يعود فيروس كوفيد-19 إلى الواجهة من جديد، بعدما تراجع الاهتمام العالمي به، مع تسجيل ارتفاع في الإصابات وظهور متحوّرات جديدة.
مع اقتراب فصل الشتاء، تتزايد المخاوف من أن يكون الارتفاع في عدد الإصابات بفيروس كوفيد-19 مقدّمة لموجة جديدة من العدوى، في وقت تشهد فيه معظم الدول تراجعًا كبيرًا في أنظمة المراقبة الصحية وانخفاضًا في وتيرة الإبلاغ عن الإصابات.
أظهرت بيانات منظمة الصحة العالمية ارتفاعًا في إصابات كوفيد-19 على المستوى العالمي بأكثر من 19 ألف حالة خلال الشهر الماضي مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن الباحثين يشيرون إلى أن العدد الحقيقي أعلى بكثير، بسبب ضعف أنظمة المراقبة التي كانت معتمدة خلال الجائحة.
في هاذا السياق، تقول ماريا فان كيرخوف، المديرة المؤقتة لقسم إدارة الأوبئة والجائحات في منظمة الصحة العالمية، إن "عمليات المراقبة لا تزال مستمرة، لكنها أقل بكثير مما كانت عليه سابقًا، ولا نملك صورة كاملة عن انتشار الفيروس أو المتحورات المنتشرة حاليًا"، مضيفة أن العالم يعاني من "فقدان ذاكرة جماعي تجاه كوفيد-19".
أما الدكتورة أنطونيا هو، من جامعة غلاسكو البريطانية، فتوضح أن "غياب آلية للإبلاغ عن نتائج الاختبارات المنزلية يجعل الهيئات الصحية غير قادرة على توصية صيغ اللقاحات المناسبة أو تحديد التوقيت الأمثل لإطلاقها".
العين على المتحوّرات الجديدة
تشير المعطيات الحديثة إلى أن المتحوّرين الأكثر انتشارًا حاليًا هما "ستراتوس" و"نيمبوس". فالأول، المعروف أيضًا باسم "المتحوّر فرانكشتاين"، يشكّل نحو 76% من الحالات المسجلة عالميًا، وينتشر في أوروبا والأمريكيتين، بينما ينتشر "نيمبوس" في منطقة غرب المحيط الهادئ بنسبة تقارب 15%.
ورغم تشابه أعراض المتحوّرين مع السلالات السابقة (الحمى، السعال، سيلان الأنف)، يتسبّب متحوّر "نيمبوس" عادةً في التهاب حادّ بالحلق، يُعدّ السمة الأبرز بين أعراضه. وقد أدرجت منظمة الصحة العالمية المتحوّرين على قائمتها للمتحوّرات "المنتشرة حاليًا والخاضعة للمراقبة" منذ 4 أيلول/سبتمبر.
وفيما يرجّح الخبراء أن يكون "نيمبوس" أكثر عدوى، فإن "ستراتوس" يمتلك قدرة أعلى على مقاومة الاستجابة المناعية. وتشير دراسة لوكالة الأمن الصحي البريطانية إلى أن "ستراتوس" يشكّل نحو 63% من الإصابات في المملكة المتحدة، بينما يمثل "نيمبوس" نحو 25%، وهما المحركان الرئيسيان لارتفاع الإصابات في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.
اللقاحات والاستجابة الصحية
تركّز حملات التطعيم الجديدة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا على كبار السنّ ومن يعانون ضعفًا في المناعة. ويقول مايكل هيد، اختصاصي الأوبئة في جامعة ساوثهامبتون البريطانية، إن "اللقاحات ما زالت توفر فائدة كبيرة للصحة العامة، لذا من الأفضل توسيع نطاق التطعيم لتشمل الفئات الأصغر سنًا أيضًا".
وفي عدد من الدول، مثل ألمانيا والمملكة المتحدة، تُدمج جرعات كوفيد-19 ضمن خطة التطعيم الموسمية ضد الإنفلونزا، تحضيرًا لفصل الشتاء. أما في الولايات المتحدة، فقد أوصت لجنة استشارية في أيلول/سبتمبر بوقف التطعيم الشامل لجميع البالغين، مع الاكتفاء بالفئات الأكثر عرضة للخطر.
ورغم احتواء المتحوّرين على طفرات تساعدهما على مقاومة المناعة، تؤكد منظمة الصحة العالمية أنه لم تُسجّل زيادة في شدة المرض، وأن اللقاحات الحالية لا تزال فعّالة في الوقاية من الحالات الخطيرة، وإن كانت فعاليتها ضد العدوى العرضية تتراوح بين 19% و49%.
ويحذّر الخبراء من أن تراجع المناعة المكتسبة، سواء من اللقاحات أو الإصابات السابقة، قد يؤدي إلى موجات متكررة من العدوى في المستقبل، ما يستدعي الحذر. وينصح الأطباء بتجنّب الأماكن المزدحمة، والحفاظ على النظافة الشخصية، والاستمرار في استخدام الكمامات، خصوصًا لدى الفئات المعرّضة للخطر، مثل كبار السنّ ومرضى الأمراض المزمنة ومن يعانون ضعفًا في جهاز المناعة.