بعدما طُرح اسمه ضمن مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتشكيل "مجلس السلام" المتعلق بغزة، سُحب اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق من دائرة المرشحين عقب اعتراضات عربية وإسلامية، من المرجح أنها انطلقت من إرثه السياسي المثير للجدل وحضوره الملتبس في ملفات الشرق الأوسط.
كان ترامب قد أعلن في أواخر أيلول/ سبتمبر خطته المكوّنة من 20 بندًا لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، متضمنة إنشاء "مجلس السلام" برئاسته، على أن يكون توني بلير أحد أعضائه. وقد وصف الرئيس الأمريكي بلير بأنه "رجل جيد جدًا"، فيما رحّب الأخير بالخطة ووصفها بأنها "جريئة وذكية" وأبدى استعداده للعمل داخل المجلس.
وقد أشارت صحيفة "فايننشال تايمز"، اليوم الاثنين، إلى أنه جرى استبعاد اسمه وسط اعتراضات عربية وإسلامية.
ومن المرجح أن هذه الاعتراضات استندت إلى تراجع صورته في المنطقة منذ دعمه للغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وإلى خشية أن يؤدي حضوره إلى تهميش الفلسطينيين داخل هيكل الحوكمة الذي سيُبنى على ضوء الخطة.
وكان ترامب نفسه قد أقرّ في تشرين الأول/ أكتوبر بإمكانية الاعتراض على تعيين بلير قائلاً: "لطالما أحببت توني، لكنني أريد التأكد من أنه خيار مقبول للجميع".
وسبق لبلير أن عمل منذ أكثر من عام على وضع تصوّرات تتعلق بغزة عبر "معهد توني بلير"، مستندًا إلى خبرته في ملفات الشرق الأوسط منذ أن أصبح مبعوثًا للجنة الرباعية عقب خروجه من داونينغ ستريت عام 2007.
إرث العراق وشراكات عابرة للحدود
وُلِد بلير عام 1953 في إدنبرة، ودرس في جامعة أكسفورد، ثم أصبح محاميًا قبل أن يُنتخب عام 1983 نائبًا عن حزب العمال. برز داخل الحزب كخطيب مؤثر، ما مهّد لتوليه زعامته بعد وفاة جون سميث، ثم لقيادة حزبه إلى فوز ساحق عام 1997 جعله أصغر رئيس وزراء لبريطانيا منذ عام 1812.
ورغم تجديده ولايته مرتين، تراجعت شعبيته بسبب دعمه لغزو العراق، ولم يدرك آنذاك حجم تأثير تلك القرارات على السياسة البريطانية. كما واجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب، واعترف عام 2015 عبر "سي إن إن" بارتكاب "أخطاء" في العراق وبأن الغزو ساهم في صعود تنظيم داعش، من دون أن يتراجع عن دعمه للولايات المتحدة.
بعد استقالته، تولى بلير مهمة المبعوث الخاص للجنة الرباعية للشرق الأوسط، لكنه احتفظ بعلاقات راسخة في الشرق الأوسط حتى بعد مغادرته المنصب عام 2015، فقد عمل على تأسيس شبكة مصالح واسعة عبر "معهد بلير"، امتدت من الإمارات إلى كازاخستان وأمريكا.
وفي عام 2011، توسّط للسعودية لإبرام صفقة مع الصين لصالح شركة "بترو سعودي" التي يمتلكها الأمير تركي بن عبد الله، مقابل 41,000 جنيه إسترليني شهريًا وعمولة بنسبة 2%. وقدّرت "التلغراف" أن استشاراته للرياض وصلت قيمتها إلى 9 ملايين جنيه إسترليني، بينما خصّصت له الإمارات مبالغ ضخمة من صندوق الثروة السيادي.
وتكشف "صنداي تايمز" أنه عُيّن مستشارًا للأمير محمد بن سلمان بعد اغتيال جمال خاشقجي عام 2018، وأنه يدعم ويشارك في برنامج "رؤية المملكة 2030". كما ورد أنه قدّم مشورة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ضمن برنامج تموّله الإمارات بعد وصوله إلى السلطة.