Newsletter الرسالة الإخبارية Events الأحداث البودكاست فيديو Africanews
Loader
ابحثوا عنا
اعلان

غزة: أزمة نفسية غير مسبوقة تضرب جيلاً كاملاً من الأطفال

أطفال فلسطينيون في مخيم مؤقت للنازحين في زويدة، وسط قطاع غزة، يوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025.
أطفال فلسطينيون في مخيم مؤقت للنازحين في زويدة، وسط قطاع غزة، يوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025. حقوق النشر  Abdel Kareem Hana/AP
حقوق النشر Abdel Kareem Hana/AP
بقلم: يورونيوز
نشرت في
شارك محادثة
شارك Close Button
نسخ/لصق رابط فيديو المقال أدناه Copy to clipboard تم النسخ

في حديث مع "يورونيوز"، تصف عبير شرف، النازحة من مخيم جباليا، ما يمر به أطفالها قائلة: “صار عند ولادي تبول لا إرادي، بيقوموا مفزوعين وما بدهم يناموا بالخيمة. مرة بنتي شافت طفل استشهد وما كان له راس، ولسه بتسألني: ماما هيك بيموتوا الناس؟”.

بعد عامين من حرب مدمّرة، وبينما تتجه الجهود الدولية نحو إعادة إعمار البنية التحتية في قطاع غزة، تتكشف أزمة أخرى أكثر عمقًا وصمتًا: انهيار نفسي واسع يطال الأطفال ويهدد جيلًا كاملًا. إذ يقدّر صندوق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن أكثر من مليون طفل في غزة يحتاجون إلى دعم نفسي واجتماعي عاجل، ويؤكد أن هذا التقييم “غير مسبوق عالميًا”.

أطفال يعيشون تحت صدمة مستمرة

تشير تقارير أممية ودراسات ميدانية صدرت خلال عامَي 2024 و2025 عن اليونيسف وبرنامج إنقاذ الطفولة وبرنامج غزة للصحة النفسية ومنظمة الصحة العالمية إلى أن الأطفال في غزة يعيشون في حالة صدمة مزمنة ارتبطت بتكرار النزوح وفقدان الأقارب والانهيار الكامل لشروط الحياة الأساسية. وتكشف تلك الدراسات عن نسب مقلقة:

• 96% من الأطفال يشعرون بأن الموت قريب منهم.

• 79% يعانون من كوابيس متكررة، و87% يظهرون خوفًا حادًا.

• 73% يظهرون سلوكيات عدوانية مرتبطة بالصدمة.

• 49% من الأطفال يعبّرون عن رغبتهم في “الهروب من الحياة”، بحسب تقارير نفسية ميدانية

وتظهر الاضطرابات في صور متعددة، منها التبول اللاإرادي، نوبات الهلع، الانسحاب الاجتماعي، والصراخ المفاجئ. ويحذر مختصون من “تطبيع العنف”، أي اعتياد الطفل على السلوك العدواني نتيجة التعرض المستمر للصدمات.

أطفال  يستريحون داخل خيمتهم في مخيم للنازحين الفلسطينيين بمدينة غزة، يوم الخميس 24 يوليو 2025
أطفال يستريحون داخل خيمتهم في مخيم للنازحين الفلسطينيين بمدينة غزة، يوم الخميس 24 يوليو 2025 Jehad Alshrafi/ AP

أحلام منكسرة ومستقبل غامض

وبما أن تأثير الحرب لا يقتصر على اللحظة الراهنة، بل يمتد ليطال مستقبل الأطفال وطموحاتهم، يتحدث أولياء الأمور عن تغيّر واضح في اهتمامات أبنائهم، إذ تراجع التفكير بالمستقبل لصالح البحث عن أساسيات الحياة.

فأحمد غبن (11 عامًا) الذي كان يحب الرسم ويحلم بأن يصبح رسامًا، بات يرى أن الدراسة والألوان صارت بعيدة المنال.

أطفال فلسطينيون نازحون يبحثون عن الحطب والبلاستيك في مكب للنفايات بجانب المخيم المؤقت الذي يأوون إليه، في خان يونس جنوب قطاع غزة، يوم الثلاثاء 30 سبتمبر 2025
أطفال فلسطينيون نازحون يبحثون عن الحطب والبلاستيك في مكب للنفايات بجانب المخيم المؤقت الذي يأوون إليه، في خان يونس جنوب قطاع غزة، يوم الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 Jehad Alshrafi/ AP

وتعبّر تسنيم أبو محروق (10 أعوام) عن خوفها من أن تنهار حياتها مجددًا وتضطر عائلتها للنزوح كما حدث سابقًا. فيما تقول سندس منصور (11 عامًا) إنها كانت تحلم بأن تصبح طبيبة، لكن تفكيرها اليوم ينحصر في الحصول على طعام نظيف ومكان آمن للنوم.

بدورها، تشير الأخصائية النفسية سمر قويدر إلى أن آثار الحرب قد تتخطى الجيل الحالي، إذ يعاني الآباء أنفسهم من صدمات تحدّ من قدرتهم على تقديم الدعم العاطفي لأطفالهم. ومع تدمير المراكز المتخصصة بالصحة النفسية ونزوح كوادرها، يجد أكثر من مليون طفل أنفسهم بلا خدمات علاجية حقيقية.

حين يتحوّل الخوف إلى جزء من الطفولة

في حديث مع "يورونيوز"، تصف عبير شرف، النازحة من مخيم جباليا، ما يمر به أطفالها قائلة: “صار عند ولادي تبول لا إرادي، بيقوموا مفزوعين وما بدهم يناموا بالخيمة. مرة بنتي شافت طفل استشهد وما كان له راس، ولسه بتسألني: ماما هيك بيموتوا الناس؟”.

وتضيف أن تكرار القصف والنزوح ترك آثارًا واضحة عليهم، وأنها تعرضت بدورها لضغط نفسي شديد نتيجة الخوف المستمر وتضرر خيمتها عدة مرات.

وفي شهادة أخرى، تقول سماح الطناني النازحة من شرق غزة إن أطفالها فقدوا القدرة على النوم الطبيعي ورفضوا الخروج من الخيمة، وظهرت عليهم أعراض تشبه التوحّد. وتوضح أن الصدمات تعمقت بعد مشاهدة مقتل أقارب بشكل مباشر، ما دفع أحد أطفالها إلى دخول المستشفى وهو في حالة "هلوسة".

أما تمارا أبو عوف النازحة من حي الزيتون فتشير إلى أن غياب الخدمات الأساسية في المخيمات فاقم وضع الأطفال، وأن ابنتها تعاني نوبات خوف متكررة وارتفاع حرارة وأمراض جلدية، مضيفة أن “غياب المتخصصين يجعل أي تدخل نفسي غير مستمر”.

أطفال فلسطينيون يتجمعون أمام مطبخ خيري في خان يونس، جنوب قطاع غزة، يوم الجمعة 19 سبتمبر 2025
أطفال فلسطينيون يتجمعون أمام مطبخ خيري في خان يونس، جنوب قطاع غزة، يوم الجمعة 19 سبتمبر 2025 Jehad Alshrafi/ AP

خدمات شبه منهارة

قبل الحرب، كان قطاع غزة يضم عدة مراكز للصحة النفسية، إلا أن معظمها دُمّر أو خرج عن الخدمة. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الاحتياجات النفسية في غزة “لن تختفي بمجرد وقف إطلاق النار”، داعية إلى دمج خدمات الصحة النفسية ضمن قطاعات التعليم والحماية والمياه والصرف الصحي.

في هذا السياق، يقول الدكتور خالد سعيد، المستشار الإقليمي للصحة النفسية في منظمة الصحة العالمية، إن “الصحة النفسية مسؤولية جماعية”، مؤكدًا أهمية تمكين الأفراد من استعادة قدرتهم على التكيّف في ظل المستقبل غير المستقر.

جيل على حافة الضياع

كما تحذر اليونيسف من أن الصدمات النفسية المتراكمة قد تترك آثارًا طويلة الأمد على تطور الأطفال المعرفي والاجتماعي، ما يجعلهم عرضة للاكتئاب واضطرابات السلوك في مراحل لاحقة.

وفي ظل استمرار تعطّل التعليم، وغياب المساحات الآمنة، وانهيار منظومة الرعاية، يواجه القطاع خطر نشوء جيل يعاني من ندوب نفسية عميقة. وتضيف المنظمة أن نقص المأوى وشح الغذاء وتدهور الصرف الصحي والشتاء يفاقم المخاطر على حياة الأطفال.

وتؤكد اليونيسف أن “استعادة إحساس الأطفال بالأمان والحياة الطبيعية يحتاج إلى تدخل طويل الأمد وشامل”، محذّرة من أن تجاهل هذه الأزمة “سيترك آثارًا مدمرة على مستقبل المنطقة بأكملها”.

وبين غياب الحلول واستمرار التدهور، يبقى أكثر من مليون طفل في غزة عالقين بين صدمة الماضي ومخاوف المستقبل، في انتظار بداية مسار للتعافي النفسي.

انتقل إلى اختصارات الوصول
شارك محادثة

مواضيع إضافية

من وقف إزالة الغابات إلى مستقبل الوقود الأحفوري: ما الذي اتفقت عليه الدول في "كوب 30"؟

رفع الأنقاض بعد أول غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت منذ أشهر

رفع الجاهزية الدفاعية في شمال إسرائيل.. وإقالات وتوبيخات بحق كبار ضباط الجيش