Newsletter الرسالة الإخبارية Events الأحداث البودكاست فيديو Africanews
Loader
ابحثوا عنا
اعلان

تونس وانقلاب 7 نوفمبر 1987: حين أطاح "المنقذ" بحكم "المجاهد الأكبر" ليبدأ عهدًا جديدًا من الاستبداد

زين العابدين بن علي يُلقي خطابًا خلال مراسم إحياء الذكرى الحادية والخمسين لاستقلال البلاد-تونس
زين العابدين بن علي يُلقي خطابًا خلال مراسم إحياء الذكرى الحادية والخمسين لاستقلال البلاد-تونس حقوق النشر  HO/AP2007
حقوق النشر HO/AP2007
بقلم: Chaima Chihi
نشرت في
شارك محادثة
شارك Close Button

في مثل هذا اليوم، استيقظ التونسيون على بيان رئاسي جديد يُقرأ بصوت حازم. كان بن علي يُعلن توليه الرئاسة بعد إزاحة "المجاهد الأكبر" وأول رئيس لتونس بعد الاستقلال. وُصف ذلك اليوم بأنه "تغيير" ضروري لإنقاذ البلاد، لكنه تحوّل إلى بداية عهد استبدادي جديد دام 23 عامًا، وانتهى بثورة شعبية أطاحت بصاحبه.

قبل الحديث عن الانقلاب، لا بد من العودة إلى طبيعة النظام الذي أطاح به زين العابدين بن علي، إذ حكم الحبيب بورقيبة تونس لمدة ثلاثة عقود متواصلة (1956-1987)، بنظام رئاسي شديد المركزية، جمع بين الحداثة الاجتماعية والتوجه الغربي من ناحية، والاستبداد السياسي والتفرد بالسلطة من ناحية أخرى.

تميز عهده بإلغاء التعددية الحزبية الفعلية وأسّس لنظام الحزب الواحد، الحزب الاشتراكي الدستوري، وامتد نفوذه ليشمل جميع مفاصل الدولة، من الحكومة إلى الجيش والإعلام والقضاء. وعدّل الدستور عدة مرات لتعزيز سلطته، إلى أن نصّب نفسه رئيسا مدى الحياة عام 1975.

ورغم إنجازات بورقيبة في مجالات التعليم والصحة وحقوق المرأة، إلا أن فترة حكمه شهدت قمعًا للمعارضة وتهميشا للحريات السياسية، ما هيأ المناخ لانقلاب محتمل، بحجة تدهور صحته وتقدّمه في السن. وقد شكلت هذه السيطرة السياسية المركزية أساسًا لما سيُعرف لاحقًا بنظام زين العابدين بن علي الذي كان يشغل وقتها منصب رئيس الحكومة، مع اختلاف الأسلوب وشخصية الحاكم.

فكيف أعدّ بن علي خطته للإطاحة بالرئيس الحبيب بورقيبة؟ من كان أبرز المساعدين له في هذه العملية؟ وما الذي جرى في الساعات الأخيرة التي سبقت الانقلاب، وكيف كانت ردّة فعل الزعيم الراحل بورقيبة؟

ليلة طويلة في قصر قرطاج

خطب زين العابدين بن علي على موجات الإذاعة الوطنية صباح 7 نوفمبر/تشرين الثاني معلنًا أن الرئيس لم يعد قادرًا على ممارسة مهامه، واضعًا حدًا لثلاثة عقود من الحكم البورقيبي.

وتكشف شهادات من شاركوا في الأحداث أن الانقلاب لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة تخطيط محكم. فبعد أن علم بن علي، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء أو الوزير الأول كما كان وقتها يسمى في تونس، بأن بورقيبة يعتزم إقالته، بدأ في تدبير خطته بدعم من أركان في النظام، أبرزهم الحبيب عمار، رئيس الحرس الوطني آنذاك.

وتشير معلومات إلى أنه كان من المقرر تنفيذ الانقلاب يوم 8 نوفمبر، لكن تقارير وردت عن تحركات أطراف إسلامية محتملة للإطاحة ببورقيبة دفعت بن علي إلى تقديم الموعد ليوم 7 نوفمبر. في تلك الليلة، طوقت قوات الحرس الوطني قصر قرطاج واستبدلت الحراس الشخصيين لبورقيبة بقوات كوماندوس، دون إراقة دماء، في واحدة من العمليات العسكرية الأكثر دقة وهدوءًا في تاريخ البلاد الحديث.

دور بن علي في الساعات الأخيرة

ليلة الانقلاب، كان زين العابدين بن علي في مقر وزارة الداخلية يعمل على وضع اللمسات الأخيرة لتشكيل الحكومة الجديدة، بينما عقد اجتماعات مع ضباط الجيش والأمن، ونسق مع وزيرة الصحة لإعداد التقرير الطبي الذي يثبت عجز الرئيس الحبيب بورقيبة عن ممارسة مهامه.

الهادي البكوش، أول وزير أول في عهد بن علي، والذي اطلع على مخطط الانقلاب منذ 5 نوفمبر، كتب البيان الذي تضمن وعودًا بفتح مرحلة ديمقراطية تعددية، واحترام الحريات الأساسية، وإنهاء نظام رئاسة مدى الحياة. غير أن المسار الفعلي سار في اتجاه معاكس، إذ رفض بن علي تشكيل مجلس رئاسي جماعي، مفضلاً الاحتفاظ بالسلطة كاملة، ومؤكدًا أن أي تغيير يجب أن يتم تحت قيادته وحده.

رفيق الشلي، أحد كبار المسؤولين في الداخلية بعد الثورة، كان أحد المشاركين في عملية الإطاحة ببورقيبة بصفته مدير الأمن الرئاسي. وأوضح الشلي في تصريحات إعلامية سابقة أن العملية بدأت بعزل بورقيبة تدريجيًا، بدءًا بإنهاء زواجه من وسيلة بن عمار، ثم إبعاد سكرتيره الشخصي علالة العويتي، وتعيين مدير ديوانه منصور السخيري وزيرًا، بالإضافة إلى إبعاد محمود بن حسين، الذي كان يطلع الرئيس على الأخبار ويقرأ له الصحف. وأضاف أن بورقيبة أصبح معزولًا في قصره، ومعه فقط ابنة شقيقته سعيدة ساسي، التي كانت تحت إشراف بن علي.

وحول الساعات الأخيرة قبل الانقلاب، قال الشلي إنه تلقى اتصالًا هاتفيًا من بن علي عند منتصف الليل والربع، طلب منه الحضور إلى مقر وزارة الداخلية، حيث وجد نفسه محاطًا بقيادات الجيش الثلاثة وكبار المسؤولين الأمنيين، فيما كان الهادي البكوش يضع تشكيلته الحكومية الجديدة. وأكد الشلي أن بن علي أخبره بأن الرئيس أصبح عاجزًا عن أداء مهامه، وأنه أمام خيارين: قبول خطة بن علي بعد تلقي تطمينات على سلامة بورقيبة، أو رفضها، وهو ما كان سيعني مواجهته شخصيًا بلا جدوى، إذ أكد بن علي أنه لن يتراجع عن خطته حتى باستخدام القوة. وأضاف الشلي أن بن علي أشار إلى أن عمليات مشابهة في دول أخرى تُنفذ بالقتل، موضحًا ذلك بإيماءة تحت رقبته.

ويحكى أنه عندما التقى بورقيبة ببن علي بعد الإطاحة به، واجهه مباشرة قائلاً: "هذه خيانة"، في إشارة واضحة إلى إدراكه أن ما حدث لم يكن مجرد نقل للسلطة دستوريًا، بل انقلابًا على إرثه السياسي، رغم محاولات منظري بن علي تبريره بحجج "الضرورة" و"حماية الدولة من الانهيار".

من "الإصلاح" إلى الاستبداد

في السنوات الأولى من حكمه، قدم بن علي نفسه كمصلح ومُنقذ للبلاد، وأطلق مشاريع سياسية واجتماعية، أبرزها "الميثاق الوطني" لتعزيز الوحدة الوطنية. لكنه سرعان ما حول نظامه إلى آلة قمع منظمة، حيث سُجن آلاف الإسلاميين واليساريين، وتعرض الكثيرون للتعذيب، وقيدت الحريات الصحفية والنقابية بشكل صارم.

كما استمر في إعادة انتخاب نفسه في استفتاءات شكلية تجاوزت أحيانًا 90% من الأصوات، بينما استمر الفساد في الانتشار داخل دوائر السلطة، خصوصًا حول عائلته وزوجته ليلى الطرابلسي، ما أغلق المجال أمام أي معارضة فعلية.

ورغم ذلك، حظي النظام بدعم غربي، نظرًا لسياساته الاقتصادية المنفتحة ومكافحته لما كان يُسمى "الإرهاب"، ما سمح له بالاستمرار على مدار أكثر من عقدين، حتى أن الاستقرار الظاهري كان يخفي أزمة حقيقية في شرعية الحكم والمطالب الشعبية بالحرية والكرامة.

حادثة البوعزيزي وسقوط النظام

في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، كتب البائع المتجول محمد البوعزيزي فصل النهاية، عندما أضرم النار في جسده احتجاجًا على الإذلال والبطالة ومصادرة رزقه. وكانت تلك الواقعة هي الشرارة التي أطلقت ثورة شعبية عارمة، عمّت كل أنحاء البلاد، متحديةً القمع الأمني الوحشي، ورافعةً شعارات: "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية".

وبعد 23 عامًا من حكم بن علي، نجحت هذه الاحتجاجات في إرغام "الرئيس المطلق" على الفرار من البلاد في 14 يناير/كانون الثاني 2011، منهيةً بذلك واحدًا من أطول الأنظمة الاستبدادية في البلاد ومعلنةً بداية مرحلة جديدة، هي مرحلة الثورة والتحول المتعثر نحو الديمقراطية.

انتقل إلى اختصارات الوصول
شارك محادثة