رغم الآمال الكبيرة التي عُلّقت عليها للحد من الاحتباس الحراري، تكشف دراسة جديدة أن التعويضات الكربونية فشلت في تحقيق هدفها بسبب "مشكلات نظامية مستعصية" لا يمكن للتغييرات التدريجية إصلاحها، مشيرةً إلى أن هذه الآلية لم تكن سوى وسيلة لـ"تجميل صورة الملوّثين".
قال ستيفن ليزاك، الباحث في جامعة أوكسفورد والمشارك في إعداد الدراسة المنشورة في مجلة "Annual Reviews": " ينبغي الكفّ عن التعويل على قدرة آلية التعويض الكربوني على تحقيق نتائج واسعة النطاق. درسنا معطيات تمتد على مدى 25 عامًا، وتبيّن أن معظم الجهود حتى الآن باءت بالفشل".
مشكلات بنيوية عميقة
ترى الدراسة أن فشل التعويضات الكربونية يعود إلى مشكلات متجذرة في بنية النظام نفسه، فقد كشفت أبحاث متعددة عن صعوبات مستعصية جعلت الاعتمادات الكربونية في معظم البرامج الكبرى منخفضة الجودة. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها القطاع الخاص والدبلوماسيون لتحسين النظام، فإن القواعد التي تم اعتمادها في قمة المناخ الأخيرة للأمم المتحدة لم تعالج جوهر المشكلة.
التعويضات الكربونية، نظريًا، صُمّمت لتقليل الانبعاثات عبر منح الشركات الملوِّثة اعتمادات مقابل تمويلها مشاريع مناخية منخفضة التكلفة في الخارج، فيما تواصل ضخ الكمية نفسها من الغازات المسببة للاحتباس الحراري في بلدانها. غير أن هذه الآلية، في الواقع، أسهمت في خلق أسواق طوعية تعج بما يُعرف بـ"التعويضات الوهمية" التي تبالغ في تقدير أثرها المناخي.
اعتمادات وهمية ومشاريع مثيرة للجدل
تسلّط الدراسة الضوء على أمثلة لمشاريع ساهمت في تضخيم حجم الانخفاضات المعلن عنها، مثل إصدار اعتمادات إضافية لمزارع رياح كانت ستُنشأ أصلًا، أو لمشاريع غير دائمة مثل زراعة الأشجار التي قد تحترق لاحقًا. كما تشمل المشكلات ظواهر "التسريب" الناتجة عن حماية جزء من غابة مقابل نقل أعمال القطع إلى منطقة أخرى.
وحذّرت الورقة البحثية قائلة إن التعويض قد يبدو فعّالًا من عدة نواحٍ، "لكن إذا افتقر إلى بُعد واحد من بين أربعة أبعاد أساسية، فقد يمثّل خفضًا في الانبعاثات أقل بكثير مما يُنسب إليه أو ربما لا خفضًا حقيقيًا على الإطلاق".
وأكدت دراسة تحليلية نُشرت في مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" العام الماضي أن أقل من 16% من الاعتمادات الكربونية التي خضعت للتحقيق أظهرت بالفعل انخفاضًا حقيقيًا في انبعاثات الغازات الدفيئة.
محاولات للإصلاح.. وبدائل مقترحة
في مواجهة الثغرات، أطلقت مبادرات يقودها القطاع مثل "مجلس النزاهة لسوق الكربون الطوعي" (ICVCM) جهودًا لتصفية السوق، عبر اعتماد برامج تفي بمتطلبات علمية صارمة، فيما توفّر وكالات تصنيف متخصصة معلومات للمشترين حول مدى موثوقية التعويضات المطروحة.
ودعا معدّو الدراسة إلى وقف فوري لأي تعويضات لا تمتص فعليًا ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وتحويل التركيز إلى مشاريع عالية الجودة لإزالة الكربون وتخزينه. كما اقترحوا اعتماد نظام قائم على المساهمات، بحيث لا يُسمح للجهات المانحة بالادعاء أن تبرعاتها تعوّض انبعاثاتها الخاصة. وأشار الباحثون إلى إمكانية إصلاح بعض أنواع المشاريع، مثل توزيع مواقد طهي أنظف أو التقاط الغاز من مواقع الطمر.