إستعانة الكُتّاب ب"مدققي الحساسيات" وسوق الرقابة الجديدة

مكتبة عامة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة
مكتبة عامة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة Copyright Michael Macor/San Francisco Chronicle via AP
Copyright Michael Macor/San Francisco Chronicle via AP
بقلم:  يورونيوز
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button

تعرّض "مدققو الحساسيات" للانتقاد في الآونة الأخيرة مع الإعلان عن أن كتب رولد دال وإيان فليمنغ - مؤلف جيمس بوند - أعيد أو سيعاد إصدارها مع تعديلات تأخذ في الاعتبار الحساسيات الراهنة. ففي مؤلفات دال، لم تعد بعض الشخصيات مثلاً "بدينة" أو "مجنونة.

اعلان

بين سطور مخطوطات الكتب، قبل نشرها، لا يبحث "مدققو الحساسيات" (sensitivity readers) الذين راجت الاستعانة بهم مؤخراً عن أخطاء القواعد ليصححوها، ولا يكترثون بتحسين الأسلوب، بل ينبّهون المؤلفين إلى أي صور نمطية أو إساءات ثقافية لفئات معينة قد تتضمنها نصوصهم، ويثير عمل هذا النوع الجديد من المراجعين حفيظة بعض الكتّاب، وترحيب آخرين يحرصون على التناغم مع العصر.

والواقع أن هؤلاء المدققين ظهروا قبل بضع سنوات في الوسط الأدبي الأنكلو-ساكسوني، لكنّ مهمتهم كانت محصورة بأدب الصغار والشباب، إلا أن الحال لم تعد على هذا النحو.

وتعرّض "مدققو الحساسيات" للانتقاد في الآونة الأخيرة مع الإعلان عن أن كتب رولد دال وإيان فليمنغ (مؤلف جيمس بوند ) أعيد أو سيعاد إصدارها مع تعديلات تأخذ في الاعتبار الحساسيات الراهنة. ففي مؤلفات دال، لم تعد بعض الشخصيات مثلاً "بدينة" أو "مجنونة"، أما في كتب فليمنغ، فتتعلق التغييرات بالوصف الذي يُعتبر عنصرياً لشخصيات سوداء.

وسرعان ما أثيرت اتهامات بالرقابة، وجهها بعض الذين يبدون خشيتهم من أن يصبح الأدب مُعقماً، يسعى إلى تجميل الماضي والحاضر على السواء.

لكنّ "مدقِقة الحساسيات" المقيمة في لوس أنجلوس باتريس وليامس ماركس رأت في حديث لوكالة فرانس برس أن أصحاب هذه الاتهامات "لا يفهمون العملية".

وشرحت قائلةً "إذا كنتم تكتبون عن شعب أو عن فئة لا تعرفونها جيداً، وتريدون أن يكون ما تكتبونه حقيقياً، تستعينون بمدقِق حساسيات ينتمي إلى هذا الفئة وتطلبون رأيه".

أما زميلتها لولا إيزابيل غونزاليس المقيمة أيضاً في لوس أنجلوس فتوضح أنها تقول دائماً للكتّاب "إنهم ليسوا ملزمين بقبول التعديلات" التي تقترحها.

رقابة جديدة

غالباً ما يكون "مدققو الحساسيات" هؤلاء من العاملين لحسابهم الخاص، يستعين بهم كتّاب أو دور نشر حريصة على دقة الأوصاف في نصوصها، ويتقاضون أتعابهم (الزهيدة عموماً) تبعاً لعدد الكلمات أو الصفحات التي يراجعونها، مع تعهدات بالحفاظ على سرية النصوص.

كذلك يستعان بخدماتهم، بحسب ما يلاحظ منتقدو هذا التوجه، تجنباً لعواقب وخيمة قد تنجم عن ضجة على شبكات التواصل الاجتماعي بسبب خطأ أو خطوة ناقصة.

وللمدققين تخصصات تختلف باختلاف أصلهم أو دينهم أو خبرتهم، فقد يكون الواحد منهم "ابن مهاجرين" أو "ثنائي الميول الجنسية" أو "متوحداً" أو "محجبة" أو "أصمّاً" أو "خبيراً في ثقافتي الصين وهونغ كونغ"، أو سوى ذلك.

ورغم إقرار المعلمة والمؤلفة البريطانية كيت كلانشي بأن "ثمة أسباباً وجيهة لتنظيم كتب الأطفال"، يختلف موقفها في ما يتعلق بالبالغين، فالكاتبة التي أحيلت مذكراتها على "مدققي حساسيات" بعد نشرها لانطوائها في نظر البعض على عنصرية وتمييز تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، ترى أن البالغين "يستطيعون أن يقرروا صرف النظر عن إكمال قراءة كتاب ما إذا أزعجهم".

أما الكاتبة الأميركية ليونيل شرايفر التي تُعدّ من أشدّ منتقدي المصححين، فتصفهم بأنهم "شرطة حساسيات"، فتعتبر أن ن "القلق المستمر من فكرة إيذاء مشاعر الآخرين يثبط العفوية ويثقل الإبداع الأدبي"، على ما صرّحت لصحيفة "ذي غارديان" عام 2017. وتتهم شرايفر الناشرين في حديث لمحطة "جي بي نيوز" البريطانية المحافظة جداً بـأنهم "يقومون بعمل جيد جداً في محاولة إفساد كتبنا ومتعتنا كقراء".

وفي فرنسا التي تُبدي نحفظاً عن هذا النوع من التدقيق، يندد الكاتب رافاييل إنتوفن في حديث أدلى عام 2020 بهؤلاء "الرقباء الحديثين" باعتبارها "طليعة وباء الهوية".

تقدّم ثقافي؟

إلا أن ثمة مؤلفين يفضّلون الاستعانة بالمدققين، بدافع التعبير عن الواقع ومكافحة العنصرية، ومنهم الأميركية أديل هولمز التي بادرت إلى طلب خدمات باتريس وليامس ماركس للتدقيق في كتابها الأول "وينترز ريكونينغ" (Winter's Reckoning) عام 2022.

وقد رصدت الأخيرة "نقاطاً تتعلق بامتياز البيض ودور المنقذ الأبيض". وبالنسبة لشخصية امرأة سوداء وصفت بأنها ذات شعر "حريريّ"، اقترحت على الكاتبة استخدام كلمة "مجعد" بدلاً من ذلك توخياً للواقعية.

وتقول أديل هولمز إن المدققة ساعدتها كثيراً. أما بالنسبة للانتقادات، فترى أنها تأتي من أشخاص يشعرون بأن مطالب الأقليات تشكّل "خطراً" عليهم في عالم النشر الذي يشكّل البيض غالبيته. 

اعلان

وتلاحظ لولا إيزابيل غونزاليس أن صعود "مدققي الحساسيات" يعكس تطور جزء من المجتمع، وتقول: "أعتقد أنني ما كنت لأستطيع القيام بهذه المهمة في زمن آخر"، وهي ترى أن "الأجيال الشابة تدرك أهمية التدقيق في الحساسيات في حين تواجه الأجيال الأكبر سنّاً ربما صعوبة في رؤيتها على أنها تقدم ثقافي".

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

بسبب ممثلة إباحية.. هل يصبح ترامب أول رئيس أميركي يتم اعتقاله؟

فريق أركيولوجي دولي يقتفي الآثار اليهودية في "واحة أقا" المغربية

بعد تحذيرات من "كارثة قومية".. نتنياهو يتجه لـ"حل وسط" في خطة تعديل نظام القضاء