رغم أن مقتل كيرك شكّل ضربة شخصية لترامب وحلفائه، فإن الحدث، بعد مرور شهر عليه، يبدو وفق تقرير الغارديان أنه وفّر غطاءً لحملة انتقامية مترامية الأطراف تستهدف الحريات المدنية.
قالت "صحيفة الغارديان" أن الرئيس دونالد ترامب وحلفاءه من حركة "اجعل أمريكا عظيمة من جديد" MAGA، استغلوا مقتل المؤثر اليميني تشارلي كيرك لتوسيع نطاق الهجمات على الجماعات الليبرالية والمانحين والديمقراطيين، عبر تشويه سمعة منتقديهم باعتبارهم “العدو الداخلي” و“اليسار الراديكالي”، في خطوة يصفها علماء القانون والمؤرخون بأنها استبدادية ومعادية للديمقراطية.
وأشارت الصحيفة إلى أن مقتل كيرك على يد مسلح وحيد دفع ترامب وكبار حلفاءه إلى إطلاق اتهامات تآمرية سريعة ضد مجموعة من الخصوم السياسيين، بينهم الملياردير المانح الليبرالي جورج سوروس. كما هدّد ترامب باتخاذ إجراء قانوني ضد شبكة ABC التلفزيونية بعد إنهاء عمل نجمها جيمي كيميل بسبب تعليقاته حول كيرك.
مأساة شخصية تتحول إلى ذريعة سياسية
ورغم أن مقتل كيرك شكّل ضربة شخصية لترامب وحلفائه، فإن الحدث، بعد مرور شهر عليه، يبدو وفق تقرير الغارديان أنه وفّر غطاءً لحملة انتقامية مترامية الأطراف تستهدف الحريات المدنية، وتمسّ نُقّادًا في وسائل الإعلام والجامعات والمنظمات غير الربحية وأجزاء أخرى من المجتمع المدني الأمريكي.
فقد أوردت الصحيفة أن ترامب، في النصب التذكاري لكيرك، وبعد أن قالت أرملته بشكل مؤثر إنها “ستغفر” لقاتله، أعلن بغضب: “أنا أكره خصومي ولا أتمنى لهم الأفضل” — كلمات اعتبرها علماء غير رئاسية وقد تؤجّج مزيدًا من العنف.
“العدو الداخلي” وخطاب التصعيد العسكري
وبحسب الغارديان، فإن ترامب افترض، حتى قبل إلقاء القبض على المشتبه به، أن “اللغة اليسارية المتطرفة” ساهمت في وفاة كيرك، وتعهّد بملاحقة “الأشخاص المسؤولين عن أعمال العنف” و”المنظمات التي تمولها وتدعمها”. وقال: “لدينا مجانين يساريين متطرفين، وعلينا فقط أن نضربهم بشدة”.
كما نقلت الصحيفة أن ترامب صعّد لهجته في حديثه إلى مئات من كبار المسؤولين العسكريين الشهر الماضي، حين حذر من “العدو الداخلي” واقترح استخدام الجيش في حملته ضد الجريمة في المدن ذات الأغلبية الديمقراطية، واصفًا إياها بأنها قد تكون “أرض تدريب” عسكرية.
تحذيرات من “قواعد اللعبة الاستبدادية”
وفي الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، وبينما كانت مئات من قوات الحرس الوطني على أهبة الاستعداد لدخول شيكاغو رغم اعتراضات عمدة المدينة وحاكم إلينوي — وكلاهما ديمقراطيان انتقدا حملة ترامب العسكرية على الهجرة — الأمر الذي دعا ترامب إلى سجن المسؤولين المذكورين، رغم عدم توجيه أي اتهامات إليهما، وفق ما ذكرته الغارديان.
وتحذّر الصحيفة من أن ترامب وعالم "MAGA" استغلا مقتل كيرك لتبرير هجمات واسعة النطاق على منتقديهم، مشيرة إلى تصريحات ستيفن ليفيتسكي، الأستاذ الحكومي بجامعة هارفارد والمؤلف المشارك لكتاب "كيف تموت الديمقراطيات"، الذي قال: “ترامب وحلفاؤه يستخدمون الصفحة الأولى من قواعد اللعبة الاستبدادية في هجماتهم المتسارعة على الأعداء السياسيين”.
وأضاف ليفيتسكي، بحسب الغارديان: “يستخدمون العنف السياسي كذريعة لملاحقة أعدائهم السياسيين. بعضهم كان يتوق إلى القيام بهذا. إنهم يلاحقون المعارضين الرئيسيين والنقاد الآخرين، ويحددون السلوك غير المقبول على أوسع نطاق ممكن”.
ملاحقة الممولين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب
وشدّدت الصحيفة على أن الهجمات على سوروس وبعض الممولين الرئيسيين للديمقراطيين والجماعات الليبرالية تشكل جزءًا من هجوم أوسع على المجتمع المدني، ناقلَة عن ليفيتسكي قوله: “الهدف هو ترجيح كفة الملعب من خلال ملاحقة أي شخص في المجتمع المدني يمكنه تحديهم. إحدى الطرق لإضعافهم هي ملاحقة الممولين باستخدام ذريعة كاذبة عبر ربطهم بالعنف أو السلوك غير القانوني”.
وأشارت الغارديان إلى أن ترامب، في مقابلات بعد أيام من مقتل كيرك، اتهم بلغة تآمرية وخالية من الأدلة الملياردير جورج سوروس (95 عامًا) بأنه “يجب وضعه في السجن”، ووصفه بأنه “رجل سيّء”. وقال لقناة فوكس آند فريندز: “إننا سننظر في سوروس” بحثًا عن انتهاكات محتملة لقانون ريكو.
ووفقًا لتقرير الصحيفة، فتحت وزارة العدل تحقيقات في مؤسسات “المجتمع المفتوح” التي يمولها سوروس، والتي ضخت على مدى عقود ملايين الدولارات في برامج الحقوق المدنية وحقوق الإنسان والديمقراطية. وردّت المؤسسات بأن الاتهامات “هجمات ذات دوافع سياسية على المجتمع المدني” تهدف إلى إسكات الخطاب المخالف، مؤكدة أن جميع أنشطتها “سلمية وقانونية”.
تسليح العدالة ضد الخصوم القدامى
كما نقلت الغارديان عن خبراء قانونيين قولهم إن حملة ترامب لمحاكمة سوروس بتهمة ريكو تتعارض مع سيادة القانون، وتشكل جزءًا من حملته الأوسع لتسليح وزارة العدل ضد خصوم قدامى، مثل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي.
وأفادت الصحيفة أن المدعي العام المبتدئ الذي اختاره ترامب قدّم الشهر الماضي لائحة اتهام ضد كومي بتهمتي الكذب على الكونغرس وعرقلة عمله، بعد أن أجبر ترامب المدعي العام المخضرم على الاستقالة، والذي لم يتابع التهم بسبب ضعف الأدلة. ودفع كومي في 8 أكتوبر/تشرين الأول بأنه غير مذنب.
اتهامات متبادلة ضد مسؤولين ديمقراطيين
وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول، وفقًا للغارديان، وجّه مدعٍ عام في ولاية فرجينيا — عيّنه ترامب رغم اعتراضات مدعين عامين مخضرمين أُقيلوا — اتهامات بالاحتيال المصرفي والتصريحات الكاذبة ضد المدعية العامة في نيويورك ليتيتيا جيمس، التي طالما انتقدها ترامب لفوزها بقضية مدنية ضده بسبب تضخيم أصوله العقارية.
ووصفت جيمس التهم بأنها “لا أساس لها من الصحة”، واعتبرتها جزءًا من “تسليح” ترامب لنظام العدالة.
ونقلت الصحيفة أن أكثر من 3700 مجموعة وقّعت في 1 أكتوبر/تشرين الأول على رسالة نظّمها صندوق المدافعين عن الديمقراطية، انتقدت فيها الإدارة لإطلاقها حملة “تخويف وإسكات المجموعات الخيرية من خلال الإجراءات التنفيذية”.
تصنيف “أنتيفا” كمنظمة إرهابية دون سند قانوني
وأخيرًا، أشارت الغارديان إلى أن نائب رئيس أركان ترامب الراديكالي، ستيفن ميلر، وصف الحزب الديمقراطي بأنه “منظمة متطرفة محلية”، وألقى باللوم على “الشبكات الإرهابية” في مقتل كيرك، وتعهد بملاحقة “شبكة إرهابية محلية واسعة”.
ولتحقيق ذلك، وقّع ترامب مذكرة تنفيذية بعد أسبوعين من وفاة كيرك أطلق عليها اسم “مكافحة الإرهاب الداخلي والعنف السياسي المنظم”، واستشهدت المذكرة بمقتل كيرك، وأرست أساس جهود منسقة بين المدعي العام ووزير الخزانة ومفوض مصلحة الضرائب، ودعت إلى وضع “استراتيجية وطنية للتحقيق مع الكيانات والأفراد المتورطين في أعمال العنف السياسي والترهيب التي تهدف إلى قمع النشاط السياسي المشروع أو عرقلة سيادة القانون ومحاكمتهم وتعطيلهم”.
وكجزء من هذا الجهد، صنّف ترامب حركة “أنتيفا” اليسارية على أنها “منظمة إرهابية محلية”، رغم أن القانون الأمريكي لا يعترف بمثل هذا التصنيف، ووجّه تعليماته لإدارته “باستخدام جميع السلطات المختصة للتحقيق في أي عمليات غير قانونية وتعطيلها وتفكيكها — وخاصة تلك التي تنطوي على أعمال إرهابية — تقوم بها حركة أنتيفا”.