يشكّل المسلمون نحو 3.2% من إجمالي السكان، وفق بيانات عام 2021، وتُعدّ جاليتهم من أسرع الجماعات الدينية نموًا في البلاد.
بالرغم من أن تدخل أحمد الأحمد، الرجل المسلم الأعزل، أثناء هجوم شاطئ بوندي لإنقاذ الجالية اليهودية، كان مشهدًا بطوليًا استحق إشادة رسمية واسعة، إلا أن فتيل التوتر ظل متقدًا في أستراليا مع ارتفاع حصيلة القتلى.
وقد تصاعدت الخطابات والسلوكيات المعادية للمسلمين عقب الحادثة التي حوّلت عيد الأنوار اليهودي إلى بحيرة من الدم، وتواترت تقارير عن مجموعات عمدت إلى وضع رؤوس الخنازير على قبور المسلمين.
وعلى ما يبدو، لم يخفف بيان المجلس الوطني للأئمة والجاليات المسلمة من حدة الشحن العنصري، بالرغم من أن الدكتور إبراهيم أبو محمد، المفتي العام لأستراليا ونيوزيلندا، وصف ما جرى بأنه "حدث مؤلم وغير معتاد في البلاد"، وأكد أن المسلحين المسلمين "لا يجب أن يُنسى أنهما واجها شابًا مسلمًا تصرف بحركة بطولية لمنع وقوع مزيد من الأضرار".
ولفت المفتي إلى أنه من الطبيعي، في جالية كبيرة تقارب المليون شخص، أن تضمّ "علماء محترمين" و"مجانين" على حد تعبيره، خصوصًا في بلد متعدد الثقافات والمعتقدات. ومع ذلك، تظل التساؤلات مطروحة حول تأثير هذا الهجوم على مستقبل الجاليات المسلمة في البلاد.
الجالية المسلمة وتوزعها
يعود وجود المسلمين في أستراليا إلى أكثر من قرن، نتيجة توافد الأفغان والباكستانيين إليها ما بين عامي 1860 و1930، وقد بُنِي أول مسجد فيها قبل نحو 150 عامًا.
ويمثل المسلمون حوالي 3.2% من إجمالي السكان وفق بيانات عام 2021، وتعد جاليتهم واحدة من أسرع الجماعات الدينية نموًا في البلاد. وينحدر معظم المولودين ضمن هذه الجاليات من دول مثل لبنان وتركيا وباكستان وبنغلاديش، ويعيش أغلبهم في المدن الكبرى، مع تركيز أكبر على منطقتي سيدني الكبرى (42%) وملبورن الكبرى (31%).
تصاعد الإسلاموفوبيا بعد 7 أكتوبر بشكل مطّرد
في سبتمبر الماضي، أصدر المبعوث الخاص الأسترالي لمكافحة الإسلاموفوبيا، أفتاب مالك، تقريرًا حذر من تفشّي مشاعر العداء تجاه المسلمين في البلاد، واصفًا إياها بأنها "واسعة الانتشار، وفي أحيان كثيرة مرعبة".
وأشار الأخير إلى أن هذه الظاهرة كانت موجودة قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، لكنها شهدت تصاعدًا واضحًا بعد هجمات القاعدة، خاصة مع "تكرار ربط الإعلام الإسلام بالعنف والتطرّف" وما أسفر عنه من تنميط إعلامي لصورة المُسلم .
وأكد التقرير أن الحرب الإسرائيلية على غزة زادت مستويات الكراهية إلى حد غير مسبوق، مستهدفة النساء بشكل خاص، وتحديدًا المحجبات باعتبار الحجاب "علامة مرئية على الانتماء الإسلامي". وأظهر التقرير أن 92٪ من ضحايا الإسلاموفوبيا يعانون آثارًا نفسية طويلة الأمد، تشمل القلق والاكتئاب والخوف المستمر.
كما كشفت الدراسات أيضًا أن واحدًا من كل ثلاثة أستراليين يحمل آراء سلبية تجاه المسلمين، بارتفاع عن نسبة 27٪ في العام السابق. واعتبر مالك أن هذه المواقف تُحدث "ضغطًا نفسيًا مستمرًا قد يقود إلى القلق والاكتئاب وأفكار انتحارية لدى العديد من الضحايا".
وبحسب التقرير الخامس عن الإسلاموفوبيا في أستراليا، فإن التعرض للاعتداءات الجسدية، والمضايقات اللفظية، والبصق على الأشخاص، وتهديدات بالاغتصاب – قد تضاعف أكثر من مرتين خلال العامين الماضيين، مع تحمّل الفتيات والنساء الجزء الأكبر منها.
وقد وقعت ما بين يناير 2023 وديسمبر 2024، 309 حوادث من هذا النوع، أي بزيادة تزيد على 2.5 مرة مقارنة بالفترة السابقة. كما تضاعفت الحوادث المؤكدة عبر الإنترنت لتصل إلى 366 حادثة.
تضييقيات محتملة
ومع تبعات هجوم سيدني الكاملة لم تتضح بعد، إلا أنه يُعتقد أن ذلك قد يسهم في زيادة التنميط عبر وسائل الإعلام أو المراقبة الأمنية للجاليات المسلمة، بما يزيد من احتمال تعرض أفرادها لتعليقات مسيئة أو مضايقات في الأماكن العامة والمدارس وأماكن العمل.
كما يمكن للسلطات أن تعمد، تحت الضغط، إلى فرض رقابة مشددة أو قيود أمنية على المساجد والمراكز الإسلامية، خاصة وأن التحقيقات مستمرة باحتمال ارتباط المنفذين بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأن المسلح الأصغر سنًا، كان قد لفت نظر السلطات عام 2019، واعتبرت أنه "لا يشكل تهديدًا"، ما قد يدفعها لإعادة النظر في وجود ثغرة أمنية معينة.
ألبانيزي: لا علاقة بين اعتراف سبتمبر وهجوم سيدني
وبالرغم من نمو المشاعر المعادية للعرب والمسلمين عمومًا في البلاد، كانت أستراليا واحدة من الدول التي شهدت تظاهرات غفيرة دعمًا لغزة، وقد عمدت الحكومة إلى الاعتراف بقيام دولة فلسطينية في سبتمبر الماضي خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد أذكت تلك الخطوة التوتر بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره الأسترالي أنتوني ألبانيزي، الذي وصف الأخير بأنه "سياسي ضعيف خان إسرائيل وتخلى عن يهود أستراليا".
وبعد الهجوم، عمد نتنياهو إلى الربط بين الحادثين واتهم الحكومة الأسترالية باتباع سياسات "تغذي معاداة السامية"، بينما رفض نظيره الإدعاء، مشددًا على أنه لا يوجد أي ارتباط بين اعتراف أستراليا بالدولة الفلسطينية والهجوم، ومؤكدًا أن واجبه هو "توحيد المجتمع الأسترالي واحتضان الجالية اليهودية بأكملها في هذه المرحلة الصعبة".