في ظل غياب توافق فلسطيني أو دولي على مستقبل غزة، تبرز ميليشيات محلية بدعم إسرائيلي كـ"بديل" عن حماس، لكنها تواجه رفضًا شعبيًّا واسعًا وشكوكًا حول شرعيتها وقدرتها على الحكم، بينما تدفع واشنطن بخطة تكنوقراطية ترفضها الفصائل.
أكد حسام الأسطل، قائد ميليشيا محلية في جنوب قطاع غزة، أن "غزة الجديدة" التي يجري الترويج لها كرؤية لما بعد الحرب لن تُبنى تحت راية حماس، بل بجهود مجموعات مسلحة ترى نفسها بديلاً وطنياً، على رأسها فصيله الذي يسيطر على جيب معادٍ للجماعة في خان يونس.
وأوضح الأسطل، في مقابلة خاصة مع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن مشروعه لا ينفصل عن شبكة أوسع من المبادرات المماثلة المنتشرة في مناطق لا تزال خاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، معتبراً أن هذه الجهود تمثّل "البذرة الأولى" لمستقبل غزة.
وقال الأسطل: "نحن من سيؤسس غزة الجديدة في البداية. لدينا شركاء من داخل غزة من أشخاص محترمين: أطباء، مهندسون، علماء. هناك مكان للجميع. لدينا مئات الأشخاص تحت حمايتنا. غزة تريد أن تعيش من دون حماس ومن دون إرهاب".
وأضاف أن قواته قادرة على الحفاظ على سيطرتها على المناطق الواقعة على امتداد "الخط الأصفر" – وهو خط وقف إطلاق النار المنصوص عليه في اتفاق ترامب – حتى بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، مشيراً إلى أن "عدد المنتسبين إلينا في تزايد".
الميليشيات وغياب الشرعية
وبحسب تقرير نشرته "تايمز أوف إسرائيل"، فإن عشرات الآلاف من سكان غزة – من أصل نحو مليونَي نسمة – يعيشون اليوم في مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية، ويقعون فعلياً تحت حماية ميليشيات محلية يقودها، إلى جانب الأسطل، كل من أشرف المنسي ورامي حلس في مدينة غزة، وياسر أبو شبّاب في رفح.
ورغم أن جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدا خلال زيارته إلى إسرائيل في 21 أكتوبر مؤيداً لتوجيه تمويل إعادة الإعمار إلى المناطق الخاضعة لسيطرة هذه الميليشيات – حيث استخدم مصطلح "غزة الجديدة" لأول مرة – فإن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي زار إسرائيل بعد أيام قليلة، لم يكرر المصطلح أو يؤيد الخطة ذاتها، ما يعكس غياب توافق داخل الإدارة الأمريكية حول هذا المسار.
في المقابل، شكّك قادة محليون في شرعية هذه المجموعات وقدرتها على الحكم. فقد قال رئيس بلدية غزة يحيى السراج لـ"تايمز أوف إسرائيل":"لا أحد في غزة يدعم حكم الميليشيات. هذا المسار جُرّب عدة مرات من قبل – بدءاً بعصابات القرى في الضفة الغربية – وفشل. إسرائيل نفسها أدركت ذلك بعد بضع سنوات، فحظرت تلك العصابات وأغلقت المشروع".
كما نقلت الصحيفة عن الاقتصادي الغزي سيف الدين عودة قوله إن "الرفض الشعبي للميليشيات شامل، بغض النظر عن الانتماء السياسي. لقد أُنشئت من قبل الاحتلال وتعمل لمصلحته، لا لمصلحة وطنية. ومعظم منتسبيها كانوا في السجن بتهم جنائية. هذه الميليشيات لن تنجح أبداً في الحكم".
حماس تهدّد بالتصفية.. وواشنطن تطرح بديلاً تكنوقراطياً
وفي ظل تصاعد التهديدات، تسعى حماس إلى إعادة فرض هيمنتها على القطاع، وقد أصدرت في الأسابيع الأخيرة سلسلة بيانات تهدّد فيها الميليشيات بالتصفية، داعية أفرادها إلى "الاستسلام أو مواجهة الموت".
وسبق أن نفّذت الحركة عمليتي إعدام جماعيتين علنيتين على الأقل بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق سابقة، ووثّقت عبر مقاطع فيديو "انتهاكات جسيمة ضد غزيين" متهمين بسرقة مساعدات أو التعاون مع إسرائيل.
في المقابل، لا تتضمّن خطة ترامب المؤلفة من 20 نقطة أي دور لهذه الميليشيات بحسب الصحيفة العبرية، بل تقترح الخطة بدلاً من ذلك تشكيل "لجنة تكنوقراطية غير سياسية... تتألف من فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين، تحت إشراف هيئة انتقالية دولية جديدة يرأسها الرئيس الأمريكي"، على أن تكون هذه اللجنة حلاً مؤقتاً ريثما تُجري السلطة الفلسطينية الإصلاحات اللازمة لتتولى إدارة القطاع.
وفي هذا السياق، كشفت "تايمز أوف إسرائيل" أن مفاوضات مكثفة تجري حالياً في القاهرة بين فصائل فلسطينية، شملت لقاءات بين وفد حمساوي برئاسة خليل الحية ومسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية، من بينهم رئيس المخابرات ماجد فرج ونائب رئيس اللجنة التنفيذية حسين الشيخ.
وأفادت الصحيفة أن خليل الحية قال لقناة الجزيرة: إن "حماس ستسلّم جميع مسؤوليات الحكم إلى لجنة تكنوقراطية"، "لكنه كشف في الوقت نفسه أن الجماعة كانت قد قدّمت لمصر قبل أشهر قائمة تضم نحو 40 مهنياً تؤيّد إدراجهم في اللجنة، مشترطاً أن يكون نزع سلاح حماس مرتبطاً بـ"إقامة دولة فلسطينية مستقلة".
السلطة تنأى بنفسها.. والشارع يطالب بحلول وطنية
ورغم أن الأسطل وصف نفسه خلال مقابلته مع "تايمز أوف إسرائيل" بأنه "مسؤول في السلطة الفلسطينية"، وذكر أن رامي حلس – قائد ميليشيا في مدينة غزة – كان أيضاً مسؤولاً سابقاً في السلطة، فإن الأخيرة ترفض منذ أشهر التعليق رسمياً على وجود هذه الميليشيات أو الاعتراف بأي صلات بها.
ووفق استطلاع أجراه في مايو "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" – وهو من أبرز الجهات التي لا تزال تجري مسوحاً في غزة – فإن 46% من سكان القطاع يؤيدون عودة السلطة الفلسطينية لتولي الحكم، مقابل 37% فقط في الضفة الغربية.
كما أفاد 28% من الغزيين بأنهم يتوقعون بقاء حماس في السلطة بعد الحرب، بينما انقسم الباقون بين من يرون أن إسرائيل أو السلطة أو هيئة دولية ستتولى المسؤولية.
وفي معرض حديثه عن مرحلة ما بعد حماس، دعا الاقتصادي عودة – الذي عمل سابقاً في السلطة النقدية الفلسطينية – إلى تجنّب "التطهير الجماعي" لموظفي الدولة الذين عملوا تحت حكم الجماعة طوال 17 عاماً، باستثناء القيادات العليا.
وقال للصحيفة "الكثير من هؤلاء في الشرطة، ومكتب النائب العام، وخدمات الطوارئ، يمتلكون خبرة ولا انتماء سياسي. لا ينبغي تسريحهم. الشرطة المدنية المستقبلية يجب أن تكون محلية، حتى لو وُضعت تحت إشراف دولي، لأن القوة الدولية لا تعرف السكان".
وكانت مصر قد أعلنت قبل أشهر أنها تدرّب آلاف الضباط الفلسطينيين لدخول غزة "في اليوم التالي"، في خطوة تتماشى مع رؤية تعتمد على مؤسسات محلية قادرة على كسب ثقة السكان.
 
     
     
     
     
             
             
            