بين نيوزيلندا وسريلانكا.. شلالات دم وشيء من الأمل !
تفصل مياه المحيطات، لمسافة 10600 كيلومتر تقريبا، بين دولتي نيوزيلندا وسريلانكا. لكن كلا منهما شهدت في غضون ما يزيد قليلا على الشهر مذبحة احتلت عناوين الأخبار في أنحاء العالم.
ففي مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا، اقتحم رجل مسجدين خلال صلاة الجمعة يوم 15 مارس/آذار، وضغط بإصبعه زناد بندقية هجومية من طراز (ايه آر-15)، وكانت النتيجة مقتل 51 شخصا جاءوا للصلاة في اثنين من بيوت الله.
وفي كولومبو ومدن أخرى بسريلانكا، نفذت مجموعة من تسعة انتحاريين تفجيرات منسقة في 21 أبريل/نيسان. دلف بعض المفجرين بكل هدوء إلى كنيسة (سانت أنتوني) في العاصمة وكنيسة (سان سيباستيان) في نجومبو القريبة وكنيسة في شرق البلاد، بينما كان المصلون يجلسون على مقاعدهم في عيد القيامة.
ودخل آخرون مطاعم مزدحمة في فندق (شانجري لا) وفنادق أخرى، بينما كانت أسر تتناول الفطور. وأسفرت التفجيرات التي أعقبت دخولهم عن مقتل 253 شخصا على الأقل.
توجهت إلى كل من المدينتين عقب المذبحة. تجسد أمامي الإغراء واضحا أن أركز على أوجه التشابه بين المأساتين.
كان المسلح في كرايستشيرش قد كتب على جانبي البندقية أسماء مستوحاة من حملات صليبية سابقة شنها مسيحيون على المسلمين. وظهرت مقاطع فيديو لواعظ إسلامي متطرف يقال إنه قائد المجموعة التي نفذت تفجيرات سريلانكا يدعو فيها لقتل الملحدين.
لكني رحت أسأل نفسي وأنا أقطع سريلانكا جيئة وذهابا، في المقعد الخلفي من سيارة دفع رباعي رياضية الأسبوع الماضي، عن الإفراط في التركيز على أوجه التشابه وعن اعتبارهما جزءا من سلسلة محتومة من الإرهاب الحديث.
وبدلا من ذلك، رحت أفكر في المسارين المختلفين اللذين سار فيهما رجلان مسلمان نشرنا تقارير عنهما.. الأول ضحية والثاني تشير الشبهات إلى أنه قاتل.
ففي كرايستشيرش كتبت عن إبراهيم عبد الحليم الذي انتقل إلى نيوزلندا في 1995، بعد أن كان يعيش حياة مريحة نسبيا في القاهرة، لكنه كان يريد مستقبلا أفضل لأولاده.
وعندما وصل إلى هناك، كانت الوظيفة الوحيدة التي وجدها أن يعمل موظفا بإلإدارة الحكومية المسؤولة عن خدمات التوظيف والمساعدات المالية. كما عمل إماما لمسجد في كرايستشيرش.
وعندما بدأ المسلح يطلق رصاصه في المسجد الذي كان عبد الحليم، الجد البالغ من العمر 67 عاما، يؤم فيه الصلاة، وقف يشاهد بلا حول ابنه راقدا على الأرض والرصاص يتطاير من حوله.
وأصيبت زوجة عبد الحليم برصاصة في ذراعها، وبدا له أن من الممكن أن يشهد بنفسه مقتل أحبائه.
إلا أنه بعد الحادث الذي نجت منه أسرته، ركز عبد الحليم على مواساة أقارب الموتى. كان قلبه منفطرا، لكنه قرر أن يخدم الآخرين وأن يشارك في إعادة البناء.
بعد شهر تقريبا، سافرت مع زميلي شري نافاراتنام من مكتب سنغافورة إلى مدينة كاتانكودي السريلانكية، وهناك رحنا نتحرى المعلومات عن محمد هاشم محمد زهران الذي قيل إنه قائد عملية تفجيرات أحد القيامة.
فقد طُرد من مدرسته الإسلامية بسبب تطرف أفكاره، وخلال حياته كان كثيرون من المسلمين المحيطين به يتجنبونه.
اختفى زهران في 2017 بعد اشتباك تصدى فيه رجاله لمجموعة من المتصوفة بالسيوف، واختفى مرة أخرى في العام التالي بعد أن ظهر في مدينة أخرى تعرضت فيها تماثيل بوذا للتخريب.
للمزيد على يورونيوز:
- ارتفاع حصيلة اعتداء كرايستشيرش بعد تأكيد وفاة أحد المصابين
- من هي العائلة الإنتحارية التي نفذت هجمات عيد الفصح في سريلانكا؟
والتباين بين هاتين القصتين في رأيي جدير بأن يظل ماثلا في الذاكرة. وخلال السنوات التي قمت فيها بتغطية الحرب وعواقبها في العراق وفي أفغانستان، شاهدت مجتمعات شوهتها صدمة العنف المتكرر ومزيج من قوى الهوية والنفوذ القائم على الوشائج العشائرية، يصل في بعض الأحيان إلى حد القسوة الوحشية.
لكن حتى في أحلك أيام شلالات الدم كانت هناك ومضات من السلوى وشيء من الأمل.
فبعد نشر تقريرنا عن زهران حدث تطور آخر. سقط والده وشقيقاه قتلى في معركة بالرصاص عندما اقتحمت قوات الأمن بيتهم. كان الثلاثة قد سجلوا مقطع فيديو يدعون فيه للجهاد.
وافترض أنك قد تمعن التفكير في حقيقة أن آخرين من أقارب زهران سلكوا نفس مسلكه.
لكن ما لفت نظري أن رجال الشرطة داهموا البيت بناء على معلومة تقول إن مسلحين أغرابا انتقلوا إلى المنطقة. كان من الممكن أن يعرض نقل هذه المعلومة أصحابها للخطر. فمن الذي نطق بها؟ كانوا مسلمين في مسجد بالمنطقة.