تطلبت رحلة الخروج تبرعاً بقيمة 10 آلاف دولار لتغطية تكاليف النقل، واستخدام برمجيات مراقبة متقدمة لمتابعة تحركاتها وسط القصف المستمر، وفق التقرير.
قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدخلت بالتعاون مع كلٍّ من الحكومتين الإسرائيلية والأردنية لإجلاء امرأة فلسطينية من قطاع غزة، في عملية سرية وغير مسبوقة شاركت فيها جهات أمنية ودبلوماسية من الدول الثلاث.
وأوضحت الصحيفة، نقلاً عن مصادر مطلعة ومراسلات اطلعت عليها، أن المرأة هي أحلام فروانة (59 عاماً)، والدة أحد أفراد البحرية الأميركية، وأن العملية شملت تنسيقاً لوقف القصف الإسرائيلي مؤقتاً لتأمين تحركاتها داخل القطاع، في ما اعتُبر دليلاً على صعوبة تنظيم خروج قانوني من غزة دون دعم أو نفوذ.
تأتي هذه العملية في وقت تواجه فيه إدارة ترامب اتهامات بتجاهل معاناة الفلسطينيين في غزة، بمن فيهم حاملو الجنسية الأميركية.
عملية استثنائية بتنسيق ثلاثي
بحسب التقرير، تطلبت رحلة خروج فروانة تبرعاً بقيمة 10 آلاف دولار لتغطية تكاليف النقل، واستخدام برمجيات مراقبة متقدمة لمتابعة تحركاتها وسط القصف المستمر، إضافة إلى تدخل مباشر من مسؤولين أميركيين كبار نسّقوا مع الأردن وإسرائيل لتسهيل مغادرتها.
انضم ابنها يونس فروانة (32 عاماً) إلى البحرية الأميركية عام 2023 بحثاً عن مسار نحو الجنسية الأميركية. وبعد اندلاع الحرب في أكتوبر من العام نفسه، واجهت والدته وإخوته الستة أوضاعاً متدهورة، إذ دُمّر منزل العائلة المكوّن من سبعة طوابق عام 2024، وندر الطعام والدواء. وقال يونس في حديث للصحيفة: "وصلوا إلى مرحلة كانوا يأكلون فيها بذور الطيور".
انتقادات لسياسة الإجلاء الأميركية
أشارت "واشنطن بوست" إلى أن قضية إجلاء الأميركيين من غزة شكّلت موضوعاً خلافياً منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023. واشتكت عائلات فلسطينية-أميركية من قصور الجهود الأميركية في تأمين خروج المواطنين الأميركيين من القطاع، وقد رفعت بعض تلك العائلات دعاوى ضد إدارة الرئيس السابق جو بايدن في ديسمبر الماضي.
وقالت المحامية ماريا كاري، التي تمثل بعض العائلات (لكنها لم تشارك في عملية فروانة)، إن الوضع ازداد سوءاً في عهد ترامب، مشيرة إلى أن وزارة الخارجية أوقفت منح تأشيرات الزيارة لسكان غزة في أغسطس الماضي، بعد أن وصفت ناشطة يمينية متشددة تدعى لورا لومر استقبال أطفال فلسطينيين في سان فرانسيسكو بأنه "تهديد للأمن القومي". وأضافت كاري أن طلبات الإجلاء المقدمة من أزواج وأبناء المواطنين الأميركيين جرى رفضها أيضاً "لأسباب تتعلق بالأمن القومي".
من البحرية الأميركية إلى معركة إنقاذ أسرية
حصل يونس فروانة على الجنسية الأميركية في فبراير 2024 يوم تخرّجه من التدريب البحري، حيث أُبلغ بأنه يجب أن يقف تحت العلم الأردني أثناء مراسم التجنيد لأن الولايات المتحدة لا تعترف بعلم فلسطين.
ومن مكان خدمته في كاليفورنيا، بدأ منذ مطلع عام 2024 العمل على تنسيق خروج والدته عبر الأردن، وتقدّم بطلبات مماثلة لإخوته لكنها قوبلت جميعها بالرفض.
وبعد حصوله على موافقة دخول والدته إلى الولايات المتحدة، واجه عقبات في إيجاد جهة تساعدها على تجديد جوازها المنتهي أو مرافقتها خارج غزة. وقال يونس إن المسؤولين الأميركيين أبلغوه بأنهم "مقيَّدو الأيدي".
شبكة من المحاربين القدامى
في سبتمبر، تواصل يونس مع جمعية المحاربين القدامى "Special Operations Association of America"، التي ساعدت في إجلاء أكثر من 1100 شخص من غزة منذ بدء الحرب، بينهم والدة جندي أميركي آخر.
تولى أليكس بليتساس، عضو الجمعية وزميل أول في المجلس الأطلسي، قيادة فريق لمساعدة عائلة فروانة، بمشاركة العقيد المتقاعد ستيف غابافيتش، الذي خدم سابقاً في القدس رئيساً لأركان منسق الأمن الأميركي لإسرائيل والسلطة الفلسطينية.
كما استعان الفريق بـمورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط واحتياطية في البحرية الأميركية، التي تواصلت مع كبار المسؤولين في السفارة الأميركية بعمان.
وتم إخطار مجلس الأمن القومي الأميركي بتفاصيل التخطيط، وفق مراسلات اطلعت عليها الصحيفة. ولم يردّ المتحدثون باسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية على طلبات التعليق.
الدور الإسرائيلي والأردني
قال مسؤول أميركي إن الفضل في نجاح العملية يعود إلى الدبلوماسيين الأميركيين في عمّان، مضيفاً أن "الفريق في السفارة تجاوز التوقعات لمساعدة والدة أحد أفراد القوات الأميركية".
أما العقيد غابافيتش فقال إنه استخدم اتصالاته القديمة داخل الجيش الإسرائيلي وجهازي الشاباك والموساد لتأمين موافقة على خروج فروانة من غزة.
ولم يرد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على طلب الصحيفة للتعليق.
وأوضح غابافيتش أن النقاشات مع الجانب الإسرائيلي ركّزت على ضمان عدم استهداف موقعها وتأمين "منطقة حماية حولها" كي لا تتعرض فرق الإجلاء لأي خطر عرضي.
وفي واشنطن، أكدت السفيرة الأردنية دينا قعوار أن عمان "سعيدة بتسهيل خروج فروانة من غزة"، معتبرة أن الخطوة تأتي ضمن "الجهود الإنسانية المستمرة للأردن، وليست استثناءً"، مضيفة: "يعمل الأردن بصمت ودون توقف كل يوم لدعم المحتاجين".
رحلة محفوفة بالمخاطر
قاد العملية الميدانية بن كلاي، أحد قدامى قوات العمليات الخاصة في الجيش الأميركي، الذي استخدم تطبيقاً خاصاً لتحديد المسارات الأكثر أماناً داخل القطاع.
وبعد تعذر المرافقة الإسرائيلية بسبب تأخير الإجراءات، تبرعت الجمعية بـ10 آلاف دولار لتأمين نقل بري من منزل فروانة في مدينة غزة إلى معبر كرم أبو سالم في جنوب شرق القطاع. لكن مع تصاعد الهجوم الإسرائيلي منتصف سبتمبر وإصدار أوامر بإخلاء غزة بالكامل، تعطلت خطة النقل. فقاد أحد أبنائها مركبة لنقلها نحو المعبر، إلا أن الطرق كانت مكتظة بالفارين.
وبمساعدة ابنتها، قطعت فروانة التسعة أميال الأخيرة سيراً على الأقدام، تحت حماية مراقبة جوية ووقف مؤقت للغارات. استغرقت الرحلة 19 ساعة كاملة، وفي 17 سبتمبر كتب بليتساس إلى فريقه رسالة قصيرة: "خرجت!".
تساؤلات حول مصير العالقين
رحّبت المحامية ماريا كاري بنجاح العملية لكنها تساءلت عن مصير الآخرين العالقين في غزة، ومن بينهم موكلتها سلسبيل الحلو، وهي مواطنة أميركية تسعى لإجلاء أطفالها الثلاثة غير الحاصلين على الجنسية.
وأظهرت رسائل اطلعت عليها الصحيفة أن السفارة الأميركية في القدس رفضت المساعدة في إجلاء الأطفال مشيرة الى "اعتبارات الأمن القومي الأميركي" ومشكلات في التأشيرات.
وقالت كاري إن الحكومة الأميركية أبدت اهتماماً خاصاً بالعائلات العسكرية، لكنها في الوقت نفسه أوضحت "بشكل لا لبس فيه أنها لا تكترث بحياة الفلسطينيين، حتى عندما يكونون من حاملي الجنسية الأميركية".
بعد النجاة
تقيم أحلام فروانة حالياً في الأردن بانتظار الموافقة على تأشيرة دخولها إلى الولايات المتحدة، بينما يواصل ابنها العمل لمساعدة بقية أفراد الأسرة على مغادرة غزة، وسط عملية تأشيرات بطيئة وغامضة.
وقال يونس للصحيفة إن علمه بأن قضية والدته حظيت باهتمام مسؤولين كبار في الحكومة الأميركية "كان له أثر عميق"، مضيفاً: "هذا يعني الكثير، أن هناك من يهتم بعائلتي. لست وحدي". لكنه تساءل في ختام حديثه: "لماذا تطلّب خروج والدتي كل هذا التدخل الاستثنائي، بينما سبق أن وضعت الولايات المتحدة سياسات لإعادة توطين إنساني من مناطق الحرب مثل أوكرانيا وأفغانستان؟". وأضاف: "على الولايات المتحدة أن تفعل أكثر من ذلك".