محكمة ألمانية تقضي بسجن ضابط مخابرات سوري سابق مدى الحياة

كوبلنس (ألمانيا) (رويترز) – أصدرت محكمة ألمانية يوم الخميس حكما بالسجن مدى الحياة على ضابط مخابرات سابق عمل في جهاز الأمن السوري التابع للرئيس بشار الأسد، وذلك بعد إدانته بالقتل والاغتصاب وارتكاب جرائم ضد الإنسانية في محاكمة تسلطت عليها الأضواء. وهذا أول حكم إدانة على الإطلاق بالتعذيب تحت إشراف الدولة في الحرب بسوريا.
وأدين أنور رسلان بارتكاب 27 من بين 58 اتهاما بالقتل والاغتصاب والاعتداء الجنسي في منشأة احتجاز بدمشق تديرها وحدة مخابرات كان يرأسها وتتبع أجهزة أمن الرئيس بشار الأسد.
كان رسلان، البالغ من العمر 58 عاما، برتبة عقيد عندما انشق إلى المعارضة في 2012. ويقول المدعون إنه حصل على حق اللجوء في ألمانيا بعد ذلك بعامين. وأنكر الرجل جميع التهم الموجهة إليه.
وتنفي حكومة الأسد تعذيب السجناء.
وضَمِن الادعاء إجراء محاكمة بموجب قوانين القضاء في ألمانيا والتي تسمح للمحاكم بالنظر في الجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب في أي مكان بالعالم.
وقام الادعاء بجمع أدلة منذ 2016 من حوالي 50 ناجيا سوريا من التعذيب يعيشون في ألمانيا، وآخرين في أماكن أخرى في أوروبا، بدعم ومساندة من المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية أسسها محامون في 2007.
ورحبت بالحكم مريم الحلاق، التي توفي ابنها أثناء استجوابه على أيدي عملاء الحكومة بعد خطفه في جامعة دمشق في 2012، بعد سنة واحدة من اندلاع الحرب .
قالت أمام المحكمة في مدينة كوبلنس بغرب ألمانيا، وهي تقف مع مجموعة من الأمهات السوريات اللائي يحملن صور أبناء يقلن إنهم قتلوا أو تعرضوا للتعذيب في منشآت حكومية سورية إن “هذا (الحكم) يعني الكثير بالنسبة لي، فأنا أشعر أن العدالة تتحقق”.
وأضافت “هذه خطوة صغيرة للعدالة التي ننشدها.. ومحاسبة كل مرتكبي الانتهاكات بما في ذلك المجرمون الذين قتلوا ابني”.
وأشادت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت بما وصفته بأنه “قفزة هائلة إلى الأمام” في مساعي تحقيق العدالة والمحاسبة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا.
وقالت في بيان من جنيف “هذا مثال واضح يظهر كيف يمكن للمحاكم الوطنية سد الفجوات في المحاسبة عن مثل هذه الجرائم في أي مكان“، ودعت الدول الأخرى إلى استخدام نفس مبادئ الولاية القضائية خارج أراضيها.
وداخل المحكمة اجتهد رسلان في رسم ابتسامة على وجهه في انتظار تلاوة منطوق الحكم بعد أن أزال ضابط شرطة الأغلال من يديه. وكان يرتدي سترة سوداء وعلى عينيه نظارة ويخفي وجهه خلف كمامة.
وقال محامون مدافعون عن حقوق الإنسان إنه هرب إلى تركيا قبل أن ينتقل إلى ألمانيا في 2014، حيث اتصل بالشرطة وقال إنه يشعر بالخوف من أن يقتله زملاؤه السابقون. واعتقلته السلطات الألمانية في 2019.
* الوحشية مستمرة
وهذا هو الحكم الثاني خلال هذه المحاكمة التي بدأت في أبريل نيسان 2020.
وفي العام الماضي، صدر حكم بالسجن أربع سنوات ونصف السنة على عضو سابق آخر في جهاز الأمن السوري، بعد إدانته بالتحريض على تعذيب مدنيين.
وقال إريك ويت من مبادرة العدالة الاجتماعية المفتوحة التي دعمت عددا من الشهود في القضية “المحاكمة تبين أن المحاسبة عن الأعمال الشنعاء التي ارتكبها نظام الأسد أمر ممكن… إذا تحرك المدعون والقضاة”.
وأضاف “ونحن نرحب بنتيجة المحاكمة، علينا ألا ننسى أن بشاعة الجرائم التي ثبتت في المحكمة لا تزال مستمرة في سوريا حتى يومنا هذا”.
ومن شأن الحكم أن يمنح الأمل لكثيرين من بين 800 ألف سوري يقيمون بألمانيا بعد فشل مساع لإنشاء محكمة دولية مختصة بسوريا.
وتبدأ في فرانكفورت الأسبوع القادم محاكمة ثانية لطبيب سوري يشتبه بارتكابه جرائم ضد الإنسانية منها تعذيب سجناء في مستشفى عسكري بمدينة حمص في عامي 2011 و2012. ويتهمه الادعاء الألماني أيضا بقتل سجين بطريق الحَقن.
كانت روسيا والصين قد عرقلتا في مجلس الأمن الدولي محاولات قوى غربية لإحالة الأزمة السورية للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما لم يَدَع أمام الناجين من التعذيب وهجمات الأسلحة الكيماوية متسعا من الخيارات سعيا للعدالة.