تواصل القتال في العاصمة السودانية الإثنين وفيما يزداد وضع المستشفيات والوضع الإنساني صعوبة، تتالت الدعوات الدولية إلى وقف المعارك.
قتل أكثر من 180 مدنيا في السودان وفق الأمم المتحدة، حيث تواصلت المعارك ولا سيّما في الخرطوم الإثنين، في اليوم الثالث من القتال الدائر بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو. وتمّ إخلاء مستشفيين على الأقلّ في العاصمة بعدما "اخترق الرصاص والقذائف جدرانهما"، بحسب ما أعلن أطباء قالوا إنّه لم تعدّ لديهم كذلك أكياس دمّ ولا مستلزمات طبية لعلاج المصابين. وتنتشر رائحة البارود منذ السبت في العاصمة وترتفع أعمدة دخان أسود كثيف في سمائها. ولازم السكان منازلهم، وسط انقطاع التيار الكهربائي والمياه عن عدد كبير من المنازل. وأعلنت نقابة أطباء السودان المستقلّة والمؤيدة للديموقراطية الإثنين مقتل ما لا يقلّ عن 97 مدنياً، سقط 56 منهم السبت و41 الأحد، نصفهم تقريباً في العاصمة. وأوضحت النقابة في بيان أنّ "365 شخصاً أصيبوا" بجروح.
"تعرض لاعتداء"
أعلن الاتّحاد الأوروبي مساء الإثنين أنّ سفيره في الخرطوم إيدان أوهارا "تعرّض لاعتداء" في منزله في العاصمة السودانية حيث تدور منذ السبت معارك ضارية بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل في تغريدة إنّه "قبل بضع ساعات تعرّض سفير الاتّحاد الأوروبي في السودان لاعتداء في منزله"، من دون أي يوضح ما إذا كان المبعوث قد تعرّض لأيّ إصابات.
لكنّ المتحدّثة باسم الشؤون الخارجية في الاتّحاد الأوروبي نبيلة مصرالي قالت لوكالة فرانس برس إنّ السفير أوهارا "على ما يرام"، مضيفة أنّ بعثة الاتّحاد الأوروبي في الخرطوم لم يتم إجلاؤها. وشدّدت مصرالي على أنّ "سلامة موظفينا هي أولويتنا".
وفي تغريدته شدّد بوريل على أنّ "أمن المقارّ الدبلوماسية وطواقمها من المسؤوليات الأساسية للسلطات السودانية وواجب عليها وفقاً للقانون الدولي". وندّد وزير الخارجية الأوروبي بشدّة بهذا "الانتهاك الفاضح لمعاهدة فيينا" التي ترعى العلاقات الدبلوماسية بين الدول.
وكان بوريل دعا في وقت سابق من الإثنين إلى وقف فوري لإطلاق النار في السودان "للسماح بإجراء وساطة"، وأضاف أنّ "الاتّحاد الأوروبي يحاول إقناع الجانبين بضرورة أن تكون هناك تهدئة إنسانية وتشجيع للحوار".
تحركات دبلوماسية
أعلنت مصر، وهي جار كبير مؤثّر للسودان، أنّها ناقشت الوضع في السودان مع السعودية وجنوب السودان وجيبوتي، وكذلك مع فرنسا. من جانبها تحدثت قطر مع رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد الذي من المفترض أن يتوجه في أسرع وقت ممكن إلى السودان - الذي لم تعد تحلق فوقه أي طائرات ركاب.
ودعا وزيرا خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا من اليابان الإثنين إلى "وقف فوري" للعنف. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعد اجتماع مع نظيره البريطاني جيمس كليفرلي إن هناك اتفاقا على الحاجة إلى "وقف فوري لإطلاق النار والعودة إلى المحادثات". ويعقد مجلس الأمن الدولي الإثنين اجتماعاً مغلقاً بشأن الوضع في السودان.
وضع صعب في المستشفيات
يصعب تشخيص الوضع على الأرض في السودجا. فقد أعلنت قوات الدعم السريع أنها سيطرت على مطار الخرطوم الدولي السبت، الأمر الذي نفاه الجيش. وقالت إنها دخلت القصر الرئاسي، لكنّ الجيش ينفي ذلك أيضا ويؤكد أنه يسيطر على المقرّ العام لقيادته العامة، أحد أكبر مجمّعات السلطة في الخرطوم.
أما التلفزيون الرسمي فيؤكّد كلّ من الطرفين سيطرته عليه. لكنّ سكاناً في محيط مقرّ التلفزيون أكّدوا الإثنين أن القتال متواصل في المنطقة، فيما تكتفي المحطة ببث الأغاني الوطنية على غرار ما حصل خلال انقلاب 2021.
وفيما لا يرتسم في الأفق أيّ وقف لإطلاق النار، دقّ الأطباء والعاملون في المجال الإنساني ناقوس الخطر. فبعض الأحياء في الخرطوم محرومة من التيار الكهربائي والمياه منذ السبت.
وأكّد أطباء انقطاع التيار عن أقسام الجراحة، فيما أفادت منظمة الصحة العالمية أنّ "عدداً من مستشفيات الخرطوم التسعة التي تستقبل المدنيين المصابين، تعاني من نفاد وحدات الدم ومعدات نقل الدم وسوائل الحقن الوريدي وغيرها من الإمدادات الحيوية".
وعجزت "الممرّات الإنسانية" التي أعلنها الطرفان المتحاربان لمدة ثلاث ساعات بعد ظهر الأحد عن تغيير الوضع، فاستمرّ سماع إطلاق النار ودويّ انفجارات في الخرطوم.
تعليق أنشطة
أعلنت منظّمات غير حكومية عديدة ووكالات تابعة للأمم المتّحدة تعليق أنشطتها في السودان، في قرار له تداعيات وخيمة في بلد يؤثر فيه الجوع على أكثر من واحد من كل ثلاثة من سكّانه البالغ عددهم 45 مليونا.
مع كلّ غارة جوية جديدة أو قصف مدفعي، يفزع الآباء والأطفال، وتقول عائلات إنّها لم تشهد سابقاً مثل هذا العنف في عاصمة الدولة التي بدأت قبل أربع سنوات فترة انتقالية نحو الديموقراطية.
واليوم، يشاهد الجميع من نوافذهم عربات مدرعة ومسلّحين يمرّون في مركبات مدنية أزيلت لوحات أرقامها، آملين ألا تصيب بناياتهم طلقات طائشة أو شظايا. وحذّرت متاجر البقالة القليلة التي لا تزال مفتوحة من أنّها لن تصمد أكثر من أيام قليلة إذا لم تدخل شاحنات المؤن إلى العاصمة.
وكان التوتّر كامناً منذ أسابيع بين البرهان ودقلو المعروف بـ"حميدتي" اللذين أطاحا معاً بالمدنيين من السلطة خلال انقلاب في تشرين الأول/أكتوبر 2021، قبل أن يتحوّل خلافهما السياسي على السلطة خصوصاً، الى مواجهات السبت.
وتتواصل المعارك بالأسلحة الثقيلة في مناطق عدة في البلاد، فيما تدخّل سلاح الجو بانتظام حتى داخل الخرطوم لقصف مقارّ لقوات الدعم السريع، القوة التي كانت معروفة بـ"الجنجويد" في عهد عمر البشير وقاتلت الى جانب قواته في إقليم درافور.
ولاحقاً تحوّلت ميليشيات الجنجويد إلى قوة نظامية شبه عسكرية باسم "قوات الدعم السريع"، وبعد الإطاحة بالبشير شاركت في تقاسم السلطة بين العسكر والمدنيين. وعلى تويتر كتبت قوات حميدتي بالإنكليزية إنّ "البرهان يقصف المدنيين من الجو، ونحن مستمرون في القتال وسوف نقدمه للعدالة".
دعوة إلى "وقف فوري" للقتال
دعا الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش الإثنين إلى "وقف فوري للأعمال العدائية، وإعادة إرساء الهدوء، والانخراط في حوار لحلّ الأزمة" في السودان حيث تدور منذ السبت معارك ضارية بين الجيش وقوات الدعم السريع. وقال غوتيريش: "أدين بشدّة اندلاع المعارك الدائرة في السودان"، محذّراً من أنّ "أيّ تصعيد إضافي" للنزاع بين الجيش والقوات شبه العسكرية "قد يكون مدمّراً للبلاد والمنطقة".
ودعا الأمين العام "كلّ من لديهم نفوذ على الوضع لاستخدامه في سبيل إحلال السلام"، وأضاف قوله إنّ "الوضع الإنساني في السودان كان هشّاً أصلاً وبات الآن كارثياً". وفي أعقاب مقتل ثلاثة من موظفي برنامج الأغذية العالمي في هذه المعارك، كرّر الأمين العام مناشدته طرفي القتال "ضمان سلامة" موظفي الأمم المتحدة وجميع أفراد طواقم الإغاثة.
البرهان يحل قوات الدعم السريع ويعتبرها "قوة متمردة على الدولة"
قالت وزارة الخارجية السودانية إن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أمر بحل قوات الدعم السريع ووصفها بأنها مجموعة متمردة.
معركة السيطرة على مطار مروي
اشتدت الضربات الجوية والقصف على أجزاء من الخرطوم ومدينة أم درمان المجاورة. وسمع دوي إطلاق نار متواصل بالقرب من المقر العسكري مع تصاعد دخان الدخان من المنطقة.
وبحسب وسائل إعلام سودانية فأن عمليات الكر والفر بين الطرفين متواصلة من أجل السيطرة على مطار مروي.
واشنطن ولندن تدعوان إلى "وقف فوري" للعنف في السودان
دعا وزيرا الخارجية الأميركية والبريطاني بعد اجتماع على هامش قمة مجموعة السبع في اليابان الاثنين إلى "وقف فوري" للعنف في السودان حيث خلفت اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع 97 قتيلا.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعد اجتماع مع نظيره البريطاني جيمس كليفرلي إن هناك اتفاقا على الحاجة إلى "وقف فوري لإطلاق النار والعودة إلى المحادثات".
مسارات آمنة
تواصل القتال في العاصمة السودانية الأحد بعد إعلان الجيش وقوات الدعم السريع في بيانين منفصلين الاتفاق على مقترح للأمم المتحدة بفتح "مسارات آمنة للحالات الانسانية" لثلاث ساعات، ومقتل أكثر من 50 مدنيًا بينهم ثلاثة عاملين في برنامج الأغذية العالمي.
وفيما أفاد أطباء عن إصابة المئات جراء المعارك، حذرت منظمة الصحة العالمية في بيان من أن "العديد من مستشفيات الخرطوم التسعة التي تستقبل المدنيين المصابين تعاني من نفاد وحدات الدم ومعدات نقل الدم وسوائل الحقن الوريدي وغيرها من الإمدادات الحيوية".
واضافت "مع استمرار القتال في الخرطوم وأجزاء أخرى من السودان، تحض منظمة الصحة العالمية جميع أطراف النزاع على احترام حيادية الرعاية الصحية وضمان الوصول غير المقيد للمصابين إلى المرافق الصحية".
أثارت المواجهات الدائرة منذ السبت بين الجيش وقوات الدعم السريع إدانات دولية ومخاوف إقليمية، ما أدّى إلى إغلاق حدود مصر وتشاد المجاورتين. وتبادلت قوات الدعم السريع والجيش السوداني الاتهامات بالمبادرة بالقتال.
