أشار تقرير "بيزنس إنسايدر" إلى أن غوغل تمتلك ميزة استراتيجية نادرة تتمثل في سلسلة تكنولوجية متكاملة، تمتد من رقاقات الذكاء الاصطناعي التي تطورها، إلى بنيتها السحابية، وصولاً إلى قاعدة مستخدمين ضخمة تُقدّر بمليارات عبر خدمات مثل محرك البحث وخرائط غوغل ويوتيوب.
كشفت وثائق داخلية وتحقيقات أجرتها صحيفة ("بيزنس إنسايدر" business insider ) أن شركة غوغل شنت عملية إعادة هيكلة داخلية جذرية وشاملة خلال الـ18 شهراً الماضية، استجابة للصدمة التي سببتها لها المنافسة المفاجئة من شركة "أوبن إيه آي" في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وفقاً للتقرير المفصل الذي نشرته "بيزنس إنسايدر"، فإن ظهور نموذج "ChatGPT" من شركة "OpenAI" في نوفمبر 2022 شكّل لحظة صدمة استراتيجية داخل غوغل.
وجاءت هذه الصدمة رغم إعلان الرئيس التنفيذي للشركة، سوندار بيتشاي، في عام 2016 أن غوغل تتجه نحو "عالم أولويته الذكاء الاصطناعي". وبينما كانت غوغل ترى نفسها الرائدة التاريخية في هذا المجال، وجدت نفسها فجأة في موقع المُطارَد، بعد أن حقق نموذج لغوي من شركة ناشئة صغيرة شهرة فورية واسعة النطاق.
دمج وحدات بحثية مستقلة وتوحيد الجهود
كشف التقرير أن غوغل قامت بدمج وحدتي "DeepMind" و"Brain" المستقلتين سابقاً في كيان واحد موحد في أبريل 2023. الوحدتان كانتا تعملان بشكل منفصل على تطوير نماذج لغوية كبيرة قبل ظهور "ChatGPT"، وجاء الدمج لتوحيد الجهود وتجنب التكرار في الأبحاث. وقد وثقت "بيزنس إنسايدر" أن هذا الدمج جاء بعد منافسة داخلية شديدة بين الوحدتين.
وأفادت الصحيفة، بناءً على مقابلات مع سبعة موظفين سابقين أن غوغل أوقفت العمل على مشروع روبوت المحادثة "Sparrow" الذي كان قيد التطوير في "DeepMind". تم تحويل جميع الموارد البشرية والتقنية نحو تطوير عائلة نماذج "Gemini" في إطار استراتيجية جديدة للتركيز. المشروع الملغي كان يهدف إلى تطوير روبوت محادثة بضوابط أمان أكثر تقدماً من ChatGPT.
فرق عمل خاصة لتسريع الدمج
وكشف التقرير عن تشكيل غوغل فرق عمل خاصة مكلفة بمهمة محددة هي حقن تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في منتجاتها الأساسية. شملت هذه المهمة منتجات "بحث غوغل" و "يوتيوب" و"أندرويد"، في عملية وصفتها المصادر بأنها الأكبر من نوعها في تاريخ الشركة. وقد عملت هذه الفرق بشكل متوازٍ على عدة منتجات في نفس الوقت.
ذكرت "بيزنس إنسايدر" أن غوغل ضاعفت من سرعة إطلاق التحديثات والنماذج التجريبية، حيث أطلقت ثلاث تكرارات رئيسية من روبوت المحادثة "Gemini" خلال اثني عشر شهراً فقط. يمثل هذا تحولاً واضحاً عن النهج الحذر الذي اتبعته سابقاً في اختبار المنتجات لفترات طويلة قبل إطلاقها.
وكشف التقرير عن إجراء غوغل تعديلات جذرية على هيكل القيادة في الأقسام التقنية، مع زيادة الصلاحيات للفرق العاملة على مشاريع الذكاء الاصطناعي. شمل ذلك تقليص الإجراءات البيروقراطية في عملية الموافقة على إطلاق المنتجات الجديدة من خمس مستويات إدارية إلى مستويين فقط.
إعادة توزيع الموارد بشكل استثنائي
وفقاً لـ"بيزنس إنسايدر"، حولت غوغل موارد مالية وبشرية ضخمة تصل إلى مليارات الدولارات من مشاريع أخرى نحو أقسام الذكاء الاصطناعي. جاء هذا في إطار خطة طارئة لتعزيز القدرة التنافسية في هذا القطاع الحيوي. وشملت عملية إعادة التوزيع نقل مئات المهندسين من مشاريع أخرى إلى فرق الذكاء الاصطناعي.
أفاد التقرير بأن غوغل فرضت نمط عمل جديد يعزز التعاون بين الأقسام التي كانت تعمل بمعزل عن بعضها. شمل ذلك إنشاء قنوات اتصال مباشرة بين فرق البحث والتطوير وفرق دمج التقنيات في المنتجات النهائية. كما تم إنشاء نظام تقييم جديد يقيس أداء المديرين بناءً على مستوى التعاون بين الأقسام.
التحدي الوجودي
نقلت الصحيفة أن غوغل تعيد الآن تصور البحث ليس كأداة للتنقّل بين الروابط، بل كمحادثة فورية تُجيب المستخدم دون الحاجة إلى النقر أو التمرير. لكن هذا التحوّل يطرح تساؤلات وجودية حول مستقبل الإنترنت، خاصةً مع تراجع حركة المرور إلى المواقع التي تُولّد المحتوى الذي يعتمد عليه الذكاء الاصطناعي نفسه.
وأشار تقرير "بيزنس إنسايدر" إلى أن محللين في "EMARKETER" - الشركة الشقيقة للصحيفة - يتوقعون أن تنخفض حصة غوغل من سوق إعلانات البحث لأقل من 50% لأول مرة في التاريخ في العام المقبل 2025، لتصل إلى 48.9% بحلول نهاية 2026. ورغم أن الأداء القوي الحالي لنشاط البحث يشير إلى أن مخاوف المعلنين من ميزات "AI Overviews" قد تكون مبالغاً فيها، فإن التهديد طويل الأمد لا يزال قائماً.
قلق متزايد في أوساط الناشرين ومخاوف وجودية
ونقلت الصحيفة عن دراسة حديثة لمعهد "Pew Research"، استندت إلى سجلات بحث 900 مستخدم، أن ظهور ملخصات الذكاء الاصطناعي يقلّل من احتمال النقر على روابط تقليدية من 15% إلى 8%.
ورغم أن غوغل وصفت الدراسة بأنها "معيبة وغير ممثلة"، فإن خبراء في تحسين محركات البحث عبّروا عن مخاوف وجودية. فبحسب ليلى راي، نائبة رئيس شركة الأبحاث "Amsive"، فإن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي قد يحرم المحتوين من مصادر الدخل، ما يهدد استمرارية إنتاج المحتوى الذي تبني عليه غوغل نماذجها.
البنية التحتية الكاملة: الورقة الرابحة لغوغل
وأشار تقرير "بيزنس إنسايدر" إلى أن لدى غوغل ميزة استراتيجية نادرة: سلسلة تكنولوجية متكاملة تمتد من رقائق الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، إلى بنيتها السحابية، وصولاً إلى قاعدة مستخدمين تُقدّر بمليارات عبر منتجات مثل البحث وخرائط غوغل ويوتيوب.
وقد سجّلت الشركة مؤخراً ربعاً ماليّاً تجاوزت إيراداته 100 مليار دولار لأول مرة في تاريخها، في مؤشر على قدرتها على التكيف مع التحوّلات الجذرية.
ونقلت الصحيفة عن غوغل تصريحاً قالت فيه: "لقد مررنا سابقاً بتحولات في المنصّات، وكان كل منها لحظة توسعية لغوغل ولخدمة البحث. نحن نتحرك بسرعة، ونُبدع، ونُنشئ فرصاً جديدة لمنتجاتنا وشركائنا ومستخدمينا - وهذا بالضبط ما نقوم به مع الذكاء الاصطناعي".
كما نقلت عن مسؤول سابق في الشركة قوله إن "غوغل ستفوز في كل السيناريوهات، طالما استمرت في تسريع إطلاق منتجاتها والاستفادة من انتشارها الهائل".
وسلّط تقرير "بيزنس إنسايدر" الضوء على تحذيرات من مراقبين مثل ماثيو برينس، الرئيس التنفيذي لشركة "Cloudflare"، الذي وصف روبوتات الإجابات الذكية بأنها "تهديد وجودي" للويب.
وقال برينس في مقابلة مع مجلس العلاقات الخارجية إن "غياب الحوافز الاقتصادية لمنتجي المحتوى سيؤدي إلى تراجع جودة الإنترنت وتنوّعه".