رغم الشعبية العالمية الكبيرة للقهوة، التي تجاوز استهلاكها 10 مليارات كيلوغرام خلال عامي 2021/2022، يؤكد الباحثون أن تجاوز الكميات الموصى بها قد ينعكس سلبًا على الصحة.
أشارت دراسة نُشرت في مجلة BMJ Mental Health إلى أن شرب ما بين ثلاثة وأربعة أكواب من القهوة يوميًا قد يبطئ من وتيرة الشيخوخة البيولوجية لدى الأشخاص المصابين بأمراض نفسية، عبر إطالة التيلوميرات. ووفق الباحثين، فإن هذا التأثير يُعادل خمس سنوات عمرية بيولوجية إضافية مقارنة بغير شاربي القهوة.
وتتزامن الدراسة مع توصيات العديد من الهيئات الصحية العالمية، مثل هيئة الخدمات الصحية البريطانية وإدارة الغذاء والدواء الأميركية بعدم تجاوز أربعة أكواب من القهوة يوميًا، وهي الكمية نفسها التي رُصدت عندها الفوائد الصحية في الدراسة.
التيلوميرات والاضطرابات النفسية
التيلوميرات هي أغلفة واقية تقع في نهاية الكروموسومات، وتعمل بطريقة مشابهة للأطراف البلاستيكية التي تحمي أربطة الأحذية من التمزق.
ورغم أن قصر التيلوميرات يحدث طبيعيًا مع التقدّم في العمر، إلا أن الدراسات تشير إلى أن هذا التدهور يحدث بوتيرة أسرع لدى المصابين بأمراض نفسية كبرى، مثل الفصام، الاضطراب ثنائي القطب، والذهان.
واعتمد الباحثون على بيانات 436 مشاركًا من دراسة نرويجية طويلة المدى حول الذهان بين عامي 2007 و2018. وكان 259 منهم مصابين بالفصام، بينما شملت البقية حالات من الاضطرابات، بما في ذلك الاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب الشديد المصحوب بأعراض ذهانية.
وسُئل المشاركون عن كمية القهوة التي يستهلكونها يوميًا، وقُسموا على أساس ذلك إلى أربع مجموعات: من لا يشربون القهوة، ومن يشربون كوبًا إلى كوبين يوميًا، ومن يشربون ثلاثة إلى أربعة أكواب، وأخيرًا من يشربون خمسة أكواب فأكثر.
كما جُمعت معلومات حول التدخين، نظرًا لأنه يؤثر على سرعة استقلاب الكافيين في الجسم.
النتائج
أظهرت قياسات التيلوميرات المستخرجة من خلايا الدم البيضاء وجود اختلافات ملحوظة بين المجموعات، في منحنى يشبه حرف J. فقد وُجد أن شرب حتى أربعة أكواب يوميًا يرتبط بطول أكبر للتيلوميرات، بينما لم تظهر أي فائدة إضافية لدى من يشربون خمسة أكواب فأكثر.
ولاحظ الباحثون أن من يشربون أربعة أكواب يوميًا امتلكوا تيلوميرات تعادل عمرًا بيولوجيًا أصغر بخمس سنوات مقارنة بغير شاربي القهوة، حتى بعد ضبط عوامل مثل العمر والجنس والتدخين ونوع الاضطراب والعلاجات الدوائية.
"القهوة مفيدة ضمن الحد المسموح"
كشف الباحثون أن 77% من المشاركين كانوا مدخنين لمدة متوسطها تسع سنوات، وهو ما يؤثر على سرعة تكسير الجسم للكافيين. كما كان الأكثر استهلاكًا للقهوة هم الأكثر تدخينًا أيضًا.
ورغم ذلك، بقيت العلاقة بين استهلاك معتدل للقهوة وطول التيلوميرات ثابتة بعد احتساب هذا العامل.
وكونها دراسة رصدية، لا يمكن الجزم بوجود علاقة سببية مباشرة بين القهوة وإبطاء الشيخوخة البيولوجية. كما لم تتوفر معلومات كافية حول نوع القهوة، طريقة تحضيرها، أو مستويات الكافيين الفعلية.
لكن الباحثين يرجحون أن مضادات الأكسدة والمركّبات المضادة للالتهاب الموجودة في القهوة قد تحمي التيلوميرات من التلف الناتج عن الإجهاد التأكسدي والالتهاب.
ورغم الشعبية العالمية الكبيرة للقهوة، التي وصل استهلاكها إلى أكثر من 10 مليارات كيلوغرام في عامي 2021/2022، يشدد الباحثون على أن تجاوز الحد الموصى به قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
ويُحذّر الخبراء من أن استهلاك أكثر من أربعة أكواب يوميًا قد ينتج عنه إجهاد أكسدي وتقصير للتيلوميرات، بدلًا من حمايتها.