قال الجنرال الفرنسي فابيان ماندون إن الدول الأوروبية "قد تضطر مستقبلًا إلى قبول خسائر بشرية من أجل حماية هويتها وسيادتها".
يواجه الاتحاد الأوروبي وحلفاؤه تحذيرًا صريحا مفاده أن خطر الحرب "أصبح حقيقيًا" مرة أخرى، في ظل تصاعد نفوذ روسيا العسكري.
وفي مؤتمر عُقد مؤخرًا في لندن، أكد الخبراء العسكريون والباحثون ومسؤولو الناتو، أن القارة الأوروبية ليست مستعدة لأي صراع محتمل في السنوات القادمة.
وقال الخبراء إن السبيل الوحيد لضمان الأمن هو أن تكون القارة مستعدة للفوز إذا اندلعت الحرب.
الحرب الهجينة
يشير خبراء الدفاع إلى أن روسيا تشن بالفعل حربًا هجينة على الغرب، عبر عمليات تخريبية وحملات تضليل مستمرة. وتشمل الأدلة التوغلات المتكررة للطائرات الروسية والطائرات دون طيار في المجال الجوي لدول الناتو، وتشويش أنظمة GPS في دول البلطيق، إضافةً إلى هجمات تخريبية على البنية التحتية الحيوية في عدة دول تم ربطها بالأجهزة الاستخباراتية الروسية، رغم إنكار موسكو المتواصل لأي تورط.
وقال سام غرين، أستاذ السياسة الروسية في كلية كينجز بلندن: "لقد غيّرت هذه الهجمات بالفعل وجهات نظر الكثيرين في أوروبا، حتى لو تردد بعض السياسيين في تسميتها صراحةً حربًا هجينة.. الناس أصبحوا متخوفين، خصوصًا مع زيادة وضوح هذه الهجمات.. هناك شعور متصاعد بأن الأمر قد يكون مجرد مسألة وقت قبل أن تتسبب إحداها في حادث كبير."
مخاوف دول البلطيق تتصاعد
رغم أن روسيا لم تشن أي هجمات مباشرة ضد حلفاء الناتو في أوروبا حتى الآن، يرى الخبراء أن السبب جزئيًا يعود إلى محدودية قدراتها الحالية على هزيمة الحلف، إلا أن المؤشرات الأخيرة تثير المخاوف بشأن المستقبل.
وفي السياق، حذر أمين عام الناتو، مارك روته، في وقت سابق هذا العام من أن روسيا قد تكون مستعدة لاستخدام القوة العسكرية ضد الحلف خلال السنوات الخمس المقبلة. وكرر وزير الخارجية الألماني، يوهان فادهفول، هذا التحذير الشهر الماضي، مؤكدًا أن استخبارات بلاده ترى أن موسكو "تحتفظ على الأقل بخيار الحرب ضد الناتو بحلول عام 2029 كحد أقصى."
في المقابل، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بلاده لا تخطط لشن حرب ضد أوروبا، لكنه شدد: "إذا قررت أوروبا فجأة خوض الحرب وبدأت بها، فنحن مستعدون على الفور."
وبحسب تقديرات دول البلطيق، قد يشهد الحلفاء الأوروبيون هجومًا محتملًا خلال ثلاث سنوات، فيما أظهرت دراسات بجامعة هارفارد أن أكثر السنوات التي يركز عليها الخبراء في تقييم جاهزية روسيا للحرب ضد الناتو هي 2027 و2028.
أوروبا تستيقظ بعد عقود من السلام
قضت العديد من عواصم أوروبا العقود الماضية وهي بالكاد تفكر في الدفاع، إذ لم تشهد القارة صراعات عسكرية مباشرة منذ عام 1945، ما وفر أطول فترة سلام مستمر منذ قرون.
واستفادت أوروبا خلال العقود الماضية من "عائد السلام"، إذ ركزت الحكومات على الرفاه الاجتماعي بدل الإنفاق العسكري. لكن تغيرات السياسة الأمريكية والغزو الروسي لأوكرانيا قلبت هذا الوضع، ما دفع أغلب الدول الأوروبية إلى رفع ميزانيات الدفاع.
ووفق بيانات الناتو، فإن 31 من أصل 32 عضوًا يخططون للوصول إلى إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. ووافق أعضاء الناتو في يونيو على رفع الهدف إلى 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2035، لكن العديد من المحللين يشككون في إمكانية تحقيق ذلك نظرًا للضغوط المالية على معظم الدول الأوروبية.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الأوروبيين قلقون بشأن مستقبل الأمن القومي، لكن استعدادهم لتقديم التضحيات يختلف بحسب الثقة في المؤسسات الوطنية. ففي دول مثل السويد وفنلندا، حيث يحظى المواطنون بثقة عالية في الدولة، يُنظر إلى المشاركة في الدفاع الوطني كواجب جماعي، بينما في دول أخرى مثل المملكة المتحدة، يبقى الأمر أكثر صعوبة.
ويؤكد خبراء الدفاع أن أوروبا بحاجة إلى استثمار عاجل في القوات المسلحة، البنية التحتية، الدفاع المدني، والصحة العامة، لتتمكن من الانتقال بسرعة إلى حالة الطوارئ في حال اندلاع أي صراع. كما حذروا من أن التأخر في التحرك قد يجعل أوروبا غير جاهزة في الوقت الذي قد يتطلبه التصعيد الروسي المحتمل.
وأشار الجنرال الفرنسي فابيان ماندون إلى أن الدول الأوروبية قد تضطر في المستقبل لقبول خسائر بشرية من أجل حماية هويتها وسيادتها.