شيّع أهالي إدلب، اليوم، عددًا من عناصر قوات الأمن الذين قُتلوا خلال اشتباكات عنيفة شهدتها المحافظة في الأيام الأخيرة، وسط تصاعد غير مسبوق للصراع. واحتشد العشرات في بلدة الجنودية، حيث حمل المشيعون الجثامين وساروا عبر الشوارع، مرددين هتافات غاضبة تطالب بالانتقام.
وتعالت الأصوات خلال الجنازة، فيما قال مصطفى الشغري، شقيق أحد القتلى إنه: "لولا دماء هؤلاء القتلى، لما وصلنا إلى هذه المرحلة. لقد كان الموالون للأسد سيرتكبون أفظع الجرائم، ولكننا نقسم بالله أننا سنجعلهم يتذوقون ما عانيناه أضعافًا مضاعفة"، وفق تعبيره.
إدلب: اشتباكات عنيفة وحصار خانق
شهدت إدلب خلال الأيام الماضية واحدة من أعنف موجات القتال منذ اندلاع الحرب السورية قبل 14 عامًا، حيث قُتل أكثر من 1000 شخص، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وذكر المرصد أن بين القتلى 745 مدنيًا، سقط معظمهم برصاص مباشر، إضافة إلى 125 عنصرًا من قوات الأمن الحكومية و148 مقاتلًا مواليًا للحكومة.
وفي جبلة، تعرضت قوات الأمن لهجوم منسق، حيث أكد محمد خطاب، أحد المسؤولين الأمنيين، أن الاشتباكات كانت "مدروسة ومنظمة بطريقة غير مسبوقة."
وأضاف: "تم إغلاق الطرق والجسور، وقطعت الإمدادات بالكامل. تعرضت التعزيزات القادمة لنيران كثيفة، ما جعل المواجهة تتحول إلى حرب شوارع حقيقية قبل أن نتمكن من استعادة السيطرة."
بانياس: جثث في الشوارع وفحص للبطاقات الشخصية
تعد بانياس واحدة من أكثر البلدات تضررًا من أعمال العنف الأخيرة في سوريا، حيث يشير السكان إلى أن الجثث كانت متناثرة في الشوارع أو تُركت دون دفن داخل المنازل وعلى أسطح المباني، مما جعل من المستحيل جمعها.
وقال أحد السكان لوكالة "أسوشيتد برس" إن المسلحين منعوا السكان من انتشال جثث خمسة من جيرانهم الذين قتلوا يوم الجمعة لساعات طويلة.
وفي هذا السياق، وصف علي شيحة، وهو من سكان بانياس البالغ من العمر 57 عامًا، الوضع أثناء فراره قائلاً: "كان الأمر سيئًا للغاية،كما أن المسلحين كانوا يتمركزون على بعد أقل من 100 متر من المبنى الذي أعيش فيه، ويطلقون النار عشوائيًا على المنازل والسكان".
كما أضاف شيحة أنه في إحدى الحوادث، طلب المسلحون من السكان إظهار بطاقاتهم الشخصية للتحقق من ديانتهم والتأكد من طائفتهم العلوية قبل قتلهم.
هل هناك مخاوف من نزاع طائفي؟
في تصعيد جديد، أفادت تقارير محلية بتنفيذ عمليات انتقامية استهدفت أفرادًا من الطائفة العلوية في إحدى المناطق. وقد تم توثيق الحادث عبر مقاطع فيديو نشرها نشطاء على منصة "إكس"، والتي أظهرت العشرات من القتلى في الشوارع. وأكد مواطنون علويون أن الحملة أسفرت عن مقتل أكثر من عشرين شخصًا في البلدة المستهدفة.
من جهتها، قالت الحكومة الانتقالية في دمشق إن هذه الحوادث "تصرفات فردية"، إلا أن مراقبين يرون أن البلاد تتجه نحو مرحلة أكثر تعقيدًا من الصراع.
استنكار دولي واسع
من جابنه، نشر شتيفان شنيك، المبعوث الألماني الخاص لسوريا، عبر منصة "إكس" مستنكرًا أعمال العنف.
وأشار شنيك إلى أنه: "أشعر بصدمة عميقة إزاء سقوط العديد من الضحايا في غرب سوريا وأدعو الجميع إلى البحث عن حلول سلمية ووحدة وطنية وحوار سياسي شامل وعدالة انتقالية. يجب أن نخرج من دائرة العنف والكراهية. وألمانيا مستعدة للمساعدة حيثما استطعنا".
أما مايكل أونماخت، القائم بأعمال الاتحاد الأوروبي لدى سوريا، استنكر الحادث، داعيًا إلى ضرورة وضع حد للعنف وضبط النفس واحترام حق جميع مكونات الشعب السوري في العيش بأمان وسلام.
كما عبرت وزارة الخارجية الفرنسية عن "قلقها العميق" تجاه أعمال العنف، مؤكدة إدانتها للفظائع المرتكبة ضد المدنيين على أساس ديني وضد السجناء، وطالبت السلطات السورية المؤقتة بضمان إجراء تحقيقات مستقلة تكشف عن تفاصيل هذه الجرائم.