الصحافة والحراك الشعبي في لبنان .. شاهدٌ على الحقيقة أم ضحية ؟
بيروت وهدوءُ ما قبل العاصفة، تشهده العاصمة اللبنانية في الساعات الأولى من كل يوم لتتحول ليلا إلى ساحة للمواجهة التي تتخذ أحيانا شكلا عنيفا بين أبناء الشعب الواحد تارة وتارة أخرى بين المحتجين ورجال الأمن.
الصحفيون في عين العاصفة..
تجددت المواجهات وازدادت حدتها خلال اليومين الماضيين. لم تقتصر على المتظاهرين الذين خرجوا منذ تاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر للمطالبة بمحاسبة الفاسدين واسترداد المال المنهوب إلا أنها اتسعت، وكان للصحفيين والمصورين في الليلة الماضية "حصة الأسد" من تلك المواجهات. وبعضهم تعرض للضرب أثناء قيامه بعمله وخلال بث مباشر على القنوات المحلية.
المظاهرات بلغت أوجها أمس الأربعاء، إذ تظاهر المئات في منطقة كورنيش المزرعة أمام ثكنة للقوى الأمنية مطالبين السلطات بإطلاق سراح الموقوفين ممن تم اعتقالهم يوم الثلاثاء خلال المواجهات التي نشبت بين المتظاهرين وعناصر مكافحة الشغب أمام المصرف المركزي اللبناني، وبلغ عددهم حوالي 50 شخصا.
وأقدم المتظاهرون على قطع الطريق أمام الثكنة وعلت أصواتهم بالصراخ والهتاف ضد حاكم مصرف لبنان (المصرف المركزي) رياض سلامة والسلطة الحاكمة قبل أن تتخذ الاحتجاجات شكلا عنيفا بين الطرفين. وكانت النتيجة سقوطَ عشرات الجرحى وتوقيف العديد منهم.
وخلال هذه الساعات الحرجة، استخدمت قوى الأمن القوة المفرطة بحق المحتجين، طالت أيضا الصحفيين، وأصيب المصور الخاص بوكالة الأنباء العالمية "رويترز" عصام عبدالله بضربة على رأسه نقل على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج.
ونشر عبدالله صورة له من داخل المستشفى عبر صفحته الخاصة على موقع فيسبوك وهو يرفع بيده بطاقة الصحافة، وعلق قائلا:
ما حدث لمراسل رويترز لم يكن استثناء. نفس المصير لقيه العديد من صحفيي قناة الجديد وغيرها من القنوات المحلية اللبنانية.
ويقول مذيع الأخبار والمراسل في قناة الجديد رامز القاضي الذي اختار منذ اليوم الأول من بداية الحراك الشعبي أن ينزل إلى الساحات لمواكبة المتظاهرين في هذا الشأن:
ويرى الصحفي أن التعامل مع الإعلام بهذا الشكل ليس ظرفيا لأن انتهاك حقوق الصحفيين يعود إلى غياب إطار يحمي السلطة الرابعة.
وقال القاضي لـ"يورونيوز" إن "القوى الأمنية تمنع الصحفيين والمصورين من القيام بدورهم. هذه العناصر تحتاج إلى التأهيل لمعرفة الأمور التي لا يتوجب عليها القيام بها وفقا للقوانين. ويجب أن تعلم تماما أنها في الشارع لحماية المتظاهرين وليس قمعهم، وهي ما تقوم به هو العكس تماما".
واعتبر صحفي الجديد أنه "قد يكون لدى الأجهزة الأمنية الحق قانوناً باعتقال متظاهرين في حال وقوع صدامات معها، إلا أن الضرب المبرح والسحل على الطرقات وما شهدناه يوم أمس غير مبرر على الإطلاق".
مستمرون في الدفاع عن وظيفتنا
وأكد نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزيف القصيفي، أن النقابة أصدرت بيانا صباح اليوم الخميس دانت فيه وبشدة ما تعرض له الصحفيين والمصورين أثناء تغطية الأحداث التي جرت بين المتظاهرين والقوى الأمنية يوم أمس في محيط ثكنة الحلو.
وفي مداخلة لـ"يورونيوز" لفت القصيفي إلى أن النقابة طالبت وزيرة الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال ريا الحسن الاعتذار عما حصل يوم أمس. وأكد أنها لبت هذه الخطوة.
وقال القصيفي إن "الحسن اتصلت به في ما بعد وقدمت اعتذارها عما حصل مع الزملاء في منطقة الاشتباك وقالت إن هذا التصرف لم يكن مقبولا على الإطلاق وشرحت الملابسات التي أدت إلى احتدام المواجهة"، وشددت على "ضرورة ألا يكون الإعلاميون عرضة للاعتداء مهما اشتدت الأمور".
وأضاف "شكرنا الحسن على اعتذارها، وأكدنا أن ما حصل ويحصل غير مقبول وعلى القوى الأمنية أن تحاذر المساس بالإعلاميين وهم يؤدون واجبهم وطالبنا بإجراء تعليمات مشددة بذلك، وأن يكون كل مخالف معرضا لإجراءات تأديبية ومسلكية".
وتابع النقيب "نعمل اليوم من أجل الوقوف في وجه هذه الهجمة التي تستهدف الإعلاميين واتخاذ التدابير اللازمة وتعزيز موقف الصحافة اللبنانية في المنابر العربية والدولية وذلك من أجل إعطائها المزيد من الحصانة، ونحن مستمرون في الدفاع عن أنفسنا ومهنتنا، وإن لم تتوقف هذه الاعتداءات سوف نلجأ إلى التصعيد بوسائل لن نعلن عنها اليوم".
ومنذ 17 تشرين الأول/أكتوبر، خرج مئات الآلاف من اللبنانيين إلى الشوارع والساحات وقطعوا الطرق احتجاجاً على أداء الطبقة السياسية التي يتهمها المتظاهرون بالفساد ويحملونها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي وعجزها عن تأهيل المرافق وتحسين الخدمات العامة الأساسية.