رغم الخطوات الواعدة، تبقى فرنسا متأخرة مقارنة بدول أوروبية أخرى. فنسبة إعادة استخدام المياه لا تتجاوز 1% من إجمالي المياه العادمة المعالجة.
في ظل تصاعد موجات الحر وانحسار الموارد المائية، تُسرّع فرنسا خطواتها نحو نموذج جديد للحفاظ على المياه، يعتمد على إعادة التدوير والاستخدام غير التقليدي، في مواجهة مباشرة مع واقع تغير مناخي لم يعد يُحتمل.
ومن ضمن هذه الابتكارات ما قام به مصنع للحويات في قلب منطقة مين-إت-لوار، والذي يحمل اسم "باتيسري باسكريه" بابتكار نظام تبريد غير مسبوق، وتقول ياسمين فروجر، مديرة الإنتاج: "كل قطرة ماء تُستخدم فيه معاد تدويرها بالكامل. قبل سنوات، كانت الشركة تستهلك نحو 50 ألف متر مكعب من المياه الصالحة للشرب سنوياً لتبريد منتجاتها بعد الخروج من الفرن. اليوم، تراجعت هذه الكمية إلى النصف، بفضل محطة معالجة خاصة أُنشئت داخل الموقع".
وأضافت: "نُخرج الحلويات من الفرن بحرارة تقارب 100 درجة مئوية، ثم نبردها فوراً إلى 18 درجة تحت الصفر"، موضحة، "كان الاعتماد على شبكة المياه العامة يشكل ضغطاً كبيراً. الآن، أصبحنا مستقلين تقريباً. هذه الخطوة وفرت علينا تكاليف، لكنها منحتنا أيضاً استقراراً لم نكن نملكه من قبل".
التجربة لا تقتصر على قطاع الصناعة. في بلدة غريسان جنوب البلاد، يُروى كروم النبيذ البالغة 80 هيكتاراً بمياه لم تعد صالحة للشرب، لكنها مثالية للري. تأتي هذه المياه من محطة معالجة في ناربون، بعد خضوعها لسلسلة من عمليات التنقية. يقول فريديريك فريناط، مدير تعاونية غريسان للنبيذ: "الماء نظيف، لكنه ليس لمشروب. موسمياً كنا نفقد جزءاً من الكروم بسبب الجفاف. اليوم، أصبحت أكثر مرونة، وأقل عرضة للانهيار".
في الأفق، خطوة أكبر. في منطقة "بيرينيه أورينتال"، الأكثر تأثراً بالجفاف في فرنسا، تستعد بلدة أرجيليس لقلب صفحة جديدة. ابتداءً من أبريل القادم، ستتوقف محطتها عن تصريف المياه العادمة في البحر، وستُوجّه نحو نظام ترشيح فائق الدقة، يُعدّ لاستخدامها في ري الأراضي الزراعية.
المشروع، الذي يُقدّر تمويله بـ13 مليون يورو (3 ملايين للتنقية، و10 ملايين لأنابيب النقل)، يُنظر إليه كواحد من أبرز نماذج التكيف مع الأزمة المائية.
يقول أنطوان بارا، رئيس جماعة بلديات المنطقة: "في الصيف، يقفز استهلاك المياه بشكل هائل، هدفنا بسيط نُبقي المياه الجوفية للمواطنين، ونُقدّم للمزارعين بديلاً مستداماً، لا يُهدّد البيئة ولا يُعيق الإنتاج".
وهو بالضبط ما ينتظره بنجامين غيرتين، بستاني يمتلك مزرعة فواكه في الجوار. "القيود الحالية تُعطّل دورة العمل لدينا"، يقول. "أنا مستعد لدفع 35 ألف يورو سنوياً مقابل الحصول على مياه معاد تدويرها". يضيف: "الوقت يداهمنا. لا نملك ترف التريث".
رغم هذه الخطوات الواعدة، تبقى فرنسا متأخرة مقارنة بدول أوروبية أخرى. فنسبة إعادة استخدام المياه لا تتجاوز 1% من إجمالي المياه العادمة المعالجة. لكن ما بدأ كتجارب محلية، تُختبر على نطاق ضيق، يتحول تدريجياً إلى نموذج يُطرح للنقاش على المستوى الوطني.