أصبح نهج الرعاية الصحية الموحد الذي يُطبق على الجميع أمرًا من الماضي حيث تحول نحو نموذج رعاية أكثر فردية يراعي الخصائص الفريدة للشخص مثل جيناته وبيئته وأسلوب حياته وهذا ما يُعرف بالرعاية الصحية الدقيقة.
سمح زيادة فهم علم الوراثة البشرية إلى جانب التقدم في التكنولوجيا الحيوية والتشخيص والتقنيات المبنية على البيانات إلى تحقيق هذا التحول الذي مكن مقدمي الرعاية الصحية من تحديد الأمراض بشكل أفضل وتطوير علاجات أكثر دقة وفعالية مع التركيز بشكل أقوى على التنبؤ بالمخاطر والوقاية منها والتدابير الاستباقية.
اعلانكانت الرعاية الصحية الدقيقة ودور البيانات في الرعاية الصحية من بين موضوعات النقاش الرئيسية في أسبوع أبو ظبي العالمي للرعاية الصحية لهذا العام وهو حدث يجتمع فيه قادة الصناعة الطبية والمهنيين ورجال الأعمال وصنّاع السياسات معًا للتعاون وتبادل الأفكار ووضع الاستراتيجيات بشأن مستقبل الصحة.
كيف تساعد البيانات الضخمة في تصميم العلاجات الطبية
اتضح على أرض الواقع خلال أسبوع أبو ظبي العالمي للرعاية الصحية أن الطريق نحو الرعاية الصحية المخصصة لكل فرد يكمن على نحو متناقض إلى حد ما في جمع البيانات ومشاركتها على نطاق واسع وأوضح أليكس بيدنكوف نائب رئيس الأدلة العالمية لشركة BioPharmaceuticals Medical التابعة لمؤسسة AstraZeneca أن "بيانات العالم الحقيقي توفر إمكانات هائلة في تحديد معالم الرعاية الصحية."
"في رحلة الانتقال إلى مستقبل الرعاية الصحية، سنعتمد أكثر فأكثر على بيانات ومنصات العالم الحقيقي، بما في ذلك منصات صحة السكان."
تُطبق AstraZeneca الطب الدقيق في كامل نطاق خدماتها أولًا في علاج الأورام والآن في معالجة الأمراض المزمنة المعقدة وذلك من خلال تحديد واختبار منتجات جينية ومؤشرات حيوية محددة للكشف عن كيفية ارتباطها بالمرض وتوجيه تطوير الأدوية المصممة خصيصًا.
بعيدًا عن الصناعات، تعمل أنظمة الرعاية الصحية الوطنية أيضًا على تسخير قوة البيانات، كما تعمل مراكز تبادل البيانات الصحية على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم ولكن لا يوجد نظام أكثر قوة من منصة ملفي لتبادل المعلومات الصحية الخاصة بدولة الإمارات العربية المتحدة. هذه المنصة هي عبارة عن قاعدة بيانات مركزية لسجلات المرضى الموحدة وتتيح التبادل الفعّال لمعلومات المرضى بين مقدمي الرعاية الصحية مما يُحسن تقديم الرعاية الصحية والإنصاف والنتائج للمرضى.
اعلانيقول بيدينكوف عن منصة ملفي: "ستحدد هذه المنصات معالم كل شيء بدءًا بأتمتة مسارات رعاية المرضى ومرورًا بصحة السكان ووصولًا إلى الأهم من ذلك وهو الاستفادة من هذه البيانات في تطوير الأدوية."
إمكانات الهائلة التي تسمح بها البيانات الجينومية
ليست هذه مجرد أي بيانات فاليوم تُعد بيانات علم الوراثة والجينوم هي ما يحدد معالم أدوات الرعاية الصحية القائمة على البيانات. من الأمثلة الرئيسية على ذلك هي برنامج الجينوم الإماراتي الذي يُعدّ أكبر مشروع جينوم في العالم ويستخدم أحدث تقنيات تسلسل الحمض النووي والذكاء الاصطناعي لتوليد بيانات جينومية عالية الجودة وشاملة عن الإماراتيين.
جرى تضمين هذا الجينوم المرجعي في منصة ملفي لتبادل المعلومات الصحية وهو الآن يوفر المعلومات لعملية صنع القرار السريري بهدف تحسين النتائج الصحية على نطاق واسع وستكون هذه قفزة كبيرة نحو الطب الدقيق والرعاية الصحية الأكثر أمانًا الناتجة عن استمرار التقدم واكتساب العلماء فهمًا أكثر شمولًا للعوامل المؤثرة على صحة الإنسان ومرضه على المستوى الجيني.
يفهم الرئيس التنفيذي للعمليات في M42 أشيش كوشي هذا الأمر أكثر من أي شخص آخر حيث أطلقت شركته منتجًا تقنيًا متطورًا يتمثل في نموذج لغة كبير سريري سُمي Med42 وهو مفتوح الوصول ومدفوع بالذكاء الاصطناعي التوليدي ومدرب على بيانات من برنامج الجينوم الإماراتي.
يوضح قائلًا: "من الضروري بالنسبة لنا بصفتنا شركة تكنولوجيا صحية وجود مجموعات بيانات عالية الجودة للتوصل إلى آراء متعمّقة تدعم الطب الدقيق والمخصص حسب احتياجات الأشخاص والجينوم الخاص بكل فرد هو خط الأساس."
"يمنح [برنامج الجينوم الإماراتي] كل مواطن القدرة على تحليل تسلسل جيناته مما يعني أنه يمكننا فهم المخاطر الصحية لكل فرد بشكل أفضل وعند دخوله إلى المستشفى يمكن للأطباء وصف الأدوية حسب بياناتهم الجينومية باستخدام بوابة ملفي."
تحقيق الفائدة الكاملة لفوائد بياناتنا الصحية
على الرغم من التعاون الواعد على المستوى الوطني المتجسد في منصة ملفي وبرنامج الجينوم الإماراتي، لا يوجد ما يضاهيه على المستوى الدولي حيث تتسبب التحديات التنظيمية وكذلك البيروقراطية في القطاعين العام والخاص بإعاقة التقدم ولكن إذا أردنا التأثير على الصحة العالمية بصورة فعلية، فيتعين على البلدان والشركات في جميع أنحاء العالم أن تتحد معًا. يقول كوشي: "لا يمكن للعمل على مجموعات البيانات الوطنية أن يحل جميع مشاكلنا ولكن تخيل لو تمكنا من جعل البلدان تتبادل مجموعات البيانات بشكل آمن لحل مشاكل أكبر بكثير؟"
"كي تظهر الفائدة الحقيقية للذكاء الاصطناعي يجب أن تكون البيانات واسعة النطاق وعلينا أن نتعاون ليس فقط داخل أبو ظبي ولكن أيضًا بين مختلف الأقاليم."
يُعدّ الهدف من أسبوع أبو ظبي العالمي للرعاية الصحية هو تمكين هذا النوع من التعاون الدولي العابر للقطاعات وانضم هذا العام إلى AstraZeneca وM42 العشرات من قادة الرعاية الصحية الدوليين الآخرين في الحدث الافتتاحي، بما في ذلك ريموند فريير الثاني الرئيس العالمي للحلول الرقمية في Johnson & Johnson.
يقول فريير: "يُعدّ هذا المؤتمر تجربة فريدة للغاية حيث يشارك صناع السياسات ومقدمو الخدمات والصناعات الطبية تحت سقف واحد في إجراء هذه المحادثات وتعتبر التكنولوجيا والبيولوجيا جزأين مهمين من الصورة الكاملة ولكن الجزء الأكثر أهمية هو الناس." ولهذا السبب تُعتبر الاتصالات والشبكات مهمة للغاية.
اعلانتمكين المرضى من خلال الوصول العادل
ليس من الضروري أن يكون الطب الدقيق دائمًا جديدًا ومعقدًا حيث يُوضح الدكتور ستيفن غروبماير رئيس المعهد في كليفلاند كلينك أبو ظبي كيف تتكامل مرافقه الحديثة مع نموذج رعاية يتمحور حول المريض.
"بالإضافة إلى التكنولوجيا القادمة في المستقبل، نميل نحن [في كليفلاند كلينك] إلى التركيز على الأساسيات التي تشمل التمارين الرياضية وإدارة الوزن والتاريخ العائلي. إذا استطعنا إقناع الناس بالإقلاع عن التدخين وممارسة الرياضة ثلاث مرات في الأسبوع وضبط نظامهم الغذائي، فسنحقق الكثير من التقدم في الحد من مرض السكري والسمنة والكثير من الأمراض المرتبطة بتلك العادات.
تُساعد مشاركة البيانات المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي في دعم هذا النهج الأساسي مما يعيد السلطة إلى أيدي الفرد في حين تساعد الابتكارات الرقمية التي يمكن الوصول إليها على نطاق واسع مثل التتبع الصحي باستخدام بيانات المقاييس الحيوية ونتائج التشخيص "ضمن التطبيق" على إضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول إلى الرعاية الصحية.
كانت جميع الابتكارات في هذا المجال حاضرة في أبو ظبي خلال هذا الحدث، بما في ذلك GluCare مركز رعاية صحية لمرضى السكري يقدم مراقبة التمثيل الغذائي عن بعد، وDietID الأداة رقمية لتقييم النظام الغذائي. تهدف هذه التطبيقات الرقمية إلى تبسيط تجربة المريض مما يسمح بالتسجيل السهل والسريع في الاختبارات التشخيصية وبرامج الإدارة الصحية التي تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي القائمة على الأدلة لتقديم المشورة الصحية على نطاق واسع.
بالإضافة إلى تخفيف العبء على أنظمة الرعاية الصحية، تعمل هذه الأدوات الرقمية الدقيقة على تعزيز الوعي الصحي وتمكين السكان من تولي زمام أمور صحتهم بفضل تضمين العوامل الوراثية والمقاييس الحيوية لأسلوب الحياة في حياتهم اليومية.
مشاركة البيانات مقابل أمن البيانات
بالرغم من الإمكانية التي تتيحها البيانات من حيث تحسين صحة السكان وتسهيل البحث، لا يزال لدى العديد من الناس مخاوف بشأن تبادل البيانات الصحية على نطاق واسع بالأخص عندما يتعلق الأمر باستخدامها في أدوات الذكاء الاصطناعي.
بالرغم من الإمكانات الهائلة للرعاية الصحية الدقيقة، يبقى التعاون العابر للحدود والقطاعات أمرًا بالغ الأهمية لمواجهة التحديات التنظيمية وضمان أمن البيانات وإضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول إلى الرعاية الصحية.
يقول كوشي: "ليست هذه مجرد عقبة وإنما فرصة أيضًا حيث نحتاج إلى تحقيق العمل التعاوني بين جميع أصحاب المصلحة بما في ذلك الحكومات وصانعي السياسات بقصد فهم كيفية استخدام هذه البيانات بشكل صحيح دون الإضرار بالمرضى ومصالحهم."
مع التطورات الجديدة التي تدفع الرعاية الصحية العالمية إلى الأمام كل يوم يمكن لفعاليات مثل أسبوع أبو ظبي العالمي للرعاية الصحية أن تساعد في بناء الطريق نحو النجاح، وبعيدًا عن علم الوراثة والبيانات، عرض حدث هذا العام مجموعة واسعة من التقنيات والابتكارات الجديدة، كما عقد منتديات مع صناع السياسات وقادة الأعمال لدعم استراتيجية الرعاية الصحية المستقبلية ويطلق العنان بالكامل لإمكانات الرعاية الصحية الدقيقة في جميع أنحاء العالم.
