ترى إسرائيل أن ضبط النفس لدى حزب الله لن يصمد في حال اندلاع مواجهة شاملة، إذ تتوقع ردًا يتمثل في رشقات منسّقة تضم مئات الصواريخ والقذائف والطائرات المسيّرة.
تناول تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية قراءة استخباراتية موسعة حول واقع حزب الله في المرحلة الراهنة ، مع التركيز على شبكة الأنفاق التي يعمل الحزب على تطويرها في الضاحية الجنوبية، والصعوبات التي يواجهها في التمدد خارجها نتيجة رفض السكان تأجير شقق له خشية استهدافها بغارات إسرائيلية.
كما يرصد التقرير طبيعة رد فعل حزب الله عقب اغتيال قائده العسكري هيثم علي طباطبائي، وما تعتبره إسرائيل تراجعًا في مكانته الاجتماعية والسياسية وتحوّل قسم من الشارع الشيعي نحو حركة أمل.
ويتناول التقرير أيضًا رؤية المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لاحتمالات المواجهة المقبلة، ومستقبل الحزب بعد سلسلة اغتيالات استهدفت قياداته، بما فيها اغتيال حسن نصرالله.
شبكة أنفاق محدودة في الضاحية الجنوبية
بحسب التقرير، تقول التقديرات الإسرائيلية إن شبكة حزب الله تحت الأرض في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت ليست عميقة ولا واسعة كما هو الحال في غزة، ويرجع ذلك إلى نوع التربة الذي يفرض تحديات هندسية على الحزب. ومع ذلك، تعتقد الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن الحزب سيحاول إخفاء معظم أصوله الاستراتيجية في أنفاق ومخابئ تحت المباني السكنية في الضاحية ذات الغالبية الشيعية في جنوب بيروت.
تفيد المعلومات المنشورة بأن مسؤولين في الاستخبارات الإسرائيلية تفاجأوا مؤخرًا عندما علموا بأن مدنيين لبنانيين في العاصمة قد رفضوا مرارًا طلبات حزب الله لاستئجار شقق خارج الضاحية، خوفًا من استهداف تلك العقارات بضربات جوية إسرائيلية.
اختبار مبكر: اغتيال هيثم علي طباطبائي
يذكر التقرير أن معاينة أولية لعملية إسرائيلية محتملة في لبنان ظهرت الشهر الماضي مع اغتيال القائد العسكري الأعلى في حزب الله، هيثم علي طباطبائي. ورغم ذلك، اختار حزب الله الاستمرار في ضبط النفس، وامتنع حتى عن إطلاق قذيفة هاون واحدة ردًا على قتل قائده العسكري، في سياسة احتواء كانت في سنوات ماضية أكثر نموذجية لدى إسرائيل، لكنها الآن تظهر من جانب الحزب نفسه.
توقعات إسرائيلية لجولة واسعة
وفق التقرير، ترى إسرائيل أن ضبط النفس هذا غير مرجح في حال اندلاع مواجهة شاملة، إذ تتوقع القوات الإسرائيلية أن يرد حزب الله برشقات منسقة من مئات الصواريخ والقذائف الصاروخية والطائرات المسيّرة المفخخة والمسيرات الهجومية على مدى عدة أيام.
آلية تهدئة مشتركة بين إسرائيل ولبنان
يشير التقرير إلى أن أي صراع مقبل مع حزب الله من المتوقع أن يتضمن آلية خفض تصعيد مدمجة عبر مركز قيادة مشترك تم إنشاؤه خلال العام الماضي، ويضم ضباطًا أميركيين ولبنانيين، مع تقسيم العمليات بين بيروت ومقر قيادة المنطقة الشمالية للجيش الإسرائيلي في صفد.
ومع ذلك، يؤكد التقرير أن أي عملية إسرائيلية واسعة تعتمد على موافقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما يجعل تنفيذها قبل الزيارة المقررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض هذا الشهر أمرًا غير مرجح.
أولوية حزب الله: تجنب الحرب والتركيز على الداخل
يقول التقرير إن مسؤولي الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية يعتقدون أن حزب الله يفضل حاليًا تحمل الضربات الجوية الإسرائيلية شبه اليومية بدلاً من التصعيد، مفضلًا التركيز على صراعات داخلية يعتبرها أكثر قدرة على السيطرة.
وبحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، فقد تراجع وضع الحزب كحركة سياسية ومدنية خلال العام الماضي، مع معاناة في دفع الإيجارات لعشرات الآلاف من النازحين داخليًا الذين بقوا بلا مأوى بعد العمليات البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان.
"تحولات" داخل البيئة الشيعية اللبنانية
ينقل التقرير عن مسؤولين في الاستخبارات الإسرائيلية قولهم: "نرى المزيد والمزيد من المؤيدين الشيعة يحولون ولاءهم إلى حركة أمل". ويضيفون: "يفشل حزب الله في دعم آلاف العائلات الثكلى والجرحى. ومع ذلك، من الناحية العسكرية، يبقى الحزب أقوى من الجيش اللبناني. عندما يتغير ذلك، سنعرف أن الموجة قد انقلبت".
استعداد لمواجهة مقبلة
يقول التقرير إن حزب الله سيواصل إعادة بناء قوته إلى حد كبير من خلال التصنيع المحلي وتحويل صواريخه الموجودة إلى صواريخ موجهة دقيقة. وينقل عن مسؤول إسرائيلي قوله: "سيتعين علينا الاستمرار في مواجهته بأي ثمن. ومع تزايد الحديث عن نزع سلاح حزب الله وتحرك أي جهد نحو القوة، فمن المرجح أن يصبح الحزب أكثر عدوانية. الحزب لن يتخلى عن سلاحه طوعًا، والجيش اللبناني يحافظ على موقف محايد".
عامل الانتخابات اللبنانية ودور نعيم قاسم
يتناول التقرير جانبًا سياسيًا يتعلق بالانتخابات البرلمانية المقررة في أيار في لبنان، ويقول إن الأمين العام الحالي للحزب، نعيم قاسم (72 عامًا)، مهتم أكثر باستعادة الشرعية السياسية والوحدة الداخلية، بدلًا من الدخول في حرب جديدة.
وينقل التقرير عن أحد المسؤولين قوله :"يفتقر قاسم إلى الكاريزما التي كان يتمتع بها حسن نصرالله ذات يوم، ونتيجة لذلك هناك أمل قليل بين السكان الشيعة في لبنان. المزيد الآن يتحولون نحو أمل". ويضيف التقرير أن الحركات الشيعية ليست مجرد تنظيمات عسكرية بل تقدم خدمات اجتماعية وتعليمية واسعة.
العمل الاستخباراتي خلف اغتيال حسن نصرالله
يوضح التقرير أن ضابطين كبيرين في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المقدم س، رئيس فرع الاستهداف في شعبة البحث، والمقدم أ، رئيس الفرع السياسي والاستراتيجي، قد وضعا خريطة طريق مفصلة للفترة التي تسبق وتلي القضاء على حسن نصرالله.
ويقول التقرير إن هذه التحليلات توجه اليوم كبار صناع القرار العسكري والسياسي في إسرائيل، مع أسئلة حول ما إذا كان إضعاف حزب الله أكثر يستحق التعرض لنيران صاروخية على حيفا ووقف النشاط في شمال إسرائيل.
وينقل التقرير عن المقدم س قوله إن حزب الله يمتلك عشرات المخابئ والأصول الحساسة المنتشرة عبر بيروت، وأن فرقه أمضت سنوات في تتبع مكان اختباء نصرالله داخل شبكة أنفاق وممرات تحت الأبنية السكنية، واصفًا المهمة بأنها "متاهة حقيقية".
تفاصيل عملية اغتيال نصرالله
يذكر التقرير أن العملية التي استهدفت نصرالله اعتمدت على معلومات من ضابطة شابة في استخبارات الإشارة تُدعى الرقيب ن، كانت مسؤولة عن مراقبة أحد المخابئ المحتملة التي استخدمها نصرالله.
وتقول المعلومات إنها درست المنشأة تحت الأرض على عمق يتراوح بين 20 و30 مترًا لأسابيع، وحددت نقاط الدخول التي استهدفتها الطائرات الإسرائيلية بـ83 قنبلة لضمان القضاء عليه وعلى قيادته العسكرية العليا.
وينقل التقرير أن المقدم س قدم نتائجها في إحاطة رفيعة للقيادات العليا، وقال: "كنت مستعدًا لوضع رتبتي على المحك إذا فشلت العملية".
يوضح التقرير أن العملية التي حملت اسم "النظام الجديد" أدت إلى مقتل 30 عنصرًا من حزب الله بينهم قادة كبار، إضافة إلى مقتل 40 مدنيًا. ويصف مسؤولون عسكريون في إسرائيل الخسائر المدنية بأنها "ثمن جانبي مقبول".
صورة الحزب بعد نصرالله
يختتم التقرير بأن حزب الله اليوم منظمة مردوعة لكنها غير مهزومة، رغم فقدان عدد كبير من قادته، ورغم تراجع خبرته القتالية. لكنه ما يزال يمتلك ترسانة كبيرة وعشرات الآلاف من المقاتلين.
وتقول الاستخبارات الإسرائيلية إن إيران ستزيد دعمها السنوي لإعادة إعمار حزب الله من 700 مليون دولار إلى مبلغ أكبر، وإن قيادة الصف الثاني تتولى الآن إدارة الحزب، ما "يغير الديناميكية الداخلية".