سبق أن ظهر اسم “باشان” في السياق السوري الحديث لأول مرة في كانون الأول 2024، حين أطلقت إسرائيل على عمليتها العسكرية الواسعة في سوريا تسمية “سهم باشان”، المستوحى من التوراة.
وجّه الشيخ حكمت سلمان الهجري، الرئيس الروحي للموحدين الدروز في سوريا، نداءً إنسانيًا عاجلاً إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، ورئيس وأعضاء بعثة الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمتي العفو الدولية والصليب الأحمر الدولي، بالإضافة إلى “الجهات الدولية ودول العالم”.
وأشار الهجري في ندائه إلى أن المنطقة التي وجّه منها صوته، والتي عرّفها باسم “جبل باشان”، تخضع لحصار شامل يطال الغذاء والدواء والمياه والمحروقات وحرية التنقّل، في ظل شلل شبه كامل للمؤسسات العامة جرّاء قطع الإنترنت ومنع إصدار الوثائق الرسمية.
ولفت إلى أن المساعدات الدولية التي تصل، وإن كانت محدودة، لا تغطي الاحتياجات الأساسية، بل تُستخدم أحيانًا في حملات إعلامية تهدف إلى تزييف حقيقة الواقع الإنساني المتردّي.
وأوضح أن السكان يعيشون في خوف دائم، لا سيما مع استمرار انتهاكات وقف إطلاق النار، وانقطاع الرواتب والمعاشات عن الموظفين والمتعاقدين تعسفيًا، وحرمان الطلاب من استكمال دراستهم في المدارس والجامعات بسبب التهديدات والاعتداءات المتكررة. كما أشار إلى احتلال أكثر من خمسة وثلاثين قرية في شمال وغرب الجبل، وتدمير منشآت حيوية بينها مشافٍ ومعامل ومطاحن ومعاصر ومحطات وقود ومخازن الحبوب، فضلاً عن منع متعمّد لوصول المحروقات بهدف شلّ كل مظاهر الحياة والإنتاج.
وأكّد أن انهيار القطاع الصحي بلغ حدوده القصوى بعد استهداف كوادر طبية وتدمير مرافق صحية، ما أدّى إلى وفاة عدد من المرضى جرّاء نقص الأدوية وانعدام القدرة على تقديم العناية الطبية الأساسية.
استخدام “جبل باشان” يحمل دلالة رمزية جديدة
والملاحظ أن الشيخ الهجري استخدم تعبير “جبل باشان” بدلًا من “جبل العرب” لأول مرة منذ أحداث السويداء التي جرت في تموز 2025. وتحمل التسمية دلالات توراتية عميقة؛ إذ يُعتقد أن كلمة “باشان” سامية قديمة، ومعناها “الأرض الخصبة” أو “أرض المراعي”. وقد وردت في العهد القديم كمنطقة مشهورة بخصوبتها وقطعانها الكثيرة.
وتشير النصوص التوراتية إلى أن ملك باشان كان يُدعى “عوج”، وكان من “الرفائيين”، وهم من الشعوب السامية القديمة التي يُصنَّف أفرادها في التراث الكنعاني كعمالقة، واستوطنت هذه المنطقة منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد على الأقل.
وفي الجغرافيا الحديثة، تقابل منطقة باشان التوراتية تقريبًا جبل العرب (جبل الدروز) وسهل حوران وأجزاء من مرتفعات الجولان.
الاسم ظهر أولًا في سياق عسكري إسرائيلي
وسبق أن ظهر اسم “باشان” في السياق السوري الحديث لأول مرة في بداية كانون الأول 2024، حين أطلقت إسرائيل على عمليتها العسكرية الواسعة في سوريا تسمية “سهم باشان”، المستوحى من التوراة.
وخلال تلك العملية، دمّرت إسرائيل معظم القدرات العسكرية لجيش النظام السوري، وسيطرت على المنطقة العازلة السورية، التي يبلغ طولها أكثر من 75 كيلومترا ويتراوح عرضها بين 200 متر في الجنوب و10 كيلومترات في الوسط.
تدخل إسرائيلي واضح بعد أحداث السويداء
وكان التدخل الإسرائيلي في جنوب سوريا أكثر وضوحًا بعد أحداث تموز 2025، حين شنّت قوات حكومية وفصائل عشائرية هجومًا على منطقة السويداء، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى من المدنيين. وردّت إسرائيل حينها بسلسلة غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع عسكرية في أنحاء متفرقة من سوريا، بما في ذلك مبنى وزارة الدفاع في قلب دمشق. وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في جنوب سوريا جاء “نتيجة لاستخدام القوة العسكرية الإسرائيلية”، مؤكدًا أن قواته الجوية استهدفت “العصابات القاتلة” والمركبات المسلحة التابعة للقوات السورية.
وتعهّد نتنياهو آنذاك بـ”ضمان بقاء منطقة جنوب سوريا خالية من السلاح”، مشيرًا صراحةً إلى التزام إسرائيل بـ”حماية الطائفة الدرزية التي وصفها بأنها إخوة إخواننا”.
وقد أثار استخدام هذه التسمية موجة واسعة من التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر كثيرون عن استهجانهم لما اعتبروه انفصالًا عن الهوية المحلية والتاريخ الحديث للمنطقة. وذهب بعض المعلقين إلى اتهام الشيخ الهجري بشكل مباشر بالانحياز أو “العمالة” لإسرائيل، مستندين إلى كون الاسم قد اكتسب حضورًا عسكريًّا إسرائيليًّا حديثًا.
فيما رأى آخرون أن الخطوة تحمل إيحاءات سياسية غير بريئة، خاصة في ظل التداخل الواضح بين الخطاب التوراتي الإسرائيلي والتطورات الميدانية الأخيرة في الجنوب السوري.