كشف تقرير لوكالة "رويترز" أن العرض العسكري في بكين بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية حمل رسائل سياسية تتجاوز الطابع الاحتفالي، إذ استخدمه الرئيس الصيني شي جين بينغ لترسيخ نفوذه داخليا وخارجيا.
سلط تقرير لوكالة "رويترز" الضوء على الطريقة التي استثمر بها الرئيس الصيني شي جينبينغ العرض العسكري في بكين، بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، لتأكيد نفوذه الداخلي والخارجي.
وأشار التقرير إلى أن أهمية المناسبة لم تكن فقط في مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بل في الرسائل السياسية التي أراد شي إرسالها حول استمرارية قيادته، خصوصا بعد عقد على العرض الأول الذي ظهر فيه إلى جانب سلفيه.
من عرض 2015 إلى عرض 2025
بحسب التقرير، كان عرض عام 2015 مناسبة أظهر فيها شي الاحترام لسلفيه من خلال وقوفهما بجانبه، في إشارة إلى استمرارية القيادة. أما اليوم، وبعد أن ضمن ولاية ثالثة غير مسبوقة وأقصى أي معارضة داخلية، فقد اصطف شي إلى جانب بوتين وكيم، في مشهد عكس حجم التغير في موقعه ونفوذه السياسي.
نشاط دبلوماسي لافت
أوضح التقرير أن العرض العسكري جاء تتويجا لأسبوع حافل بالنشاط الدبلوماسي. فقد عقد شي قمة مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على هامش اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون في مدينة تيانجين، وقام بزيارة نادرة إلى التبت الشهر الماضي.
ويرى محللون أن هذه التحركات ساعدت في تهدئة الشكوك بشأن وضعه الصحي، خصوصا مع بلوغه الثانية والسبعين، كما سمحت له بصرف الأنظار داخليا عن التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد.
القومية لتعويض تباطؤ الاقتصاد
نقل التقرير عن نيل توماس من "جمعية آسيا" في نيويورك قوله إن "أسبوع الدبلوماسية هذا يظهر أن شي ما زال يمسك تماما بخيوط السياسة العليا في الحزب الشيوعي". وأضاف أن الرئيس الصيني لم يعد قادرا على استمداد شرعيته من النمو الاقتصادي كما فعل أسلافه، فاختار الاعتماد على النزعة القومية لتعويض ذلك.
وبحسب توماس، فإن الهدف من هذه الاستراتيجية هو صرف الانتباه عن معاناة المواطنين من البطالة وتراجع أسعار المساكن وجمود الأجور، مقابل تعزيز الشعور بالفخر الوطني.
لقطات لافتة في بكين
أبرز تقرير "رويترز" عددا من اللحظات الرمزية خلال الاحتفالات، بينها حديث جانبي التقطته الميكروفونات بين شي وبوتين عن زراعة الأعضاء وإمكانية أن يعيش الإنسان 150 عاما. كما ظهر شي في مشهد جمعه بمودي وبوتين، في دلالة على تقاربهم، في وقت لم تنجح فيه واشنطن باستمالة الهند إلى جانبها في مواجهة روسيا والصين.
ولفت التقرير أيضا إلى أن شي اختار ارتداء بدلة رمادية على غرار زي ماو تسي تونغ، انسجمت مع شعره الرمادي، في تباين مع ملابسه السوداء قبل عقد، ما عزز صورته كـ"زعيم مسن" يواصل الإمساك بالسلطة.
انتقادات من ترامب ورد من الكرملين
أشار التقرير إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصف العرض بأنه "جميل" و"مثير للإعجاب"، لكنه اتهم الصين في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي بالتعاون مع بوتين وكيم "للتآمر ضد الولايات المتحدة".
الكرملين نفى هذا الاتهام، واعتبر أن تصريحات ترامب اتسمت بطابع ساخر أكثر من كونها جدية.
الصين كشريك بديل للدول النامية
بحسب رويترز، سعى شي إلى استغلال هذه اللقاءات لتأكيد دور الصين كشريك موثوق للدول النامية، مقدما مبادرات استثمارية ومشروعا لبنك تنمية جديد ضمن منظمة شنغهاي للتعاون، التي توسعت لتضم الهند وباكستان وإيران.
ونقل التقرير عن إريك أولاندر، رئيس تحرير مشروع "الصين والعالم الجنوبي"، أن "رسالة الصين كبديل أكثر استقرارا من الولايات المتحدة تلقى صدى واسعا في آسيا وأجزاء أخرى من العالم النامي"، رغم تردد بعض الدول إزاء مبادرات بكين الجديدة.
تحديات أمام الطموحات الصينية
وفي ختام التقرير، أشارت رويترز إلى أن شي، الذي قد يسعى لولاية رابعة في 2027، يواجه تحديات كبرى أبرزها النزاعات الحدودية، والسياسات الصناعية المثيرة للجدل، فضلا عن انعدام الثقة العميق مع الهند.
ورغم الزخم الدبلوماسي، يرى محللون أن ما يحدث لا يعني تحولا جذريا نحو نظام دولي تقوده الصين، لكنه يعكس رغبة شي في تكريس صورته كأقوى زعيم صيني منذ ماو تسي تونغ.