شاهد: سلوى تضحك لكل غارة.. قصة أب وصغيرته يواجهان شدائد الحرب بالضحك

لم يجد عبدالله المحمد سبيلاً لحماية ابنته من أصوات القصف من حولها سوى تحويل الأمر ببساطة إلى لعبة. وبدلاً من الخوف، باتت ضحكات سلوى تصدح في أجواء المنزل مع كل غارة تستهدف شمال غرب سوريا.
قبل أيام، نشر عبدالله ذو الـ 32 عاما على مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو جرى تداوله بكثرة يظهر فيه برفقة ابنته سلوى أثناء تحليق الطيران الحربي في أجواء بلدة سرمدا في شمال مدينة إدلب.
تقف سلوى بفستانها الوردي الذي يعكس لون وجنتيها قرب والدها، يقول لها ”هناك طائرة، هذه قذيفة أو طائرة؟“، تجيبه بصوت منخفض وعلى وجهها ابتسامة ”قذيفة، حين تأتي سنضحك“، وما هي إلا ثوان قليلة حتى يدوي صوت انفجار تصدح معه ضحكات سلوى.
التقى مراسل وكالة فرانس برس عبدالله في سرمدا بعد شهرين من نزوحه من مدينة سراقب في جنوب إدلب التي سيطرت عليها قوات النظام السوري قبل أسابيع، في إطار هجومها الواسع المستمر في المنطقة منذ كانون الأول/ ديسمبر.
وفي إحدى أشرطة الفيديو التي التقطها الوالد واطلعت عليها وكالة فرانس برس، يسأل ابنته وهي تنظر في دفتر أمامها، ”احكِ لي يا سلوى، ماذا فعلت الطائرة؟“. فتجيب الطفلة ذات الشعر الأسود الناعم بكل بساطة ”أتت الطائرة وأنا ضحكت كثيراً. الطائرة تّضحكنا فقط، تقول لنا: اضحكوا عليّ، اضحكوا علي“.
قبل نحو عامين، علا صراخ سلوى التي كانت تبلغ عاماً واحداً خوفاً بعد سماعها أصواتاً ناجمة عن ألعاب نارية كان يشعلها أطفال الحي لمناسبة العيد، فما كان من والدها إلا أن أخرجها إليهم ليقنعها بأنهم مجرد أطفال يلعبون. ومن هنا خطرت على باله فكرة تحويل أصوات القصف إلى لعبة مضحكة.
ويقول عبدالله في منزل العائلة الجديد في سرمدا ”قلت لنفسي ما دامت اقتنعت أن هؤلاء هم مجرد أطفال يلعبون، فهذا أمر جيد“.
ويضيف ”بت كلما بدأ الطيران بالتحليق في الأجواء أخرج هاتفي الجوال وأقول لها: تعالي نضحك سوية، إنهم أولاد يلعبون أو أنه العيد“، موضحاً ”أحاول أن أفهمها أن ما يحصل ليس بالأمر السيء، بل على العكس، أنه أمر مضحك“.
”أتت الطائرة.. اضحكوا“
تظهر سلوى في أحد الفيديوهات التي التقطها والدها وبيدها دميتها ومستلقية تحت طاولة زجاجية وهي تردد ”أتت الطائرة، أتت الطائرة، تحصنوا، تحصنوا“.
وفي الأحير، تسأل سلوى ”أتت (الطائرة)؟ هل أتت؟“ ثم يدوي صوت القصف، وتضحك سلوى ملء قلبها.
يقول عبد الله ”باتت هذه ردة فعلها دائماً، تخاف للحظات ثم تبدأ بالضحك“، لكنه يضيف ”ستفهم لاحقاً أن هذا الأمر يؤدي إلى الموت، لكن عندما يحين ذلك الوقت ستكون قد فهمت على الأقل من نحن وما هي قصتنا“.
لا تهدأ سلوى في المنزل، تركض في الباحة ثم تتنقل بين غرفة الجلوس والحديقة حيث تصعد على أرجوحة ملونة وضعها والدها لها.
تجلس في حضن أحد أصدقاء والدها، تشاهد فيديو على الهاتف الجوال وتردد ”طائرة طائرة“، ثم تأخذ الهاتف بيدها وتبدأ باللعب عليه.
بعد تسع سنوات من القصف والمعارك في نزاع دام أسفر عن مقتل أكثر من 380 ألف شخص وتشريد أكثر من 290 ألف طفل، لم يعد عبدالله يحلم بالكثير.
ويقول ”مللنا توجيه الرسائل، لم يبق لدينا طموحات، نريد فقط أن يعيش هؤلاء الأطفال حياة كريمة لا أكثر ولا أقل، أن يتعلموا ويكملوا حياتهم فقط“. ويضيف ”نريد حياة خالية من القصف والطيران“.