صربيا "أعطت درساً للجميع".. كيف سارت دبلوماسية اللقاحات في البلقان وأوروبا الشرقية؟

في أحد المراكز الصحية في بلغراد في صربيا
في أحد المراكز الصحية في بلغراد في صربيا Copyright Darko Vojinovic/AP
Copyright Darko Vojinovic/AP
بقلم:  Emma Beswick
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button

شكلت مسألة اللقاحات ضدّ كوفيد-19 لعدة دول من أوروبا الشرقية والبلقان مسألة شائكة، حيث كان على تلك الدول الاختيار بين اللقاحات المنتجة في الغرب، واللقاحات المنتجة في الشرق، كأن شيئاً من الحرب الباردة عاد ليلقي بظلاله على مسألة كان من المفترض أن تكون محصورة بالطب..

اعلان

شكلت مسألة اللقاحات ضدّ كوفيد-19 لعدة دول من أوروبا الشرقية والبلقانمسألة شائكة، حيث كان على تلك الدول الاختيار بين اللقاحات المنتجة في الغرب، واللقاحات المنتجة في الشرق، كأن شيئاً من الحرب الباردة عاد ليلقي بظلاله على مسألة طبية صرفة.

والواقع أن حكومات في المنطقتين المذكورتين أعلاه طرحت استفهامات كثيرة عن جودة اللقاحات، ومدى توفرها -وهذا سؤال شائك جداً كما يرى الجميع- وأسعارها وكيف سيؤثر اختيارها على العلاقات مع الغرب أو مع روسيا؟

وترى الباحثة في معهد "كارنغي أوروبا" والمختصة في دول البلقان ويوغوسلافيا سابقاً، أليسون كاراغر، في حديث ليورونيوز أن مسألة اللقاحات في المنطقتين ليست مسألة طبية فقط إنما أيضاً مسألة "قيم". فمن جهة هناك اللقاحات الصينية والروسية وما تمثله من قيم لنظامين "معينين"، ومن جهة أخرى هناك اللقاحات الغربية وما ترمز إليه أيضاً.

ولكن الآن، بعكس الحرب الباردة، فإن حكومات البلقان أيضاً يمكنها اختيار الصين، كما تقول جوانا هوسا نائبة مدير برنامج "وايدر يوروب" المنبثق هن مجلس أوروبا للعلاقات الخارجية. وتضيف هوسا أن الحكومات في تلك المنطقتين فضّلت اللقاحات من الحلفاء السياسيين، رغم أن فعالية اللقاحات طبياً شكلت بُعداً مهماً في اختيار اللقاح.

الخيار الروسي

كانت روسيا أول دولة تعلن عن إنتاج لقاح لوباء كوفيد-19 في آب/أغسطس الماضي، غير أن عدّة علماء في روسيا وخارجها انتقدوا توزيع اللقاح قبل الانتهاء من المرحلة الثالة من التجارب، وهي مرحلة تدوم عادة شهوراً تتخللها اختبارات وتجارب على آلاف الأشخاص.

وترى هوسا أن الإعلان الروسي المبكر جاء بنتيجة عكسية، حيث فضلت معظم حكومات الدول الاستدارة نحو اللقاحات الغربية لأن الإثباتات العلمية مهمة جداً في هذا الخيار. وتضيف "لكن عندما رأت بعض دول البلقان وأوروبا الشرقية أن الحصول على اللقاحات الروسية والصينية أسهل من الغربية، بدأت الأمور تتغير".

سريعاً، تسلّمت المجر وسلوفاكيا دفعات من اللقاح الروسي قبل أن توافق عليه وكالة الأدوية الأوروبية، ومن بعد ذلك بدأت ألمانيا تفكر في إنتاج سبوتنيك-في على أراضيها لأنه من مصلحة الجميع أن يكون هناك عدّة لقاحات متوفرة، ثم جاء الإعلان الإيطالي-الروسي المشترك لإنتاج لقاح سبوتنيك-في بدءاً من تموز-يوليو المقبل.

Gyorgy Varga/MTI via AP
رجل يتلقى لقاح سبوتنيك-في الروسي في المجرGyorgy Varga/MTI via AP

ولكن رغم تقدم سبوتنيك-في تدريجياً في الفضاء الأوروبي، لم تتمكن عدّة دول كانت تدور سابقاً في الفلك السوفياتي من تقبل فكرة اللجوء إلى اللقاح الروسي، مثل أوكرانيا التي دخلت في نزاع مع الانفصاليين في شرق البلاد منذ 2015، وهؤلاء مدعومون من روسيا.

حتى أن الأوكرانيين وقعوا عريضة تصف اللقاح الروسي بـ"التهديد المحدق بالبلاد". والأمر نفسه ينطبق على الجورجيين، ذلك أن حرب روسيا وجورجيا التي وقعت في 2008 لا تزال في أذهان البعض ما قد يدفع حكومة تبليسي إلى تقليل الاعتماد على اللقاح الروسي بشكل كبير وربما الاستدارة إلى اللقاحات الصينية بحسب ما يقوله خبراء.

الهبات "لا بدّ أن تكون مسيّسة"

عندما نتحدث عن هبات اللقاحات، لا بد أن يكون الأمر مسيّساً. خذوا مثال صربيا مثلاً: فعلى الرغم من أن الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، نفى ليورونيوز سابقاً أن يكون تقدّم بلاده في حملات التطعيم نتيجة لتقارب سياسي مع أي جهة خارجية، ترى كاراغر ترى الأمر عكس ذلك.

لا بل أن الباحثة المتخصصة في البلقان تقول إن الرئيس الصربي أعطى درساً "في دبلوماسية اللقاحات للعالم كله" حيث نجح بالحصول على لقاحات من روسيا والصين والولايات المتحدة وأوروبا في آن معاً.

ولاحقاً أرسل فوتشيتش هبات من اللقاحات إلى شمال مقدونيا، مونتينيغرو والبوسنة -حيث بدأ بالأكثرية الصربية ثمّ أرسل إلى الجهتين لاحقاً- وأيضاً منح هبة للصرب في كوسوفو. وهذه التصرفات لم تغب عن الاتحاد الأوروبي الذي تقدمت صربيا إلى عضويته. في بروكسل يعي مسؤولون أن بلغراد تلعب دوراً استراتيجياً إذ تعمل مع الصين وروسيا بينما بدأت طريق الانسياب إلى التكتل الأوروبي، حتى أن البعض يتساءل في حضن من سترتمي بلغراد في نهاية المطاف: في حضن بكين أو موسكو أو بروكسل؟

فشل بروكسل؟

في ملف اللقاحات، تعرّضت المفوضية الأوروبية للانتقادات القاسية على مختلف الصعد: البطء في عمليات التطعيم، صعوبة تأمين الكميات المطلوبة، عدم الانفتاح على روسيا إلخ. مع ذلك ترى هوسا أن قرار بعض الدول الشرقية التوجه نحو موسكو لشراء لقاح سبوتنيك-في سيؤثر على مستقبلها في داخل الاتحاد سلباً.

في البلقان، هناك عدة دول لم تقبل ضمن آلية كوفاكس الأممية التي تؤمن دفعات من اللقاحات للدول الأفقر، ما أجبر تلك الدول على انتظار اللقاحات الأوروبية. وفيما بدا التأخر الأوروبي واضحاً، تقول كاراغر إن الوجهة التي استدارت إليها بعض الدول الأوروبية الشرقية ودول البلقان تظهر الخط السياسي الحقيقي لها.

فصربيا مثلاً كانت جاهزة للعمل مع أي طرف مستعد لتلبية أجندتها الداخلية، أما ألبانيا والجبل الأسود، فقررتا انتظار دورهما بحسب ما تحدده بروكسل، وبالتالي الحفاظ على التوجه الغربي. ولكن على الرغم من تطلعات بعض الدول إلى روسيا والصين، تقول هوسا إن الجميع سينسى في المستقبل من اشترى اللقاحات من أي جهة.

ومع أن الخبيرتين تقولان إن مسألة اللقاحات مسألة جيوسياسية، فهما لا تنفيان على الإطلاق واقع الدول التي كانت (لا تزال) تمرّ في موجات من الوباء القاتل، حيث وقعت الحكومات تحت ضغط الشارع لتأمين اللقاحات بأسرع وقت ممكن.

#أسبوع_الرعاية_الصحية من "يورونيوز" يمتد من الـ29 آذار/مارس إلى الثاني من نيسان/أبريل، وهو الأسبوع الذي سيخصَّص للدروس التي تمّ استخلاصها من جائحة كوفيد-19 على المستوى الأوروبي، وأيضاً للمستجدات التي قد تسهم في تكوين نظم الرعاية الصحية الأوروبية في السنوات المقبلة.

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

كثرة انتشار محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم في منطقة البلقان تتسبب في وفاة 19 ألف شخص

كوفيد-19: لمَ تريد وكالة الأدوية الأوروبية تفتيش مراكز إنتاج سبوتنيك-في الروسي؟

شاهد: غزة تستلم مليون جرعة من لقاح سبوتنيك الروسي المضاد لكورونا تبرعت بها الإمارات