مياه النيل تتضاءل ومزارعو مصر يخشون من ضرر سد النهضة

أرض زراعية في بني سويف في مصر تعاني الجفاف. 2020/08/04
أرض زراعية في بني سويف في مصر تعاني الجفاف. 2020/08/04 Copyright ناريمان المفتي/أ ب
Copyright ناريمان المفتي/أ ب
بقلم:  Sami Fradi
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button

أصبحت أغلب أراضي قرية مخلوف أبو قاسم في واحة الفيوم قاحلة، فمعظم مياه النيل التي كانت تصلها يتم تحويلها إلى مشاريع زراعية أخرى. كذلك هناك نقص مماثل للمياه أضحى شائعا حتى في المناطق السكانية لوادي النيل والدلتا، حيث يواجه المزارعون زيادة لدرجة الملوحة.

اعلان

في طرف بعيد من واحة الفيوم في مصر، ولد مخلوف أبو قاسم عام 1964 في منطقة أنشأت حينها حديثا، فوالده كان من بين أول المعمرين الذين قدموا من وادي النيل، ليرسموا حياة جديدة كمزارعين، وكانت البداية مشرقة ومزدهرة، إذ كانت المنطقة خصبة، فزرعوا على مدى أربعة عقود الذرة والقطن والقمح.

أما اليوم وقد ناهز عمر مخلوف 55 سنة، فقد تقلصت مساحة أرضه الزراعية، التي تحيط بها أرض قاحلة، كانت في يوم ما أرضا زراعية لجيرانه، هم ضحايا تضاؤل الري خلال السنوات الأخيرة.

ناريمان المفتي/أ ب
مخلوف أبو قاسم يعمل في مزرعته - 2020/08/08ناريمان المفتي/أ ب

كان هناك في الماضي ما يكفي من الماء لجعل المنطقة خضراء وفق مخلوف، إذ كان القرويون يسقون مزارعهم بواسطة قنوات متصلة بنهر النيل، الذي يعد شريان الحياة لمصر منذ العصور القديمة، وقد أوجد النيل للبلاد شريطا خصبا من الأراضي الخضراء عبر الصحراء.

ولكن سنوات من سوء التصرف الإداري والفساد، والزيادة من عدد السكان، أدت إلى ضياع 75 في المائة على الأقل من الأراضي الزراعية في القرية والمناطق المحيطة بها، بحسب رئيس جمعية زراعية محلية والمشرف على المنطقة، عبد الفتاح العويدي.

ويخشى مخلوف من أن السد الذي تقوم إثيوبيا ببنائه على النهر الأزرق، قد يزيد من النقص الحاد للمياه الذي تعاني منه قريته، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يضمن استمرار تدفق المياه.

ناريمان المفتي/أ ب
أرض جافة بعد أن كانت خصبة في الفيوم - 2020/08/08ناريمان المفتي/أ ب

السد "وجه الموت"

لا يعرف بعد التأثير الدقيق للسد على دولتي المصب مصر والسودان. وتضيف التوقعات المخيفة بالنسبة للمزارعين المصريين قلقا جديدا على رأس الأسباب الأخرى لتفاقم ندرة المياه.

وتعمل مصر على توزيع مياهها بصفة ضعيفة، والانفجار السكاني الذي تشهده بتعداد اكثر من 100 مليون نسمة، جعل حصة الفرد من المياه هي الأدنى في العالم بحساب 550 مترا مكعبا سنويا، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 1000 متر مكعب.

من ناحية تقول إثيوبيا إن الطاقة الكهربائية التي سيولدها سد النهضة الكبير ضروري، لإخراج حوالي 110 ملايين إثيوبي من الفقر. ومن ناحية أخرى، تخشى مصر التي تعتمد على أكثر من 90 في المائة من مياه النيل المتوفرة، بما يشمل مياه الشرب والاستعمال الصناعي والري، من تأثير مدمر إذا تم تشغيل السد دون أخذ احتياجاتها بعين الاعتبار.

وتريد مصر ضمان حد أدنى من حصتها السنوية المقدرة بنحو 40 مليار متر مكعب من المياه من النيل الأزرق، في وقت تقوم إثيوبيا بملئ خزان السد الضخم بحسب مسؤول للري. وسيكون ذلك أقل من 55 مليار متر مكعب التي تحصل على معظمها مصر عادة من النيل الأزرق، وسيتم تعويض النقص بالمياه المخزنة خلف السد العالي في بحيرة ناصر في أسوان، الذي تبلغ طاقة استيعابه 169 مليار متر مكعب من المياه.

ناريمان المفتي/أ ب
منظر عام لنهر النيل في بني سويف في مصر - 2020/08/04ناريمان المفتي/أ ب

وقال وزير الري المصري السابق محمد نصر علام، إنه إذا تمت تعبئة السد دون تنسيق بين مصر وإثيوبيا، فإن تأثيره سيكون مدمرا للمجتمع المصري ككل، وإن الدولة لن تكون قادرة على معالجة تداعياته.

وأضاف علام أن خفضا دائما لنحو 5 مليارات متر مكعب من مياه النيل إلى مصر، من شانه أن يؤدي إلى خسارة مليون فدان (أكثر من 400 ألف هكتار) من الأراضي الزراعية، أي ما نسبته 12 في المائة من مساحة البلاد.

أما السودان فيقول إن المشروع يمكن ان يعرض سدوده للخطر، رغم أنه سيستفيد من السد الإثيوبي، بما في ذلك الطاقة الكهربائية بسعر رخيص، وفيضانات أقل.

ناريمان المفتي/أ ب
مزارع يلقي بنظره على قريته في الفيوم - 2020/08/05ناريمان المفتي/أ ب

"مسالة حياة" لمصر

لقد أصبحت أغلب أراضي قرية مخلوف أبو قاسم في واحة الفيوم قاحلة، فمعظم مياه النيل التي كانت تصلها يتم تحويلها إلى مشاريع زراعية أخرى بحسب المزارعين. كذلك هناك نقص مماثل للمياه أضحى شائعا حتى في المناطق السكانية لوادي النيل والدلتا، حيث يواجه المزارعون زيادة لدرجة الملوحة.

وقد أضحى مزارعو القرية يعتمدون اليوم في الري على المياه المستعملة من البلدات المجاورة، والتي هي مزيج من مياه الصرف الصحي وتصريف المياه المرصوف.

وفي مزرعة أبو قاسم التي تمسح 16 فدانا، يستغل فدان واحد للزراعة، فقد حاولت عائلته زراعة الذرة، ولكن النبات لم ينم، فتحولت العائلة مثل آخرين إلى زراعة الزيتون الذي يتطلب كميات اقل من المياه، ولكن رغم ذلك هناك معاناة، فالأشجار لم تسق منذ 40 يوما، يقول أبو قاسم.

ناريمان المفتي/ا ب
مزارعون بينهم أبو قاسم يجلسون في ظل نخلة في ارض ضربها الجفاف في الفيوم - 2020/08/05ناريمان المفتي/ا ب

ومع تضاؤل كميات المياه، غادر 12 ألف نسمة القرية (بعد أن ضاق بهم العيش)، بمن فيهم إخوة ابو قاسم وأبناؤه الأربعة، ومنهم من أصبح يعمل بوابا في القاهرة.

وفي السنوات الاخيرة، سرعت الحكومة المصرية من جهود تحديث أنظمة الري، وأوقفت إنتاج المحاصيل المستهلكة بكثرة للمياه. وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال الشهر الماضي إن الحكومة خصصت أكثر من 62.5 مليار دولار من الاستثمارات، للحفاظ على المياه حتى 2037، مجددا تحذيراته من أن النيل "مسالة حياة لمصر".

viber

المصادر الإضافية • أ ب

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

المتهم: 54 مليون مصري...موجة سخرية بعد الإعلان عن إحالة العازفين عن الانتخابات إلى النيابة العامة

القاهرة والخرطوم تشددان على التوصل إلى "اتفاق ملزم" في قضية سد النهضة

في ظل توتر مع إثيوبيا بسبب سد النهضة رئيس الوزراء المصري يصل إلى الخرطوم