شدّد الرئيس اللبناني جوزاف عون، خلال استقباله رئيس الوفد المفاوض في لجنة "الميكانيزم" سيمون كرم، على أنّ الأولوية الوطنية تكمن في إعادة سكان القرى الحدودية إلى منازلهم وأراضيهم.
شهدت بلدة الناقورة جنوب لبنان، الجمعة 19 كانون الأول/ديسمبر انعقاد جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدولية المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار "الميكانيزم"، في إطار ما وصفته الأطراف المشاركة بأنه مسار يتجه نحو معالجة ملفات أمنية وسياسية واقتصادية أوسع من مجرد مراقبة وقف الأعمال العدائية.
الاجتماع الذي جمع ممثلين عسكريين ومدنيين من الطرفين، جرى بعيدًا عن الإعلام قرب الحدود اللبنانية الإسرائيلية، واعتُبر محطة جديدة في سلسلة لقاءات انطلقت قبل عام بعد توقف الحرب بين إسرائيل وحزب الله، ويستند إليها اتفاق وقف إطلاق النار الذي ترعاه الولايات المتحدة وتشارك فيه فرنسا وقوة الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان (يونيفيل).
تركيز على نزع سلاح حزب الله
الجانب الإسرائيلي أعلن أنّ الاجتماع يأتي ضمن جهود تهدف إلى نزع سلاح حزب الله وفرض استقرار دائم في المناطق الحدودية.
وأوضح مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ مباحثات الناقورة تمثل امتدادًا لحوار أمني يهدف إلى ضمان نزع سلاح حزب الله من قبل الجيش اللبناني، مع بحث خيارات اقتصادية مشتركة لتثبيت الأمن ومنع عودة التوتر.
إسرائيل عادت وشددت على مطالبة السلطات اللبنانية بتنفيذ التزاماتها ضمن بنود وقف إطلاق النار، محذّرة من أنّها ستتصرّف وفق ما تراه "ضروريًا" إذا لم تُنجز عملية نزع السلاح مع نهاية العام، وهو الموعد المحدد لإنهاء المرحلة الأولى من خطة تطبيق الاتفاق في منطقة جنوب نهر الليطاني.
تمثيل مدني جديد… وتوسيع نطاق المحادثات
الاجتماعات الأخيرة شكّلت تحولًا نوعيًا بإشراك ممثلين مدنيين من الطرفين، وهي أول محادثات مباشرة بتمثيل مدني بين البلدين منذ عقود. ولبنان سمّى الشهر الحالي السفير السابق سيمون كرم ممثلًا مدنيًا ورئيسًا للوفد المفاوض في اللجنة، في خطوة تقول السلطات اللبنانية إنّها تهدف إلى تحييد خطر اندلاع حرب جديدة، وإبقاء المفاوضات في إطار تقني مخصص لمتابعة وقف الهجمات الإسرائيلية وسحب القوات من المناطق التي تقدمت إليها خلال الحرب الأخيرة.
في المقابل، وصف حزب الله مشاركة المدنيين بأنها خطوة مرفوضة، معتبرا أنها "سقطة" تُضاف إلى "خطيئة" قرار الحكومة بالموافقة على عملية نزع سلاحه ضمن الاتفاق.
موقف لبناني: عودة السكان مدخل لكل النقاشات
الرئيس اللبناني جوزاف عون شدد خلال استقباله رئيس الوفد المفاوض في لجنة الميكانيزم سيمون كرم، على أنّ الأولوية الوطنية تكمن في إعادة سكان القرى الحدودية إلى منازلهم وأراضيهم، معتبرا أن عودة الأهالي تُعد المدخل الأساسي لأي بحث لاحق بشأن الجوانب العسكرية والأمنية والاقتصادية.
بيان صادر عن الرئاسة أشار إلى أنّ اللجنة ستلتقي مجددًا في السابع من كانون الثاني/ يناير ، في وقت تتصاعد فيه الحاجة إلى تسريع خطوات إعادة الإعمار وفتح الطرق أمام النازحين إلى قراهم، خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها الحرب.
الدور الأميركي ومسار أوسع من المراقبة العسكرية
السفارة الأميركية في لبنان أوضحت أن اجتماع الناقورة جاء ضمن جهود منسّقة تهدف إلى تثبيت وقف دائم للأعمال العدائية وفق الاتفاق الموقّع قبل عام، مع التأكيد على أن التقدّم في المسارين السياسي والاقتصادي بات ضرورة لتعزيز المكاسب الأمنية.
وأشارت السفارة إلى أنّ المشاركين العسكريين ناقشوا تعزيز التنسيق بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي، بينما ركّز الممثلون المدنيون على توفير شروط عودة آمنة للسكان وتحريك المشاريع الاقتصادية وإعادة الإعمار.
مسؤولون مطلعون على المناقشات أكدوا أنّ الاجتماع تطرّق أيضًا إلى الخلافات حول آلية الحد من وجود السلاح جنوب الليطاني، ودور الجيش اللبناني في المناطق التي يتمركز فيها حزب الله تاريخيًا، وسط تأكيدات بأن تعزيز الجيش يعتبر ركيزة أساسية للاستقرار طويل الأمد.
اتفاق يواجه اختبارًا حاسمًا
يرتبط لبنان وإسرائيل بعداء مفتوح منذ أكثر من سبعة عقود. ورغم وقف إطلاق النار برعاية أميركية قبل عام، يستمر تبادل الاتهامات بانتهاك الاتفاق، فيما تواصل إسرائيل تنفيذ غارات، تقول إنها تستهدف محاولات حزب الله لإعادة بناء قدراته العسكرية.
تلك التطورات تأتي بالتزامن مع مسعى أميركي أشمل، ضمن رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتثبيت اتفاقات سلام في الشرق الأوسط، وتوسيع فضاء المحادثات اللبنانية الإسرائيلية إلى المجال المدني والاقتصادي، بعد تركيز طويل على الشق العسكري.
ومع اقتراب نهاية العام، يواجه الاتفاق اختبارًا جوهريًا يتعلق بتنفيذ مرحلة نزع سلاح حزب الله جنوب الليطاني، في وقت تتداخل فيه حسابات الأمن والسياسة والاقتصاد مع مستقبل المناطق الحدودية وسكانها، ومع السؤال الأكبر حول إمكانية تثبيت سلام دائم بين الطرفين.