تشير الدراسات إلى أن المجتمع غالبًا ما ينظر إلى ذوي الاحتياجات الخاصة من منظور الشفقة أو التقليل من قدراتهم، مما يخلق لديهم شعورًا بالعزلة. كما أن اعتبار الشخص ذي الإعاقة "يثير الرحمة" فإن ذلك من شأنه أن يعيق دمجه الكامل في الحياة العامة.
يعيش في العالم أكثر من 1.3 مليار شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، أي نحو 16% من سكان الكرة الأرضية، بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية عام 2023. ويعيش معظم هؤلاء في الدول النامية حيث تفتقر تلك البلدان إلى البنى التحتية اللازمة والخدمات الأساسية لتلبية احتياجاتهم، بينما يواجهون عقبات اجتماعية واقتصادية متشابكة تمنعهم من ممارسة حقوقهم كاملة.
وأكد التقرير،الصادر عن المنظمة، أن الأشخاص ذوي الإعاقة يموتون في سن أصغر، ويواجهون مخاطر صحية مضاعفة لإصابتهم بالاكتئاب والسكري والسكتة الدماغية والسمنة، إضافة إلى صعوبات كبيرة في الوصول إلى الخدمات الصحية ووسائل النقل. وتنشأ هذه الفجوات نتيجة التمييز والوصمة واستبعادهم من التعليم والعمل، إضافة إلى ضعف الدعم الاجتماعي.
عقبات تحدّ من الحق في التعلم
يُعد التعليم حقًا أساسيًا لكل إنسان، وهو الركيزة الأولى التي تمكّن الفرد من الانخراط في المجتمع والمساهمة فيه. لكن الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة غالبًا ما يجدون أنفسهم في مواجهة عقبات بنيوية ومؤسسية تعرقل هذه الرحلة. فغياب الممرات الخاصة بهم والمصاعد الملائمة، إلى جانب نقص الأجهزة التعليمية والتقنيات المساندة، يجعل تجربة التعلم بالنسبة لهم أكثر صعوبة، ويعمق شعورهم بالإحباط والعزلة.
على سبيل المثال، في كثير من المدارس الحكومية بالدول النامية، لا توجد فصول مجهّزة بالوسائل السمعية والبصرية أو برامج تعليمية رقمية معدّة خصيصًا لتلبية احتياجات الطلاب من ذوي الإعاقة البصرية أو السمعية. أما أولئك الذين يعانون من إعاقات حركية، فيضطرون، في كثير من الأحيان، إلى الامتناع عن حضور الدروس لعدم قدرة المبنى على استيعاب كراسيهم المتحركة أو لضيق الممرات.
وتكشف التقارير أنه خلال جائحة كورونا، تفاقمت هذه العقبات بشكل كبير مع التحول المفاجئ إلى التعليم عن بُعد. إذ لم تُراعَ الفروقات الفردية بين الطلاب، فوجد كثيرون أنفسهم خارج منظومة التعليم الرقمي.
إضافة إلى العقبات المادية، تساهم النظرة المجتمعية في الحدّ من الفرص التعليمية لهذه الفئة. فالوصم الاجتماعي المرتبط بالإعاقة يصل أحيانًا إلى المدرّسين وزملاء الدراسة، حيث يشعر الطلاب من ذوي الإعاقة بأنهم أقلّ كفاءة.
"ضحايا التمييز والقصور المؤسساتي"
يواجه معظم الناس صعوبات في العثور عن عمل، لكن بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، فإن الأمر يبدو أشد قسوة.
وبحسب تقارير الأمم المتحدة، أكثر من 80% من ذوي الإعاقة في الدول النامية لا يعملون، ويُعزى ذلك إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، لا سيما نقص السياسات الحكومية الداعمة، ضعف البنية التحتية، والوصمة الاجتماعية التي تحد من فرص إيجاد فرصة عمل.
وحتى عند توفر الوظائف، كثيرًا ما تكون غير ملائمة لاحتياجاتهم أو بعيدة عن مهاراتهم الحقيقية. وعلى سبيل المثال، قد يمتلك بعض الموظفين من ذوي الاحتياجات الخاصة القدرة على أداء مهامهم بكفاءة، إلا أنهم يُحرمون من الوظيفة بسبب غياب الممرّات أو المرافق المناسبة لممارسة العمل. وفي حالات أخرى، يتعرضون للتمييز من قبل أصحاب العمل والزملاء، نتيجة الاعتقاد بأنهم أقل إنتاجية أو يحتاجون إلى "جهد إضافي" لتحقيق نفس النتائج.
وغالبًا ما يضطر هؤلاء للاعتماد على الأسرة أو المساعدات الاجتماعية، ما يزيد شعورهم بالإقصاء والعجز ويحد من فرصهم في المشاركة الفعلية في المجتمع. في المقابل، تشير دراسات إلى أن تشجيع الدمج الوظيفي وتوفير فرص عمل ملائمة مع تجهيزات مساندة يمكن أن يحقق تحسنًا كبيرًا في الإنتاجية والاندماج الاجتماعي.
تجاهل أوتمثيل إعلامي مشوّه
يقدّم الإعلام ذوي الاحتياجات الخاصة إما كضحايا يعانون باستمرار أو كأبطال استثنائيين يتغلّبون على كل الصعوبات. ولا يعكس هذا النوع من التمثيل الواقع اليومي للمعاناة ولا مطالبهم الأساسية وحقوقهم الطبيعية.
و تعزز هذه التغطية الوصمة الاجتماعية وتجعل النظر إلى ذوي الاحتياجات الخاصة مرتبطًا بالشفقة أو الإعجاب الاستثنائي، بدلاً من الاعتراف بقدراتهم ومساهماتهم.
كما أن غيابهم عن التقارير الإعلامية المنتظمة حول التعليم والصحة والعمل يجعل معاناتهم غير مرئية. فالمسؤولون والمجتمع لا يرون حجم المشكلات اليومية التي يواجهونها، ما يؤدي إلى تأخير تطوير السياسات والخدمات المتعلقة بهم.
صعوبات غير مرئية
تتجاوز الصعوبات التي يواجهها ذوو الاحتياجات الخاصة حدود المدارس وأماكن العمل، لتصل إلى الحياة اليومية بكل تفاصيلها. فالكثير من المباني العامة، والمواصلات، والمتاجر، وحتى المرافق الترفيهية غالبًا ما تكون غير مهيّأة لاستقبالهم.
ويجد الأشخاص الذين يستخدمون الكراسي المتحركة صعوبة في الوصول إلى المستشفيات أو المراكز التجارية بسبب غياب المنحدرات والمصاعد المناسبة. كما أن وسائل النقل العام في كثير من المدن تفتقر إلى تجهيزات تلائم ذوي الإعاقة الحركية أو البصرية.
إضافة إلى ذلك، تغيب الخدمات الصحية والاجتماعية الملائمة التي تكفل لهم حياة كريمة. ففي بعض الدول العربية، لا توجد برامج متكاملة لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة، سواء عبر المراكز التأهيلية، أو الدعم النفسي، ما يجعلهم يعتمدون بشكل كبير على أسرهم ويزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عليهم.
ومن الناحية المجتمعية، تشير الدراسات إلى أن نظرة المجتمع إلى ذوي الاحتياجات الخاصة غالبًا ما تكون مبنية على الشفقة أو التقليل من قدراتهم. ويخلق هذا الأمر شعورًا بالعزلة ويحد من فرصهم في المشاركة في الأنشطة اليومية. كما أن التعامل مع الشخص ذي الإعاقة كـ "موضوع للرحمة" وليس كشخص فاعل وقادر، يقلل من دمجه في الحياة العامة.
معاقو الحرب في غزة يطالبون بتأمين الأطراف الصناعية
في سياق متصل، شارك، الأربعاء، العشرات من ذوي الإعاقة في غزة، الذين فقدوا أطرافهم خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة في وقفة احتجاجية للمطالبة برفع الحصار عن القطاع وتأمين العلاج والمواد اللازمة لتصنيع الأطراف الصناعية.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة أن نحو 6 آلاف جريح مبتور الأطراف بحاجة إلى برامج تأهيل عاجلة وطويلة المدى. وأوضحت الوزارة أن 25% من حالات البتر هم من الأطفال، ما يعرّضهم لإعاقات دائمة في سنّ مبكرة ويضاعف من الآلام النفسية والاجتماعية التي يواجهونها.