إطلاق سراح مروان البرغوثي، إن تحقق، لن يكون مجرد تبادل لسجناء، بل قد يعيد رسم موازين القوى داخل المشهد الفلسطيني، ويعيد فتح صفحة حساسة من الصراع السياسي بين الفصائل.
مع الإعلان عن موافقة إسرائيل وحماس على تنفيذ المرحلة الأولى من خطة أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة، تبرز مطالبة حركة حماس بإدراج أسماء بارزة من السجناء الفلسطينيين ضمن أي صفقة تبادل، وعلى رأس تلك الأسماء أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فسطين والذي يقضي حكما ب30 سنة سجنا لاتهامه بتدبير اغتيال وزير السياحة رحبعام زئيفي. ومن الأسرى الواردة أسماؤهم أيضا مروان البرغوثي، القيادي في فتح والمحكوم عليه بخمس مؤبدات يضاف إليها أربعون عاما أخرى.
ومع أن حماس تصرّ على إدراجه في القائمة، أفادت تقارير إعلامية بأن الصفقة قد تستثني بعض الأسرى، بما في ذلك أسماء كانت محلّ مساعٍ طويلة للإفراج عنها، مثل البرغوثي الذي يحظى بمكانة شعبية كبيرة ويُنظر إليه كرمز بين أوساط واسعة من الفلسطينيين على اختلاف توجهاتهم السياسية والإيديولوجية.
ماذا يعني إطلاق سراح البرغوثي؟
قد يُنظر إلى إطلاق سراح البرغوثي، داخلياً وخارجياً، بوصفه مؤشراً على فشل الخطاب الأمني الإسرائيلي، وسيمنح خصوم حكومة نتنياهو مادة قوية للسجال وانتقاد من يتخذ قرار الرفض أو القبول. على المستوى الرمزي، فإنّ خروج شخصية محكومة بمؤبد يضرب في قلب سرديّة الردع التي تبنتها تل أبيب.
ومن جهة أخرى، قد لا يتوافق إطلاق سراح البرغوثي مع التوجهات والمصالح التي تتبناها القيادة الفلسطينية الحالية. فإذا رحّب به الجمهور وارتفعت شعبيته بعد الإفراج، فذلك قد يقوّض حضور الرئيس محمود عباس وبيئته، لا سيما في ظل تحركات داخلية وتعيينات مثل تنصيب حسين الشيخ نائباً للرئيس، الخليفة المحتمل لعباس، وهو قرار أثار استنكاراً لدى حماس ووُصف بأنه إملاء خارجي وتعزيز لتوجه التفرّد في الحكم. لذالك فإنّ الإفراج عن البرغوثي قد يعيد تشكيل موازين النفوذ داخل ساحة فتح والسلطة في رام الله.
هذا ويُنظر إلى إدراج اسم القيادي الفتحاوي الأبرز ضمن قوائم السجناء، في ظل تصاعد احتمالات توتر فلسطيني–فلسطيني أو نقاش داخلي حاد، كخطوة قد تسهم في تعزيز صورة الوحدة وإحياء فكرة المشروع الوطني لدى شريحة واسعة من الفلسطينيين، وتجعل من عملية التفاوض مع إسرائيل معركة سياسية داخلية أيضاً.
من هو مروان البرغوثي؟
ولِد مروان البرغوثي في 2 حزيران/يونيو 1959 في قرية كوبر قرب رام الله. برز كقائد ومنظّم خلال الانتفاضتين الفلسطينية الأولى والثانية، وقد اعتُبر من أبرز قادة حركة فتح في الضفة الغربية، وتدرّج في صفوف الحركة حتى شغل منصب أمين سرّ حركة فتح في الضفة وعضوية المجلس التشريعي الفلسطيني. يصفه البعض بـ"نيلسون مانديلا الفلسطيني"، قياساً إلى مكانته كقائد سجين.
اعتُقل البرغوثي في عام 2002، وأُدين بتدبير كمائن مسلحة وتفجيرات انتحارية أسفرت عن مقتل مدنيين إسرائيليين خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فحُكم عليه بالسجن المؤبد خمس مرات عام 2004. نفى البرغوثي التهم ورفض الاعتراف بشرعية المحكمة الإسرائيلية التي حكمت عليه.
بدأت مشاركته السياسية في سنّ المراهقة، وسُجن أربع سنوات لانضمامه لحركة فتح وهو في الخامسة عشرة من عمره. بعد الإفراج عنه درس التاريخ والعلوم السياسية، ثم عاد للنشاط السياسي حتى منعته الدولة العبرية من دخول رام الله لفترات طويلة قبل أن يعود عام 1994 إلى الأراضي الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو، لكن سنوات السجن الطويلة عزّزت شعبيته، رغم بقائه لسنوات معزولاً عن العالم الخارجي.
خلال الحرب الأخيرة على غزة، قيل إن البرغوثي يُحتجز في الحبس الانفرادي. وقد أثارت لقطات قصيرة بثّها وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرّف إيتمار بن غفير جدلاً واسعاً، إذ ظهر فيها وهو يقتحم قسم العزل الانفرادي في سجن "غانوت" ويوجّه تهديدات للبرغوثي داخل زنزانته، ما أثار قلق عائلة القيادي الفلسطيني والنقاش العام حول وضعه الصحي والمعنوي.