها إلى الشبكة.

أ ب
متظاهر يهدأ من حرارة الصيف أثناء المظاهرات المناهضة للحكومة في ميدان التحرير في بغدادأ ب

يعتمد العراق بشكل كبير على إيران في التزويد بالطاقة خاصة خلال فصل الصيف. لكن النقص في الميزانية دفع بغداد إلى التاخر في دفع المستحقات المالية للدولة الجارة. وقال مسؤولان حكوميان إنه تم تخصيص ميزانية عاجلة لتجنب تكرار ما حدث في العام 2018، عندما أوقفت إيران واردات الطاقة إلى العراق خلال الصيف بسبب المستحقات غير المدفوعة.

ويؤدي الاعتماد الكلي للعراق على الطاقة الإيرانية إلى تعقيد العلاقات الأمريكية العراقية، حيث تحاول بغداد أن تثبت لإدارة ترامب بأنها تتخذ خطوات ملموسة لقطع التبعية الطاقوية لإيران.

مصالح اقتصادية أمريكية خليجية

تحدث ثلاثة مسؤولين عن الضغوطات التي تمارسها الولايات المتحدة من أجل عقد صفقات مع حلفائها في الخليج لتنويع مصادر الكهرباء في العراق. يبدو مشروعان في مراحل متقدمة من المفاوضات. الأول سيوفر 500 ميغاوات أولية من الإمداد لجنوب العراق عن طريق ربط شبكة التزويد العراقية بشبكة فائقة تشمل ست دول خليجية. وتم توقيع اتفاقية إطار العام الماضي مع هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي، لكن نقص تمويل حوالي 300 كيلومتر من خطوط النقل أبطأ تقدم المشروع.

أ ب
شركة أرامكو السعوديةأ ب

وقال مسؤول حكومي كبير إن الخليج تعهد بجمع الأموال، لكنهم "قلقون بشأن الوضع السياسي". وأضاف ذات المسؤول "لقد عقدوا مؤتمرا عبر الفيديو مع وزارة الكهرباء في أوائل تموز/يوليو الماضي حيث دعا ممثلون امريكيون لدعم المشروع والدفع به".

اعلان
viber

أما المشروع الثاني فيتعلق بتطوير مركز غاز متوقع في جنوب العراق لتلبية احتياجات الطاقة المحلية. وتجري المحادثات لتطوير حقل نفط الرطاوي العراقي وجمع الغاز المشتعل في الحقول المجاورة لتوليد الكهرباء. وبموجب الصفقة، ستقوم الشركة السعودية أكوا باور ومقرها الرياض وشركة هانيويل الأمريكية ببناء مركز الغاز بتمويل من عائدات الحقل وبإدارة شركة أرامكو السعودية. وينتظر هذا الاتفاق التوقيع الرسمي من كافة الأطراف.

المصادر الإضافية • أ ب

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

ارتفاع معدلات الطلاق في بلجيكا بعد تخفيف إجراءات الإغلاق

الأمن والنفط.. محور لقاء وزير الخارجية العراقي مع نظيره التركي في بغداد

شاهد: بعد إغلاقها لعشر سنوات.. العراق يعيد تشغيل مصفاة الشمال في بيجي