مثلت الاشتباكات التي اندلعت يوم الخميس تصعيدا كبيرا في التحدي الذي تواجهه الحكومة الجديدة في دمشق بعد ثلاثة أشهر من استيلاء المجموعات المسلحة بقيادة أحمد الشرع على السلطة في سوريا بعد الإطاحة بالنظام السابق.
أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان السبت، أن الاشتباكات التي استمرت يومين بين قوات الأمن والموالين للرئيس المخلوع بشار الأسد وما أعقبها من عمليات قتل انتقامية قد أسفرت عن مقتل أكثر من 1300 شخص.
ولفت المرصد إلى أن 830 مدنيا قتلوا نتيجة عمليات التصفية منذ اندلاع الهجمات ضد القوى الأمنية والعسكرية يوم الخميس 6 آذار، مشيرًا إلى أن الحصيلة تشمل 519 قتيلاً في اللاذقية، 220 في طرطوس، 85 في حماة، و6 في حمص.
وتعتبر هذه الحصيلة من أكثر أعمال العنف دموية منذ بدء الصراع في سوريا قبل 14 عاماً.
ومثلت الاشتباكات التي اندلعت يوم الخميس تصعيدا كبيرا في التحدي الذي تواجهه الحكومة الجديدة في دمشق بعد ثلاثة أشهر من استيلاء المجموعات المسلحة في سوريا بعد الإطاحة بالنظام السابق.
وتأتي هذه العمليات في وقت حساس حيث تسعى حكام دمشق الجدد لتحقيق الاستقرار في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام السابق.
وقالت الحكومة إنها كانت ترد على هجمات فلول قوات الأسد وألقت باللوم على ”تصرفات فردية“ في أعمال العنف المتفشية.
وتُعدّ عمليات القتل الانتقامية التي اندلعت الجمعة من قبل مسلحين سنّة موالين للحكومة ضد أفراد من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد ضربة كبيرة لهيئة تحرير الشام، الفصيل الذي أطاح بالحكومة السابقة تحت لواء أبو محمد الجولاني الذي أصبح اسمه أحمد الشرع.
وتم توثيق الهجمات من خلال مقاطع فيديو نشرها نُشطاء عبر منصة "إكس" وقد أظهرت العشرات من القتلى في الشوارع، بينما أكد مواطنون علويون أن الحملة أسفرت عن مقتل أكثر من عشرين شخصًا في هذه البلدة.
وفي هذا السياق، اتهمت مجموعة من رجال الدين في الطائفة العلوية، الإدارة السورية الجديدة بالوقوف وراء أعمال العنف، مشيرين إلى أن الحكومة أرسلت قوات عسكرية إلى المنطقة بحجة "مكافحة فلول النظام"، ولكن الهدف كان "ترويع وقتل السوريين".
وطالب رجال الدين هؤلاء بوضع المنطقة تحت حماية الأمم المتحدة.
الشرع: لن نسمح ببقاء السلاح خارج نطاق الدولة
وفي أول تعليق له على أعمال العنف، قال الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إن الحكومة ستواصل مطاردة ما وصفهم بـ"بقايا النظام الساقط" وتقديمهم للعدالة، مؤكدًا أن من يهاجم المدنيين ستتم محاكمتهم.
وأضاف الشرع في خطاب مسجل: "لن نسمح ببقاء السلاح خارج نطاق الدولة، ولا سلاح غير قانوني في سوريا"، مشيرًا إلى أن الحكومة تسعى للحد من هذه الانتهاكات.
وفقًا للسلطات السورية، بدأ العنف يوم الخميس بعد أن شنّ موالون للنظام السابق هجومًا مباغتا ومنظمًا على قوات الأمن.
وأعلنت الحكومة أن ما جرى يأتي في إطار محاولة لتنظيم مواجهة ضد الحكومة الحالية، وأكدت أن ما تقوم به هو دفاع عن النفس ضد هجمات المسلحين.
وسط هذه التوترات، فرضت الحكومة حظر التجوال يوم الجمعة في مدينتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، مع نشر القوات الأمنية في المناطق المحيطة.
كما أعلنت السلطات أنها ستواصل عمليات التفتيش والبحث في الجبال والمناطق الريفية المجاورة.
وتهدد تلك الهجمات جهود الحكومة السورية لتوطيد سلطتها وإعادة بناء الدولة بعد سنوات من الحرب الأهلية.
في حين تواجه السلطات تحديات أمنية كبيرة في الجنوب والجنوب الغربي، حيث أعلنت إسرائيل أنها ستمنع القوات السورية من التوسع في تلك المناطق، بينما تواصل القوات الأمريكية دعم الفصائل الكردية شمال شرق البلاد.
مظاهرات لدعم الحكومة وأصداء دولية
في وقت لاحق، خرجت مظاهرات حاشدة في عدة مدن سورية، بما في ذلك العاصمة دمشق، دعمًا للحكومة وللرئيس الانتقالي، حيث رفع المتظاهرون شعارات تأييد للسلطة وتنديد بالعنف.
على الصعيد الدولي، عبرت كل من السعودية وتركيا عن دعمهما لحكومة الشرع، بينما أعربت الأمم المتحدة عن قلقها البالغ من التصعيد والعنف الذي يشمل المدنيين.
كما دعت روسيا إلى وقف فوري لإراقة الدماء، وحثت جميع الأطراف على البحث عن حلول سلمية لتجنب المزيد من القتل.
من جهته، شدد وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو على ضرورة حماية المدنيين في سوريا، معتبراً أن الانتهاكات التي يتعرضون لها غير مبررة ولا يمكن التغاضي عنها.
ويرى الكثير من المحللين أن استمرار هذا العنف قد يقوض ثقة السوريين والمجتمع الدولي في قدرة الإدارة الجديدة على السيطرة على البلاد، مما يجعل مستقبل استقرارها موضع شك.