بدأت، يوم الاثنين، محاكمة الناشطة التونسية المناهضة للعنصرية سعدية مصباح، بعد أكثر من عام ونصف على توقيفها، في قضية أثارت جدلًا حقوقيًا وقانونيًا واسعًا، وسط نفي الجمعية لأي شبهات تمويل مشبوهة.
مصباح، البالغة من العمر 65 عامًا، هي رئيسة جمعية منامتي، وقد أُوقفت في أيار/ مايو 2024 ضمن تحقيقات قالت وسائل إعلام إنها مرتبطة بأنشطة الجمعية ومصادر تمويلها.
وفي بيان صدر الأحد، شددت جمعية "منامتي" على أن عملها يتم ضمن الأطر القانونية، نافية أي اتهامات بتلقي تمويل من مصادر مشبوهة.
وأشارت إلى أن التحقيقات جاءت في سياق حملة على وسائل التواصل الاجتماعي استهدفت ناشطين في مجال حقوق الإنسان، وسعت، وفق البيان، إلى ربط العمل الحقوقي بنظريات مؤامرة واتهامات تتعلق بما يُسمى "الاستبدال الديموغرافي".
التهم والدفاع والجدل القانوني
تواجه مصباح تهمًا تشمل الإثراء غير المشروع، الذي تصل عقوبته إلى السجن ست سنوات، وغسل الأموال الذي قد تصل عقوبته إلى عشر سنوات، وفق ما صرحت به محاميتها لوكالة الأنباء الفرنسية. ووفق لائحة الاتهام، ترتبط تهمة غسل الأموال باستغلال تسهيلات قُدمت في سياق الأنشطة الاجتماعية للجمعية.
من جهتها، قالت محامية مصباح، منية العابد، إن موكلتها تعاني أمراضًا مزمنة ولا تشكل أي تهديد، مطالبة بالإفراج عنها بكفالة مع ضمان حضورها الجلسات المقبلة. كما أشار محامٍ آخر من فريق الدفاع إلى أن مصباح تجاوزت المدة القانونية القصوى للحبس الاحتياطي قبل المحاكمة، والمحددة بـ 14 شهرًا.
وخلال جلسة المحاكمة، طلب وكلاء الدفاع رسميًا تأجيل النظر في القضية، في خطوة إجرائية جاءت على خلفية الجدل القانوني المتواصل حول هذا التجاوز وما قد ينطوي عليه من انتهاك محتمل لحقوق المتهمة.
تزامنًا مع انعقاد أولى جلسات محاكمة رئيسة جمعية "منامتي" سعدية مصباح، وبعد أكثر من 19 شهرًا على توقيفها، نُظّمت قفة تضامنية دعمًا لها، في خطوة رمزية عبّر من خلالها متضامنون وناشطون عن مساندتهم، بالتوازي مع استمرار الجدل الحقوقي والقانوني المحيط بالقضية.
صوت حقوقي بارز
قبل انخراطها في العمل الحقوقي، كانت مصباح تعمل كمضيفة طيران، ثم كرّست لاحقًا مسيرتها للدفاع عن حقوق الأقليات ومناهضة التمييز العنصري في تونس، ما منحها حضورًا عامًا بارزًا في الفضاء الحقوقي.
وكانت من أبرز المدافعين عن حقوق المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، خصوصًا بعد خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد عام 2023، الذي وصف فيه "جحافل من المهاجرين غير القانونيين" كتهديد ديموغرافي. كما لعبت دورًا أساسيًا في الدفع نحو إقرار قانون يجرّم التمييز العنصري، والذي تم اعتماده عام 2018.
تضييق متصاعد على الحريات
يأتي هذا الملف في سياق واقع هجرة شديد التعقيد، إذ تشكّل تونس نقطة عبور رئيسية لآلاف المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، الذين يحاولون سنويًا الوصول إلى أوروبا عبر البحر بطرق غير نظامية. هذا الواقع وضع عمل المنظمات الحقوقية والإنسانية في صلب سجال سياسي وأمني متصاعد، خصوصًا مع تزايد الضغوط الرسمية المرتبطة بملف الهجرة غير النظامية.
ويتقاطع هذا السجال مع مناخ سياسي متوتر تشهده البلاد منذ 25 تموز/ يوليو 2021، عندما أعلن الرئيس التونسي اتخاذ "تدابير استثنائية" منحته صلاحيات تنفيذية وتشريعية واسعة، وهي خطوة رافقتها انتقادات متزايدة من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني بشأن تراجع الحقوق والحريات، في بلد كان يُنظر إليه بوصفه شرارة "الربيع العربي".
ولا تُعد محاكمة سعدية مصباح حالة معزولة، إذ تُسجَّل في الفترة الأخيرة ملاحقات قضائية بحق عدد من العاملين في المجال الإنساني في تونس، على خلفية اتهامات تتعلق بتقديم المساعدة لمهاجرين غير نظاميين، ما يعمّق الجدل حول حدود العمل الحقوقي ومستقبل الحريات العامة في البلاد.