حصريا..خالد حاجي ..على الأقلية المسلمة أن تتمثل طبيعة السياق الأوروبي، وحقيقة كونه سياقا علمانيا

خالد حاجي، الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة ورئيس منتدى بروكسل
خالد حاجي، الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة ورئيس منتدى بروكسل
Copyright 
بقلم:  عيسى بوقانون
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button

الإسلام في أوروبا أصبح يواجه ضغوطا شتى تهدد وجوده بفعل تنامي الخطاب الشعبوي الذي أسهم إسهاما كبيرا في وصول العديد من الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى تسيير دواليب السلطة، في النمسا و والمجر و غيرها من دول أوروبا.

اعلان

الإسلام في أوروبا أصبح يواجه ضغوطا شتى تهدد وجوده بفعل تنامي الخطاب الشعبوي الذي أسهم إسهاما كبيرا في وصول العديد من الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى تسيير دواليب السلطة، في النمسا و والمجر و غيرها من دول أوروبا. الأستاذ خالد حاجي، الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، ورئيس منتدى بروكسل للحكمة والسلم العالمي، باحث مغربي له يد طولى في مسارات البحوث العلمية والأكاديمية عبر طروحاته التي تدعو إلى التجديد و التأقلم مع الواقع المعيش من خلال رؤاه الممهورة بالروح الإيجابية لتمكين  وجود إسلامي في أوروبا، يتماشى مع روح الحضارة ويتقمص في الوقت ذاته الثوابت الأصيلة التي  تتجلى في تغذية روح التسامح و التعايش مع الآخر كما كانت عليه الحال في ماضي المسلمين الزاخر  و الذي تحول إلى مصدر اعتزاز العرب و المسلمين وموئل فخارهم.

الأستاذ خالد حاجي، الرجل الذي لا ينصت إليه هنا في أوروبا، كما يحلو لي أن أصفه، يعطينا عبر هذه المقابلة، التي خص بها يورونيوز-عربية، يعطينا مقاربة علمية واجتماعية، لدور الإسلام في أوروبا وكيف يسهم المسلمون حقا في تحديد خارطة طريق مستقبل أوروبا.

عبر هذه المقابلة مع يورونيوز-عربية، يحدثنا الأستاذ خالد حاجي عن السبل الكفيلة لتقوية البعد الاجتماعي للاتحاد الأوروبي عبر الاهتمام بالأقليات، وبخاصة المسلمة منها داخل الفضاء الأوروبي، كما يعرج أيضا على ملامح النقاش  داخل أوروبا حول سيناريوهات مستقبلها و السبل الكفيلة لتحقيق أسباب التعايش و المواطنة، حيث يركز على أن مستقبل أوروبا يهم كثيرا المسلمين سواء من  يعيشون في كنفها أو خارجها حتى.

ـ يورونيوز، عيسى بوقانون

كيف تتحقق ملامح التعايش الاجتماعي للاتحاد الأوروبي من خلال أقليات مسلمة، تعتقد في خطاب ديني يبعدها شأوا بعيدا عن القيم الأوروبية، التي تطمح إلى التفريق بين الديني و السياسي؟ 

  - خالد حاجي، الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، ورئيس منتدى بروكسل للحكمة والسلم العالمي،

لا شك أن القارة الأوروبية، على الرغم من كل أوضاع التوتر التي تمر بها، جراء الأحداث الإرهابية الأليمة وموجات الهجرة المتدفقة وصعود الخطابات الشعبوية وتمكن بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة، تظل تمثل فضاء واسعا، إن لم نقل أوسع فضاء، للتعايش والتساكن بين

مختلف مكونات المجتمع، بغض النظر عن تعدد الانتماءات العرقية والدينية والثقافية. وفي هذا الفضاء تتمتع جميع الأقليات، ومنها الأقليات المسلمة، بحقوق لا حصر لها، كما تستظل بظل منظومة قانونية تكفل لها حرية المعتقد وتضمن لها العيش في أمن وكرامة.

غير أن هذا لا ينفي وجود تحديات متعلقة بالحضور الإسلامي في هذا الفضاء، وهي تحديات تجابه الأقلية المسلمة كما تجابه الأغلبية الحاضنة لهذه الأقلية. ولعل رفعها يقتضي وعيا مشتركا وتعاون جميع مكونات المجتمع، على اختلافها.

فعلى الأقلية المسلمة أن تعي طبيعة السياق الأوروبي، وتتمثل حقيقة كونه سياقا علمانيا يتم فيه الفصل بين الديني والسياسي؛ وهذا وعي قائم لدى عموم المسلمين، حيث نراهم يندمجون بصفة طبيعية في النسيج المجتمعي، يحترمون مقتضيات التعايش، وهم يعلمون متى يُستدعى الدين ومتى لا يُستدعى في حياتهم اليومية. ولو أن فئة قليلة تستدعي خطابا دينيا من أزمنة وأماكن أخرى تجد فيه مسوغات لعدم الالتزام بمقتضيات التعايش كما تحددها المواطنة الأوروبية. وهذه الفئة تسيء إلى التعايش بين الأقلية المسلمة والمجتمعات الأوروبية.

هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، نجد بأن استدعاء مثل هذه الخطابات الدينية الإسلامية التي لا تحترم مبدأ التعايش، كثيرا ما يكون السبب فيه هو نزوع نحو الغلو والتطرف، نزوع ينتج عن الإحساس بالتهميش والإقصاء وعدم الشعور بالانتماء إلى المجتمع الأوروبي. فالحاصل أن المجتمعات الأوروبية، بدورها، لم تعبأ بحضور المسلمين حضورا قارا بين ظهرانيها إلا خلال العقد الأخير. لقد كانت هذه المجتمعات من قبل تتعامل مع الأقليات المسلمة على أساس أنها تمثل يدا عاملة لم تأت لتستوطن وتبقى، بل لتعمل ثم ترحل. أما وأن المسلمين قد أصبحوا اليوم مواطنين أوروبيين، لهم ما لباقي المواطنين، وعليهم ما عليهم، فقد صار الأمر يقتضي التسليم بحق المسلمين في البقاء أولا، ثم اعتماد أساليب بيداغوجية لتحقيق التحاور مع الأقليات المسلمة والتعرف على خصوصياتها الثقافية في أفق التلاحم والتضايف والتراحم.

ليست مسألة التعايش متعلقة بالفصل بين الديني والسياسي فقط، بل للمسألة أبعاد متداخلة تحتاج إلى وقفة تأمل مسؤولة، من هذه الأبعاد ما هو متعلق بالهجرة وتاريخها، ومنها ما هو متعلق بقدرة العلمانية على استيعاب الظاهرة الدينية الإسلامية، هذا على سبيل التمثيل لا الحصر.

- يورونيوز.ما هي الاستراتيجية المثلى، التي على المسلمين أن يتخذوها معولا من أجل مواجهة الخطاب الشعبوي المتنامي في أوروبا؟

- خالد حاجي، الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، ورئيس منتدى بروكسل للحكمة والسلم العالمي

لمواجهة الخطابات الشعبوية المتنامية في أوروبا يحتاج المسلمون إلى التحلي بالمسؤولية والنهوض للمساهمة في تقوية المؤسسات الأوروبية الساهرة على حماية القيم الأساسية التي انبنى عليها الاتحاد الأوروبي، ولا ينفع المسلمين اليوم أن يقفوا موقف الحياد، ينظرون إلى ما يحدث في أوروبا وكأنه لا يعنيهم. كما لا ينفع المسلمين اليوم أن يجابهوا الخطابات الشعبوية الأوروبية بخطابات شعبوية إسلامية، خطابات سلبية، إن أحسنت التعبير عن التذمر من الواقع، فهي لا تحسن تعيين سبل تجاوز هذا الواقع، بقدر ما تكتفي بالهدم والتخريب. كما على المسلمين كذلك الابتعاد عن كل الخطابات التي تصب في تغذية وتقوية الخطابات الشعبوية الأوروبية. ولعل أنجع طريقة لمواجهة هذه الخطابات هو الالتزام بتقوية منظومة القيم المشتركة والحرص على تغليب روح التعارف والتعاون على البر والتقوى، التعاون من أجل تجنيب المجتمعات الأوروبية آفة الوقوع في منطق صراع الحضارات.

- يورونيوز.كيف يمكننا تجديد الخطاب الديني  الإسلامي في أوروبا حتى يكون متوائما مع القيم الأوروبية؟

- خالد حاجي، الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، ورئيس منتدى بروكسل للحكمة والسلم العالمي

قبل الحديث عن تجديد الخطاب الديني الإسلامي، يجب أن نتحدث عن تجديد «  خطاب التجديد  »، أي الخطاب الذي يهتم بموضوع التجديد ويندب أصحابه ذواتهم لاقتراح أساليب وأشكال ومضامين هذا التجديد. إذ أن كثيرا من دعاة التجديد لا يفقهون شيئا بخصوص ما يتحدثون عنه، إنما يمتهنون مهنة ويحترفون حرفة إسمها التجديد، حتى إذا فتحت لهم وسائل الإعلام الباب بشروا بخطاب إسلامي جديد، الأساس فيه هو الانفتاح على العلوم الإنسانية وعلوم العصر، وما إلى غير ذلك من الكلام العام الذي لا يقدم ولا يؤخر.

اعلان

والواقع أن سؤال التجديد هو في العمق سؤال إيديولوجي بامتياز. فمن له الحق في التجديد؟ كل صاحب مذهب أو حركة أو توجه يدعي أنه لا يقوم بما يقوم به إلا بداعي التجديد. حتى الداعشي يريد أن يقفز على الواقع ليجدد، أن ليعود إلى أصل الدين الصحيح في اعتقاده. لذلك وجب توخي الحذر ونحن نلامس هذا الموضوع.

لا شك أن المسلمين لم ينقطعوا أبدا عن التفاعل مع الواقع تفاعلا يخرجهم من تصوراتهم القديمة إلى تصورات جديدة، من وعي قديم إلى وعي جديد، سواء بذواتهم أو بغيرهم. فالإصلاح كان دائما يتم بقوة دفع ذاتية، قوة تستحث المسلمين على طلب تحقيق المواءمة بين مقتضيات التدين ومقتضيات العصر. ومن يلاحظ عامة المسلمين في السياق الأوروبي يجدهم لا ينقطعون عن البحث والاجتهاد قصد إيجاد صيغ للتناغم بين ما يحملونه من ثقافة دينية ورثوها عن الأجداد، وما يصادفهم من نوازل ومستجدات في حياتهم اليومية. فكل يجدد بحسب قدرته الذهنية، ومهاراته العقلية، وطاقته الفكرية، وسعة صدره وما إلى غير ذلك، يسددون ويقاربون.

إلا أن الدعوة إلى تجديد الخطاب الإسلامي تستبطن مغالطة كبيرة، حيث توهم العقل بأن إصلاح العلاقة بين المسلمين وأوروبا رهين بإصلاح الإسلام، وبهذا تنفي مسؤولية أطراف أخرى في ما آلت إليه الأوضاع من تشنج بين الأقلية المسلمة وبعض المجتمعات الأوروبية. لو سلمنا جدلا بأن الأصل في اختلال العلاقة هو النصوص الدينية، وأن الأصل في الإرهاب والتطرف هو هذه النصوص، فلن نأمن مع تصحيحها وتغييرها أن يلتف حولها المسلمون، بل سينقسمون على أنفسهم في تحديد معانيها الجديدة كما هم منقسمون حول تحديد معاني النصوص القديمة، أو القراءات القديمة. ولو سلمنا بهذا الأمر، أي بأن الأصل في التطرف والغلو هي النصوص الدينية، فكيف نفسر كونها ساهمت في إنتاج حضارة إسلامية بلغ فيها الإبداع مرتبة كبيرة.

الحاصل هو أن هناك عوامل عديدة تتضافر لتجعل المسلمين في سياقهم المجتمعي والثقافي والحضاري يستدعون النصوص الدينية على وجه مخصوص دون وجه آخر. وإلا فكيف نفسر عزوف الإنسان المسلم عن بعض الآراء الفقهية المحسوم فيها، وإقباله على بعض الآراء الشاذة، لولا بواعث نفسية ومجتمعية يحددها السياق، إن كان سياق يسر أو سياق عسر، سياق ضيق أو سياق سعة، سياق حرب أو سياق سلم. فمن الوهم التفكير في إصلاح الخطاب الديني، دون التفكير في إصلاح الظروف النفسية والمجتمعية التي تتحكم في ميولات الفرد ونزوعه نحو هذه القراءة أو تلك.

ولكن هذا لا يعفي المسلمين من مسؤولية الاشتغال والاجتهاد من أجل الإصلاح والتجديد قصد التخلص من أنماط التدين التي لا علاقة لها بجوهر الدين، أنماط هي ألصق بالثقافة منها بالإسلام. لا سبيل إلى إنكار وجود وعي يورث كثيرا من المتدينين عوائق نفسية تحول بينهم وبين الانخراط في روح العصر. ولعل خير وسيلة لبلوغ هذا الإصلاح والتجديد المنشودين تكمن في رفع جاهزية الأقليات المسلمة في أوروبا الثقافية والعلمية والفنية بفضل جهود يبذلها المسؤولون السياسيون واستراتيجية تسهر على إنجازها المؤسسات المختلفة.

اعلان

- يورونيوز.هل الساسة الأوروبيون  ممن يدعون إلى «  إسلام أوروبي  » أو  «  إسلام أوروبا  »، يريدون إقامة إسلام جديد يرفض الخطابات القديمة، التي نادى بها ابن تيمية و السيد قطب، والدعوة إلى إسلام طالب به  محمد أركون و بعض المستشرقين، اتحدث هنا عن جاك بيرك بشكل خاص؟

- خالد حاجي، الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، ورئيس منتدى بروكسل للحكمة والسلم العالمي

ليس مفهوما ما المقصود بتسميات من قبيل «  إسلام أوروبي  »، أو «  إسلام في أوروبا  » وغيرها. في كثير من الحالات تأتي هذه الدعوات لطمأنة الرأي العام بعد أحداث إرهابية تقترف باسم الإسلام، تلوكها بعض الألسنة لتوهم السامعين بأن هناك أمرا يُفكر فيه وإجراءات تُتخذ واستراتيجيات تُبلور. والواقع أن مدلول هذه التسميات يظل غامضا في العقول.

إذا كان المقصود بإسلام أوروبي هو إسلام يتفاعل مع البيئة الأوروبية كي ينتج لنا تدينا لا يصطدم مع خصوصيات هذه البيئة، فهذا الأمر مطلوب وهو جوهر ما يطلبه عموم المسلمين كذلك. يكفي أن ننظر إلى ملايين المسلمين كيف يتعايشون مع الواقع الأوروبي حتى ندرك أنهم لا يكترثون بالخطابات المتطرفة التي لا تراعي خصوصية السياق الأوروبي. ويكفي أن نصغي إلى الخطابات الدينية الإسلامية كي ندرك بأن جوهر الدين يقتضي مراعاة السياق، حيث لا يتعب الفقهاء من الإحالة على حالة الإمام الشافعي الذي أنتج منظومة فقهية في العراق، ثم غيرها بمنظومة أخرى لما دخل مصر. فكما يمكن أن نقول بأن هناك «  إسلام عراقي  »، و «  إسلام مصري  »، و  «  إسلام مغربي  » و  «  إسلام تركي  »، يجوز كذلك أن نقول بأن هناك «  إسلاما أوروبيا  »، ذا خصوصيات، منها الخصوصية المتعلقة بكون المسلمين يمثلون أقلية في هذا السياق، على خلاف السياقات الأخرى. فعموم المسلمين يجتهدون من أجل إيجاد صيغ للتوفيق بين انتمائهم للدين الإسلامي من ناحية، وانتسابهم للمواطنة الأوروبية من ناحية أخرى.

وقد يكون المقصود بالإسلام الأوروبي هو أرضية للتحاور بين المسلمين، حديثي العهد بالمجتمعات الأوروبية العلمانية، على اعتبار أنهم آخر الوافدين على هذه المجتمعات، وبين المؤسسات الساهرة على إدماجهم في النسيج المجتمعي الأوروبي. وهذا أمر مقبول، ذلك أن للمسلمين خصوصيات ثقافية قد تمنعهم من التمثل الصحيح لطبيعة البيئة التشريعية الأوروبية، ولعلاقة الدين بالدولة، والحاكم بالمحكوم، والرجل بالمرأة، وغيرها من العلاقات. فما أحوج المجتمعات الأوروبية إلى مؤسسات تسهر على مرافقة الأقليات المسلمة بغرض تسهيل اندماجها. فهذا أمر لا مناص منه، أمر يقتضي التزاما مزدوجا: التزام المؤسسات الأوروبية تجاه المسلمين، والتزام المسلمين تجاه هذه المؤسسات.

اعلان

وهناك «  إسلام أوروبي  » يقصد منه فصل مسلمي أوروبا عن التأثيرات الخارجية، وكأننا بأصحاب هذه الدعوة يُعرِّفون الإسلام تعريفا جغرافيا، فيقيمون الحدود بين إسلام أوروبي متحيز في القارة الأوروبية، إسلام الداخل، في مقابل إسلام الخارج. وهذا أمر خطير للغاية، لكونه يصب في اتجاه تكريس المنطق الذي تقوم عليه نظرية صراع الحضارات، هذه النظرية التي تقسم العالم إلى داخل وخارج، وتسد كل أفق التحاور والتضايف. لا تستقيم الدعوة إلى تعريف الإسلام تعريفا جغرافيا من وجوه كثيرة. منها أن الإسلام دين، والدين يعنى بشؤون روحية عابرة للقارات والحدود.

أما تخليص الوعي الإسلامي من بقايا فكر بن تيمية أو سيد قطب، باقتراح إسلام الراحل جاك بيرك أو الراحل أركون أو غيرهم، فهذا أمر قد يطول فيه الكلام. إن الذي يصنع الحدث ويشكل الوعي الإسلامي في أوروبا ليس هو المفكر، بل هي عوامل سوسيولوجية مرتبطة بواقع الهجرة، ومستوى الجاهزية الثقافية للأقليات المسلمة. كم من مسلم يعرف أركون في السياق الأوروبي؟ لقد فوجئت، بعد الإعلان عن رحيله رحمه الله، أن أطرا كثيرة لم تكن تعرف من هو وما هي نظرياته ومشاريعه. ولكن بالمقابل وجدت بأن هؤلاء الأطر على صلة وثيقة بإمام الحي، يشكل وعيهم الديني ويفتح أو يسد أفق التفكير أمامهم. إن سوسيولوجيا الإسلام لا تتأثر بالنظريات النقدية قدر تأطرها بعوامل أخرى كثيرة. قد يُستدعى الفكر لأغراض دعوية. إن الأغلبية العظمى من الدعاة يستدعون كتاب أوسفالد شبنجلر «  أفول الغرب  »، لأنه يخدم توجها نقديا أو يصادف هوى في النفوس، مثلا. لكن هذا الاستدعاء يقف عند حدود الوعظ. فمن الصعب تصور فكر أركون أو جاك بيرك ينفذ إلى عمق سوسيولجيا الإسلام في أوروبا؛ بل يظل هذا الفكر يخاطب نخبا مثقفة.

ومما يزيد الأمور تعقيدا هيمنة الثقافة الرقمية الجديدة التي أنهت عصر النظريات، خصوصا نظريات النهوض، وفتحت أمام العقول عالما من الإمكانات لا ينتهي. وصار الشباب اليوم يختار، وفق مزاجه وحالاته الشعورية ونزوعه النفسي، شيخه ومعلمه ومؤطره وفقيهه. وحري بكل مسؤول عن تأطير الشباب المسلم في أوروبا أن يهتم بأحواله النفسية والشعورية قبل أن يهتم بتزويده بهذا الفكر أو ذاك. فالشباب اليوم يرى ما يريد، لا ما يريده له الآخرون أن يرى. وعليه فتوجيهه التوجيه الصحيح يقتضي فهم نوازعه النفسية لكونها تمثل محددا رئيسا من وراء إقباله على هذا المحتوى أو ذاك.

- يورونيوز.لكن هناك من يرى أن الاحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، و التي تنادي بإزالة الإسلام من أوروبا،إنما تحدثت عن واقع حال، بسبب العمليات الإرهابية التي طالت مؤسسات أوروبا والأفراد أيضا. فردة فعلهم طبيعية للغاية.

- خالد حاجي، الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، ورئيس منتدى بروكسل للحكمة والسلم العالمي

اعلان

من الطبيعي جدا أن يرتبك المرء ويخاف وهو يرى مشاهد التفجير والتدمير أمام عينيه، بالقريب منه، وسط مدينته وحيه الذي يقطن فيه. ومن الطبيعي جدا أن يتساءل المرء عن الدوافع وراء هذه الأعمال الإجرامية التخريبية التي يسعى أصحابها من ورائها إلى تقويض أمن البلاد والعباد ونسف أسس التعايش. فالخوف أمر طبيعي.

كما يحق للإنسان في أوروبا أن يخاف من بعض الظواهر الغريبة ذات الصلة بثقافة المسلمين وعاداتهم وسلوكهم، فهذا خوف نجد له مسوغات كثيرة. وعلى المسلمين أن يجتهدوا قصد جعل أوروبا تستأنس بحضورهم. وهذا يقتضي عملا يوميا لا ينقطع وجهدا متواصلا لا يتوقف.

إلا أن ما ليس طبيعيا هو التخويف بالإسلام والمسلمين. هناك حركات متطرفة تمتطي الأحداث الأليمة بغرض الخلط بين الإرهاب والإسلام، وتتناسى أن الإرهاب لا يميز بين مسلم وغير مسلم، وأن كثيرا من ضحاياه هم مسلمون. ما ليس طبيعيا هو الجهود الكثيرة التي تُبذل من أجل رد الإرهاب إلى جذور ثقافة إسلامية.

فما لا يفهمه بعض المتطرفين في أوروبا هو أن المسلمين شركاء في محاربة الإرهاب والتصدي للإرهابيين.

- يورونيوز.كيف تتحقق  مواطنة مسلمي أوروبا، وواقع الحال يثبت تناميا معتبرا للخطاب الأصولي في مساجد أوروبا، ينشط رواده ضمن ما يعتقدون أنه حرية شخصية. 

اعلان

- خالد حاجي، الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، ورئيس منتدى بروكسل للحكمة والسلم العالمي

أولا، يجب أن نذكر بأن العدد الذي يتردد على المساجد في أوروبا لا يمثل نسبة كبيرة من مجموع المسلمين. فكثير منهم ليسوا عرضة للخطابات الأصولية المتطرفة، بل هم مسلمون يحققون مواطنتهم الأوروبية بكل أريحية، بعيدا عن إملاءات الغلاة والمتطرفين. كما أن عدد المساجد التي تتبنى خطابا أصوليا متعارضا مع مقتضيات المواطنة الأوروبية هو عدد محدود. ولا أظن أن ما أسميته بالخطاب الأصولي هو في تنامي، بل ظني أنه في تراجع.

ولكن هذا لا ينفي وجود تحديات ومشاكل متعلقة بكثير من أماكن العبادة في أوروبا. ولعل أبرزها هو موقعها الجغرافي بالنسبة للمدن الأوروبية. كثير من أماكن العبادة تقع على الهامش، في الأحياء الصناعية المهجورة، وما كان لها أن تُفتح أصلا حتى يُضطر إلى إغلاقها. بعض أماكن العبادة هي مثابة إهانة للمسلمين وللمجتمعات الأوروبية في نفس الآن؛ إهانة للمسلمين وهم يرون أماكن عبادتهم لا ترقى إلى المكانة الاعتبارية التي يجب أن تكون عليها، مقارنة مع أمكان عبادة الديانات الأخرى. وإهانة للمجتمعات الأوروبية لكونها لم تكترث بمرافقة المسلمين حتى يتوفروا على أماكن عبادة لائقة تخرجهم من عتمة الأحياء الصناعية المهجورة إلى رحابة الأحياء السكنية المضاءة. بعض أماكن العبادة تدل على المكانة الهامشية التي يتبوؤها الإسلام في السياق الأوروبي، مكانة خارج التاريخ وخارج الجغرافيا.فليس من عجب أن تغلق مساجد، ما كان لها أن تفتح أصلا.

- يورونيوز.هل يمكننا أن نتحدث عن فشل في استراتيجة الاتحاد الأوروبي حيال مضاعفة الجهد كي ينمي علاقة حسن الجوار مع العالم العربي والإسلامي 

- خالد حاجي، الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، ورئيس منتدى بروكسيل للحكمة والسلم العالمي

اعلان

هناك جهود مشهودة تبذل من طرف الاتحاد الأوروبي لتنمية علاقة حسن الجوار مع العالم العربي، أو علاقة شراكة يحكمها مبدأ الربح المتبادل، أو «  رابح-رابح  » كما يقال. لكن هناك تحديات جمة تواجه هذا الاتحاد، يأتي على رأسها التحدي المرتبط بتماسك أوروبا قبل كل شيء. إن أوروبا في أمس الحاجة إلى أن تمتد خارج حدودها حتى تظل في سباق العولمة، والعالم العربي-الإسلامي قد يوفر لها فضاء للتنفس. والعالم العربي بدوره في حاجة إلى شريك استراتيجي يرافقه في إرساء دعائم تنمية حقيقية تخرجه من وضع التخبط. إلا أن كثيرا من القوى الأوروبية اليوم تنزع نحو الانكماش على الذات وتعيد تعريف أوروبا تعريفا بالانتساب إلى جغرافية مسيجة، عوض تعريفها بالانتساب إلى مجموعة من القيم الكونية. بقدر ما هناك نوايا حسنة وجهود طيبة لتعزيز العلاقة، بقدر ما هنالك دينامية انكماش تحول بين أوروبا والعالم العربي والإسلامي.  

 خالد حاجي، حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة السوربون، بباريز، سنة ١٩٩٤، شعبة الدراسات الأنجلو-أمريكية. الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، بروكسيل. ورئيس منتدى بروكسيل للحكمة والسلم العالمي. عضو مؤسس في منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين، الرباط. عضو هيئة تحرير مجلة المنعطف سابقا. وعضو مؤسس في مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، سابقا.من ضمن أعماله: من مضايق الحداثة إلى فضاء الإبداع الإسلامي والعربي (عن المركز الثقافي العربي)؛ Lawrence d’Arabie ou l’Arabie de Lawrence (Paris: L’Harmattan)

 عبد الرحمن والبحر (رواية عن المركز الثقافي العربي). 

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

"مسجد بروكسل الكبير يعتمد خطابا غير مناسب للسياق الأوروبي"

محكمة ألمانية تبطل حكم براءة "شرطة الشريعة"

اليونان تلغي نظاماً يعتبر "الشريعة" مرجعاً للفصل في شؤون المسلمين