على وقع الاشتباكات الدامية الأخيرة بين مسلحين دروز وقوات الأمن العام التابعة للإدارة السورية في أشرفية صحنايا والسويداء، أغلق أشخاص ينتمون لهذه الطائفة في إسرائيل طرقات الجليل، وطالب زعيمهم الروحي الشيخ موفق طريف الدولة العبرية بالتدخل الفوري.
وقال طريف: "أناشد إسرائيل، واليهود حول العالم، والمجتمع الدولي بالتحرك الآن، لمنع وقوع مجزرة. يجب ألا تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي أمام الأحداث التي تتكشف أمامنا الآن".
ورأى رجل الدين البالغ من العمر 62 عامًا أنه على القادة الإسرائيليين أن يكونوا في مستوى ما أطلقوه من تصريحات وأن يتحركوا على هذا الأساس.
وتطرح تصريحات طريف، وتعهدات تل أبيب بحماية دروز سوريا، تساؤلات عديدة بشأن حيال العلاقة بين الدولة العبرية وبين أبناء هذه الطائفة التي تكاد تكون الوحيدة التي يخدم أتباعها في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1956 إذا استثنينا البدو. فماذا نعرف عن دروز إسرائيل؟
الانتماء لإسرائيل
كشف استطلاع حديث لمعهد الديمقراطية الإسرائيلي أن أبناء الطائفة الدرزية التي تشكل نحو 2% من النسيج الاجتماعي في إسرائيل هم أكثر من يشعرون بالانتماء للدولة العبرية مقارنة بباقي السكان العرب، حيث أكد هذه الفكرة 80% من الدروز المشاركين في الاستبيان.
وربط القائمون على الاستطلاع الإجابات بالعوامل التي شكلت صورة إسرائيل في وعيهم، كأعمارهم، ومستوى تعليمهم، ومحيطهم الاجتماعي.
من هم الدروز؟
يعتبر الموحدون الدروز أقلية دينية، تتحدث اللغة العربية، وينحدر أصلها من الإسلام الشيعي الإسماعيلي لكنها تطورت لاحقًا، لتشمل معتقدات من ديانات أخرى، منها اليهودية والمسيحية والهندوسية وفلسفات قديمة.
يقدر عدد الدروز بمليون شخص، ويسكنون في كل من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، ولهم حيثية اجتماعية وسياسية.
وتعتقد عدة مصادر عربية أن الدولة العبرية استطاعت بعد النكبة الفلسطينية عام 1948، أن تبني علاقة خاصة مع أبناء هذه الطائفة الذين كان عددهم وقتها لا يتجاوز 13,500 شخص في فلسطين، فأعطتهم الجنسية الإسرائيلية في نفس عام قيام الدولة، وقامت بتجنيدهم عام 1956.
ومنذ ذلك الحين، حصل أكثر من 150,000 درزي على الجنسية الإسرائيلية.
توزع الدروز داخل إسرائيل
في إسرائيل، يتوزع الدروز على 18 قرية معظمها في الشمال، منها ما هو "درزي خالص" ومنها ما هو مختلط، وتشمل تلك القرى دالية الكرمل شرق حيفا، عسفيا الواقعة على جبل الكرمل، شفاعمرو شمال شرق حيفا، قرية المغار المطلة على بحرية طبريا، قرية الرامة، أبو سنان، عين الأسد، بيت جن وغيرها.
وبالرغم من محاولة عدة فصائل شعبية مسلحة، ووجهاء من الطائفة كالشيخ فرهود قاسم فرهود السيطرة على "الانجذاب الإسرائيلي- الدرزي" إلا أن الأمر باء بالفشل.
الدروز في الجيش الإسرائيلي
وقد قاتل الدروز، إلى جانب إسرائيل في كثير من معاركها، فأصبحوا المجموعة العربية الوحيدة المجندة في جيش الدولة العبرية.
وفي ثمانينات القرن الماضي، تعزز وجود أبناء الطائفة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ومنها ألوية النخب، مثل لواء غولاني، حيث قد حصل العديد منهم على تكريمات ورتب عالية.
عام 2009، بلغت نسبة الرجال الدروز الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي 83%. وبحسب الإحصاءات، قتل 369 جنديًا درزيًا في الحروب الإسرائيلية منذ عام 1948.
الهوة بين الدروز وباقي السكان العرب
بحلول عام 2000، بدت الفجوة بين الدروز وباقي السكان العرب تجاه إسرائيل أكثر اتساعا، وتحديدًا في أواخر أيلول في ما يُعرف بـ"هبّة الأقصى" والانتفاضة الثانية التي تلتها، حين خرجت مظاهرات في بلدات عربية داخل الخط الأخضر والقدس والضفة الغربية وقطاع غزة احتجاجًا على زيارة زعيم الليكود أرييل شارون لباحة المسجد الأقصى في 28 أيلول/سبتمبر 2000، والتي اعتُبرت استفزازًا لمشاعر المسلمين. وقد أسفرت تلك الاحتجاجات عن سقوط عشرات القتلى في اشتباكات مع قوات الأمن الإسرائيلية.
حينها، تصدى الدروز المنخرطون في الجيش الإسرائيلي للاحتجاجات العربية، وحملوا السلاح في وجه المتظاهرين، منهم من ذاع صيتهم مثل الضابط الدرزي مدحت يوسف، الذي قتل في الأسبوع الأول من الأحداث، وترك دون تلقي العلاج من الجيش الإسرائيلي، فنزف حتى الموت، وهي حادثة أثارت جدلًا وانتقادات ضد بيني غانتس، الذي كان قائدًا للضفة الغربية آنذاك.
الدروز في المؤسسات العامة
في عام 1961 سمحت تل أبيب بإنشاء محاكم دينية درزية خاصة، كما أنشأت دوائر حكومية لهم عام 1970، ما ساعدهم على الانخراط، ولربما الذوبان داخل المجتمع الإسرائيلي.
وقد شغل الدروز مقاعد في الكنيست وقد وصل بعضهم إلى مناصب قيادية. ففي عام 2007 تولى نائب رئيس الكنيست الدرزي مجلي وهبي منصب رئيس البلاد لأسبوع واحد عندما قامت رئيسة إسرائيل بالنيابة داليا إيتسيك بزيارة إلى الولايات المتحدة، فأصبح وهبة تلقائيا رئيسًا بالوكالة حتى عودة السيدة إيتسيك التي كانت تقوم وقتها بأعمال الرئيس موشي كاتساف الذي حصل على إجازة قسرية على خلفية اتهامه بالاغتصاب.
وعلى الرغم من الخدمة العسكرية، والاعتزاز بالهوية الإسرائيلية، فقد كانت هذه الطائفة من أشد المنتقدين لقانون الدولة القومية لعام 2018، الذي يُعرف إسرائيل كدولة يهودية، وبالتالي يجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، ويشكل "خيانة لتفانيهم وخدمتهم للدولة" وفق رأيهم.
سوريا و"الاختبار الأكبر"
بعد تسلم الإسلاميين الحكم في سوريا، برزت طائفة الموحدين الدروز كعنصر أساسي في المشهد السوري المعقد، خاصة في ظل التجاذبات بين الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وإسرائيل، التي يعتقد بعض المراقبين أنها قد تستغل الفوضى في البلاد، وتضع "الرغبة في حماية هذه الفئة" كذريعة للتوسع وتقسيم سوريا، مما يجعل أبناء الطائفة، والمنطقة أمام "اختبار حاسم"، كما وصفته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية.
فـ"النجاح" الذي حققته إسرائيل في احتضانها للطائفة الدرزية، قد يغري دروز سوريا بالانضمام إليها، خاصة في ظل التوترات الأخيرة في المنطقة.
وقد كثرت الإشارات التي تدل على أن هذه الفكرة باتت تكتسب زخمًا إضافيًا في ظل توافد الدروز السوريين إلى إسرائيل، وعناية تل أبيب البالغة بهم.
لكن يبدو أن حماسة هذه المساعي قد أطفأها الموقف الأخير الصادر عن وجهاء السويداء الذين أكدوا تمسكهم بالهوية السورية وبوحدة البلاد في وجه محاولات الاستقطاب والتقسيم كما أنهم سمحوا بدخول عناصر الأمن العام إلى المدينة إضاف إلى جرمانا وأشرفية صحنايا في ريف العاصمة السورية دمشق في خطوة تعكس تراجعا لحالة التوتر الأمني السائد منذ فترة.