قال جيفري لويس، مدير مشروع الحد من الانتشار النووي في معهد "ميدلبري"، إن "إيران بحاجة الآن إلى كميات أكبر بكثير من بيركلورات الصوديوم لتعويض الصواريخ التي استخدمتها أو تلك التي دُمّرت خلال الحرب".
أفادت مصادر استخباراتية أوروبية لشبكة "سي إن إن" أن إيران تكثّف جهودها لإعادة بناء برنامجها للصواريخ الباليستية، رغم إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة الشهر الماضي التي تحظر عليها ذلك.
شحنات من الصين إلى بندر عباس
وأوضحت المصادر أن عدة شحنات من مادة بيركلورات الصوديوم – وهي المكوّن الأساسي المستخدم في إنتاج الوقود الصلب الذي يُشغّل الصواريخ متوسطة المدى – وصلت من الصين إلى ميناء بندر عباس الإيراني منذ تفعيل آلية "الزناد" في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي.
وبحسب المصادر، بدأت الشحنات بالوصول في 29 سبتمبر، وتضمنت نحو 2000 طن من بيركلورات الصوديوم، اشترتها طهران من موردين صينيين عقب الحرب مع إسرائيل.
وترى المصادر أن هذه الكميات تأتي في إطار مساعٍ حثيثة لإعادة بناء المخزون الصاروخي المستنزف لدى الجمهورية الإسلامية، مشيرة إلى أن السفن والكيانات الصينية المشاركة تشمل شركات خاضعة أصلًا للعقوبات الأمريكية.
خلفية العقوبات الأممية
وكان مجلس الأمن قد أعاد فرض العقوبات على إيران بموجب آلية "الزناد"، بعد اتهامها من قبل واشنطن والترويكا الأوروبية، بالسعي إلى امتلاك أسلحة نووية وعدم الالتزام بالاتفاق النووي الموقّع عام 2015.
وتحظر العقوبات على إيران أي نشاط مرتبط بالصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية، كما تلزم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بمنع تزويدها بأي مواد يمكن أن تسهم في تطوير منظومات إيصال الأسلحة النووية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية.
في المقابل، رفضت الصين وروسيا إعادة فرض العقوبات، معتبرتين أنها "تقوّض الجهود الدبلوماسية" لحلّ الأزمة النووية.
ثغرة قانونية في لوائح الحظر
مع ذلك، يشير التقرير إلى أن مادة بيركلورات الصوديوم لم تُذكر صراحة ضمن قوائم المواد المحظور تصديرها لإيران، رغم أنها تُعدّ سلفًا مباشرًا لمادة بيركلورات الأمونيوم المدرجة على قوائم الحظر والتي تُستخدم في الصواريخ الباليستية. ويرى خبراء أن طهران تستغل هذه الثغرة القانونية للالتفاف على العقوبات الدولية.
تتبّع السفن الصينية
قالت "سي إن إن" إنها تتبعت مسار عدد من السفن التي حددتها المصادر الاستخباراتية كمشاركة في نقل هذه الشحنات من الموانئ الصينية إلى إيران.
وأظهرت البيانات أن العديد منها قامت برحلات متكررة بين البلدين منذ نهاية أبريل، من بينها السفينة MV Basht التي غادرت ميناء "تشوهاي" في 15 سبتمبر ووصلت إلى بندر عباس في 29 من الشهر ذاته، قبل أن تعود إلى الصين.
كما سلكت سفن أخرى مثل Barzin وElyana وMV Artavand المسارات نفسها، وأحدها أوقف نظام التتبع لتعمية تحركاته، وفقًا للاستخبارات الغربية.
الموقف الصيني
ردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية على استفسار الشبكة بالقول إنه "غير مطّلع على الوضع تحديدًا"، لكنه أكد أن بلاده "تطبّق ضوابط صارمة على الصادرات ذات الاستخدام المزدوج بما يتوافق مع التزاماتها الدولية".
وأضاف أن الصين "تعارض العقوبات والضغوط" وترى في إعادة فرض العقوبات الأممية "خطوة غير بنّاءة" تمثل "نكسة خطيرة" للجهود الدبلوماسية.
رأي الخبراء
يقول جيفري لويس، مدير مشروع الحد من الانتشار النووي في معهد "ميدلبري"، إن "إيران تحتاج الآن إلى كميات أكبر بكثير من بيركلورات الصوديوم لتعويض الصواريخ التي استخدمتها أو دُمّرت أثناء الحرب"، مشيرًا إلى أن الكميات الأخيرة تكفي لإنتاج نحو 500 صاروخ فقط، في حين كانت إيران تخطط لإنتاج 200 صاروخ شهريًا قبل اندلاع النزاع.
وكانت تقارير سابقة قد كشفت في فبراير الماضي عن شحن نحو 1000 طن من المادة نفسها من الصين إلى إيران، تبعتها شحنات إضافية في مايو رغم العقوبات الأمريكية.
أما الباحث الصيني تونغ تشاو من مؤسسة كارنيغي، فيرى أن بكين لا تعتبر نفسها ملزمة بإعادة فرض العقوبات، مستندة إلى موقفها المشترك مع روسيا وإيران الرافض لقانونية آلية "العودة التلقائية".
وأشار إلى أن بيركلورات الصوديوم لا تُدرج صراحة ضمن المواد المحظورة، لكنها "تدخل ضمن نطاق المواد الخاضعة للرقابة التي يمكن استخدامها في تصنيع الصواريخ ذات الوقود الصلب".
وأضاف أن الصين، رغم إدراكها بأن هذه الصادرات قد تدعم برنامج إيران الصاروخي بشكل غير مباشر، تعتبر المسألة "شأنًا سياديًا" يتعلق بحقها في اتخاذ قرارات تصدير مستقلة بشأن المواد غير المحظورة من قبل الأمم المتحدة.