تصدّرت غزة خطابات الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة وسط دعوات متزايدة لوقف الحرب والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
شهدت قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، الثلاثاء، سيلًا من الخطابات النارية التي عكست حجم الانقسام الدولي حول القضايا الساخنة، وعلى رأسها الحرب في غزة، الأزمات الإنسانية، وصراع النفوذ العالمي. وجاءت كلمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأكثر إثارة للجدل بهجومه المباشر على المنظمة الدولية وتفاخره بالقوة الأميركية، بينما صعّد قادة المنطقة من لهجتهم دفاعًا عن فلسطين.
غوتيريش: البشرية في عصر الفوضى
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسم لوحة قاتمة للمشهد العالمي، محذّرًا من أن الإنسانية دخلت "عصرًا قاسيًا من الاضطرابات والمعاناة"، وأن أسس السلام تتفكك تحت وطأة "الإفلات من العقاب واللامساواة". وتوقف عند غزة واصفًا أهوالها بأنها "تقترب من عامها الثالث"، مؤكّدًا أن "لا شيء يبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني أو التدمير الممنهج لمقدرات حياته"، ومشيرًا إلى أن المجاعة أصبحت واقعًا هناك. كما نبّه إلى أن خفض المساعدات الإنسانية يمثل "حكمًا بالإعدام على كثيرين"، في إشارة إلى تقليص التمويل الدولي منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
ترامب: هجوم على الأمم المتحدة وتفاخر بالقوة الأميركية
الرئيس الأميركي دونالد ترامب شنّ هجومًا عنيفًا على الأمم المتحدة، معتبرًا أنها "لا تسهم في بناء السلام"، وسخر من مقرها في نيويورك. وقال: "نتمتع بأقوى اقتصاد وأقوى جيش وأقوى حدود"، مشيرًا إلى أن استثمارات بقيمة 17 تريليون دولار دخلت الولايات المتحدة في عهده. وأعلن إنهاء "سبع حروب" وأكد استحقاقه جائزة نوبل للسلام.
في ملف غزة، شدد على أن إنهاء الحرب وإعادة الأسرى أولوية، متهمًا حركة حماس برفض العروض المتكررة لوقف إطلاق النار. كما جدد اتهامه لإيران بأنها "الراعي الأول للإرهاب" وأكد أنه عرض التعاون على المرشد الإيراني الذي "رد بالتهديد".
وفي أوكرانيا، تعهد بفرض رسوم قوية لإنهاء الحرب سريعًا، منتقدًا شراء أوروبا والهند والصين النفط الروسي. أما في ملف المناخ، فوصف الاحترار العالمي بأنه "خدعة كبيرة"، متهكمًا على "المتطرفين البيئيين الذين يريدون قتل البقر".
وأشاد بسياسته الصارمة في مجال مكافحة الجريمة، بما في ذلك إرسال وحدات عسكرية إلى واشنطن وشنّ غارات على زوارق فنزويلية يقول إنها تستخدم لتهريب المخدّرات. وقال "إلى كلّ مجرم إرهابي يهرّب مخدّرات سامة إلى الولايات المتحدة الأميركية، يرجى منك أخذ الحذر بأننا سنمحوك عن الوجود".
واعتمد لهجة شديدة خصوصا في مسألة الهجرة التي شكّلت محورا رئيسيا في حملتيه الانتخابيتين، متّهما الأمم المتحدة بـ"تمويل هجوم" على الغرب.
وقال: "حان الوقت لإنهاء الاختبار الفاشل للحدود المفتوحة"، منبّها من أن "بلدانكم في طريقها إلى الجحيم".
أردوغان: غزة من أحلك لحظات البشرية
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصف ما يجري في غزة بأنه "إبادة جماعية تُبث على الهواء"، مبرزًا مقتل أكثر من 20 ألف طفل خلال 23 شهرًا. ودعا الدول التي لم تعترف بفلسطين إلى القيام بذلك فورًا، مؤكدًا أن "على مر 23 شهرًا قُتل طفل كل ساعة في غزة". وأضاف أن إسرائيل "تهدد أمن المنطقة وتدمر أسس السلام"، معتبرًا أن ما يجري يمثل "من أحلك لحظات البشرية".
أمير قطر: الاعتداء على قطر إرهاب دولة
أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ندّد بالهجوم الإسرائيلي الذي استهدف الدوحة وأسفر عن مقتل ستة بينهم قطري، واصفًا إياه بأنه "خرق سافر للأعراف الدولية وإرهاب دولة". وأكد أن بلاده انخرطت في "وساطة شاقة" لوقف الحرب وواجهت حملات تضليل، لكنها لن تتراجع عن جهودها. وأضاف أن إسرائيل تسعى لفرض إرادتها على المنطقة وتصوير كل معارض كـ"إرهابي أو معادٍ للسامية"، متهمًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه يعتبر الحرب فرصة لتوسيع الاستيطان ودفن السلام.
عبد الله الثاني: الحرب على غزة من أحلك أحداث الأمم المتحدة
ملك الأردن عبد الله الثاني قال إن الحرب في غزة تمثل "واحدة من أحلك الأحداث في تاريخ الأمم المتحدة"، مؤكدًا أن الفلسطينيين يُحرمون مرارًا من حقوقهم الأساسية. وأوضح أن الاعتراف بدولة فلسطين "ليس مكافأة بل حق لا جدال فيه"، مشددًا على أن الأمن لن يتحقق إلا عندما تعيش فلسطين وإسرائيل جنبًا إلى جنب. واعتبر أن الدعوات الإسرائيلية بشأن "إسرائيل الكبرى" لا يمكن القبول بها، متهماً الحكومة الإسرائيلية بهدم أسس السلام وانتهاك سيادة دول المنطقة.
وبين تحذيرات غوتيريش، وهجوم ترامب، ومرافعات أردوغان والشيخ تميم وعبد الله الثاني، بدت منصة الأمم المتحدة أشبه بمرآة للفوضى العالمية، حيث تصدّرت غزة المشهد، وارتسمت صورة عن عالم تتنازعه الحروب والمجاعات وتضاؤل الثقة بالقانون الدولي.